الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مأزق الديموقراطية العراقية و الثورات العربية
علي بداي
2011 / 4 / 28اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تمثلت السلطة في العالم العربي على مدى أكثر من نصف قرن بعد إستقلال الدول العربية بثلاث أنماط من أنظمة الحكم، هي نمط الحكم الملكي اللادستوري وهو نموذج الحكم المطلق المستند الى شرعية قبلية أو تبرير ديني كما في دول الخليج والمغرب والأردن، ثم نموذج الحكم العسكري كما في سوريا وليبيا وأشكاله المحورة بنموذج " الديموقراطية العسكرية العربية" في اليمن و مصر و تونس والسودان، والمتمثل بسلطة أحزاب الإنقلابات بعد حكم عسكري لعدد من السنين، يتم خلالها مراكمة الثروة وتأطير المجتمع، ورشوة فئات منه ، ثم اللجوء لتأسيس أحزاب للسلطة تقاد من قبل الإنقلابيين ( علي عبد الله صالح ، حسني مبارك كإستمرار لإنقلاب يوليو، زين العابدين بن علي، عمر البشير) لتنافس من يرغب معارضتها!
وتتبقى ثلاثة أنظمة توضع في التصنيف الثالث أي الدول ذات النظم الديموقراطية المتباينة في درجة رسوخها وهي الجزائر ولبنان ذو الديمقراطية التوافقية والعراق منذ 2003.
وقد أثارت سلسلة الإحتجاجات التي إجتاحت المدن العراقية في شهر شباط والتي مازالت تتجدد بين أسبوع وآخر، تفاعل العديد من الأسئلة المركبة والمتداخلة ، أولا من ناحية إرتباط هذه الإحتجاجات بماتشهده البلدان العربية من تحولات غير مسبوقة على صعيد الوعي الجماهيري والسعي لأول مرة لتقويض ركائز الحكم ووضع أسس جديدة لشرعية السلطة ، وثانيا من ناحية الإرباك الذي سببته لأحزاب السلطة العراقية التي دافعت عن نفسها بإعتبارها جهة منتخبة غير معنية بإحتجاجات " مجاميع محدودة من الخاسرين بالإنتخابات"
ومن بين الأسئلة أيضا مايتعلق بالتأثيرات المتبادلة بين هذه الأحداث العربية والتحولات التي جرت في العراق منذ عام 2003، فباتت الأسئلة تدور حول إمكانية وعي الشعوب العربية حقيقة ماكان يجري في عراق صدام حسين، و أدراك هذه الشعوب ( ربما بدون إرادتها ) بعد أن تابعت محاكمة صدام العلنية وبعد أن تكشف أمامها هول القمع الذي إتسمت به فترة حكمه الطويلة أن صداما لم يكن المنقذ الذي توهمته ، أو فيما إذا كان منظر الملايين العراقية المتوجهة مرارا عدة للإنتخابات منذ عام 2005 محفزا للشعوب العربية للثورة على حكامها؟ وإذا ما ساهم تغير وجوه المشهد العراقي ممثلا بتعاقب رؤساء الوزارات، والدور الإعتباري لرئيس جمهورية العراق في تحفيز الشعور بالحيف لدى الملايين العربية التي لم تر طيلة عقود غير وجوه رؤسائها الذين لايودون مغادرة كراسيهم حتى بعد تجاوزهم سن التقاعد؟
هناك في الواقع ما يرجح وجود تأثير واضح للتطورات على الساحة العراقية على بلوغ الوعي الجماهيري العربي مرحلة الإنتفاض، ضمن عملية تمت ببطئ نتيجة لتفاعل كل ماذكر آنفا من متغيرات الساحة العراقية مع تدهور المستوى المعاشي وخنق الحريات في كافة البلدان العربية وإنسداد الآفاق أمام أي تغيير إيجابي لحل مشكلة السلطة خارج إطارمشهد التوريث. فإذا كان المطلب الأساس الذي رفعته الجماهير العربية هو جعل الشعب مصدرا للسلطات مما يعني إنتخاب السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فإن العراقيين قد ذهبوا أمام أنظار الملايين وخلال سبع سنوات مرارا عدة لصناديق الإنتخابات ضمن عملية لم يطعن بسلامتها من قبل المراقبين الدوليين، وبالتالي فلايمكن أن لايؤثر هذا الفعل الديموقراطي غير المسبوق في تشكيل الوعي العربي ،ولعل ممايعزز هذا الإستنتاج حقيقة الغياب التام لأي رمز " لصدام حسين" خلال حركات الإحتجاج المليونية على إمتداد الوطن العربي بعد أن كانت صوره لاتفارق أي فعل جماهيري عربي طيلة عقد التسعينات وبداية الألفية الثالثة.
ولكن هذا الإستنتاج ، إن صح، سيضعنا بمواجهة سؤال صعب يتعلق بتحديد الملامح والآفاق اللاحقة لتطور الثورة العربية بعد أن بينت الإحتجاجات العارمة في العراق التي حصلت والتي مازالت في طور التشكل أن نتائج التجربة الديموقراطية العراقية ، لم تعد مقنعة للجماهير التي صنعتها فكيف يمكن أن تكون ملهمة للجماهير العربية؟
فإذا ما إتفقنا على أن العملية الديموقراطية في العراق قد جرت وفق المعايير الدولية، بهامش تزوير محدود يجدر بنا التساؤل الآن أولا عن السبب، أو مجموعة الأسباب، الذي أدىت بهذه التجربة لأن تفقد بريقها بحيث يتظاهر بناتها ضدها ، ثم بحث عيوب هذه التجربة الديموقراطية وما يمكن أن تقدمه للشعوب العربية من دروس.
الكتل البشرية الصماء:
في البداية لابد من القول أن العملية الديمقراطية التي تجري في العراق تتسم بخصوصية تميزها تمييزا واضحا عن غيرها ، فهي أولا مخلوق ولد ولادة غير طبيعية ومشوهة جراء تدخل خارجي، في بيئة غير معدة جيدا ، ضمن ظروف إتسمت بالتخلف الإجتماعي والإنكسار النفسي والتشتت الإجتماعي الحاد جراء سلسلة حروب قاسية وشديدة الوطأة على المجتمع، كان من نتائجها شيوع الأمية وسيادة القيم العشائرية والولاءات الدينية المتعددة حتى ضمن الطائفة الواحدة، وتغير حاد للقيم الإجتماعية بعد أن مرت البلاد بحالة عوز إقتصادي لامثيل لها جراء حصار دولي دام أكثر من إثنتي عشرة سنة، وقد نمت في تلك الحاضنة بذور فساد إداري ومالي وأخلاقي وصلت الآن مرحلة الإستشراء في كل مفاصل الدولة. كما تسربت خلال فترة الحصارخيرة الكفاءات البشرية العراقية الى الخارج .
نتج عن ذلك كله ،أن العملية السياسية في العراق لم تتأسس على رأي الفرد الحر، لأن هذا الفرد الحر لم يكن قد ولد بعد، وقد إعتمدت عملية التحول الديموقراطي في جوهرها على تحريك الكتل البشرية الصماء بطريقة الشحن القومي والطائفي، حيث كانت الكتلة الصماء تجر قبيل كل انتخابات للإدلاء برأيها المعروف سلفا، فالطائفة والقومية معرضة للإبادة ولكي تنقذها ماعليك الا أداء الواجب الشرعي فتنتخب من يتوجب عليك انتخابه، هذا هو قاع إنحطاط الوعي الوطني العراقي الذي لم يبلغه من قبل، والذي شكل الأساس الذي بنيت عليها العملية السياسية كلها . بمعنى من المعاني إذن ، تتميزالحالة العراقية بتعقيدها وخصوصيتها لكن هناك في ثنايا هذه التجربة الديموقراطية العراقية ما يمكن له أن يتكرر في أي بلد عربي .
الأميون:
تشير آخر تقديرات رصدت في الفترة بين 2008 و2009 إلى وجود خمسة ملايين أمي في العراق أكثر من 60% إلى 65% منهم من النساء، و تفيد تقديرات العام 2010 أن هذا العدد ازداد كثيرا وتجاوز سبعة ملايين أمي وقد شكل هذا الكم من الناخبين الأميين ثقلا واضحا في نتائج الإنتخابات المتتالية. أن الظاهرة القابلة للتكرارعلى إمتداد الوطن العربي، هي الصعوبة التي ستواجة أية جهة سياسية في مسعاها للإقتراب من هذه الكتلة المطواعة وحملها على الإشتراك بالإقتراع، بإستثناء محاولات الوصول اليها عبر الخطاب الديني التخويفي المنتقل خلال المساجد.وقد تكرر ذلك في العراق بعد أن حشدت المرجعيات الدينية مساجدها وفتاواها من أجل ضمان كسب تأييد هذه الملايين التي لاتفقه من عمليات الإقتراع شيئا وليست على بينة من برامج الأحزاب ولا مرشحيها.
وهكذا، كان من ثقة الأحزاب الدينية في العراق بغلبة كفتها وتأكدها من ضمان أصوات الأميين وأشباههم، ونجاحها في سياسة الشحن الطائفي الشمولي، أنها تقبلت المنهج الديموقراطي بسرعة مثيرة للدهشة، فالمعروف عن هذه الأحزاب جميعها أنها نظرت الى الديموقراطية عبر تأريخها على أنها بدعة غربية، ولم يسبق أن وردت كلمة الديموقراطية في برامجها طيلة السنين التي سبقت الإنتخابات. وقد تحول هذا الإجراء فيما بعد بالضد من مصلحة الأحزاب الدينية إذ أدى فقر معرفتها بأبعاد العملية الديموقراطية وأركانها الممثلة بحرية الفرد في تعبيره عن الرأي وحرياته الشخصية والمساواة أمام القانون وإختزالها العملية الديموقراطية بعملية الإنتخاب فقط، الى تفعيل أول عوامل الإنفجار الشعبي .
إن وجود (17مليون )أمي في مصر و(12مليون) في المغرب و(11 مليون) في السودان وملايين الأميين في الخليج وباقي البلدان العربية سيشكل عامل إغراء للأحزاب الأصولية يجعلها تعمل على الدفع بأقصى سرعة بإتجاه تنظيم الإنتخابات ( صوت واحد لكل مواطن) خصوصا وأن وسائل الوصول الى هذه الكتلة البشرية متيسرة عبر الآف المساجد التي ستلعب ولاشك دورها في تحشيد وجر أفراد الكتل البشرية الصماء الى صناديق الإقتراع لإعطاء أصواتهم لمن يراد لهم أن يفوزوا.
يبدو واضحا إذن ، إنه من الأنسب لبلداننا ذات نسب الأمية العالية أن تحدد حق الإنتخاب بمستوى تعليمي معين في المراحل الأولى للتحول الديموقراطي، مما سينعكس بنتائج أكثر واقعية وبتشكيل لممثلين أرفع مستوى وهذا ماإتبعته بلدان كثيرة من قبل كاليابان مثلا حين كانت تعاني من الأمية.
قانون الإنتخابات:
لنفترض وجود حزب يضم خيرة الخبرات الفنية الوطنية من حملة الشهادات العليا في كافة المجالات ، وأن لهذا الحزب (35000 ) مؤيد في كل محافظة أي (630000) شخص لعموم العراق وهو بالمقاييس الأوربية حزب كبير جدا ، إن من المحتمل جدا أن لايحصل هذا الحزب ،القادر على قيادة البلاد كلها، على مقعد واحد في البرلمان في حين يكون بإمكان زعيم قبيلة أمي، أو شيخ مسجد أن يتربع على كرسي البرلمان دون أن يحصل حتى على (200) صوت!! تلك هي واحدة من خطايا قانون الإنتخابات العراقي التي أدت الى إلغاء مبدأ التمثيل، من هنا يبدو المنطق الذي يقيس عليه الشارع العراقي في أن الموجودين في البرلمان والحكومة هم منتخبون من قبل الشعب مجانبا للحقيقة، فمن بين (325) عضو برلمان لم يتجاوز القاسم الإنتخابي سوى عدد محدود جدا لايزيد على (15) شخص في حين شغل الأغلبية مقاعدهم في أعلى هيئة رقابية وتشريعية عن طريق الأصوات الفائضة التي وزعت عليهم من قبل قادة كتلهم أو الأعضاء البارزين في تلك الكتل، والجدول المرفق يبين كيف شغل أشخاص بعدد أصوات قليلة جدا، مواقع في البرلمان والحكومة بطريقة التعيين دون أن يتجاوزوا ربع القاسم الإنتخابي.
القاسم الانتخابي 37197.647
ابراھیم الجعفري 100,713
باقر جبر صولاغ 68,841
ایاد علاوي 410,223 زعيم كتلة " العراقية"
طارق الھاشمي 202,467
رافع العيساوي 83,14542833
بهاء الاعرجي42833 زعيم كتلة الصدريين
اسامة النجيفي 274,741
مھا الدوري 31,949
صفیة السھیل 2,965
احمد الجلبي 20,426
حیدر العبادي 5,889 قيادي في حزب المالكي ورئيس لإحدى لجان البرلمان الحالي
علي الدباغ 5,594 الناطق السابق واللاحق بإسم الحكومة و الذي عين وزيرا للدولة
حنان الفتلاوي 9200
نصارالربيعي 17,575 الذي عين في منصب وزير العمل والشؤون الإجتماعية
علي الادیب 25,890الذي عين في منصب وزير التعليم العالي
إن الأمر القابل للتكرار في البلدان العربية جميعها بسبب إفتقارها الى الحياة السياسية الطبيعية، وبسبب من غياب مؤسسات المجتمع المدني، هو اللجوء المتعجل لبناء أحزاب الأشخاص القائمة على أساس سمعة شخص محدد، في محاولة للقفز على المراحل ورغبة بالظهور بمظهر الدولة الديموقراطية التي تمارس الإنتخابات .لقد بينت التجربة أنه لايمكن للتعجل أن ينتج ديموقراطية صحيحة، فبلداننا لا تعرف الأحزاب ذات البرامج الواضحة ولا المرشحين المرتبطين برابطة تنفيذ هذا البرنامج، إضافة الى سهولة شراء الضمائر وتحويل قطاع السياسة الى إمتداد للقطاع التجاري والمقاولاتي، لنتأمل مثلا المفارقة المضحكة في أن تجتمع صفية السهيل العلمانية الداعية لفصل الدين عن الدولة بعلي الأديب المعادي لأي شكل من أشكال العلمانية والذي يستحرم سماع الموسيقى في قائمة واحدة! إن الأمر لايعدو إذن أن يكون شراكة من أجل الحصول على المقعد النيابي مما يدل على القفز على أهم مكسب للنظام الديموقراطي وهو إنتخاب الكيان السياسي ( أي البرنامج السياسي) أولا ثم من يمثله لأن الكيان السياسي يعني البرنامج أما من يمثل الكيان فهو الوسيلة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. في ظل تعذر إقرار ميزانية 2025.. فرنسا تلجأ إلى -قانون خاص- •
.. هل تنجح المعارضة بطمأنة المجتمع الدولي لقيادة مرحلة إنتقالية
.. غارات إسرائيلية عنيفة على قطاع غزة تقتل عشرات الفلسطينيين
.. سكاي نيوز عربية ترصد تقدم دبابات إسرائيلية في الجولان
.. لماذا تحركت إسرائيل في سوريا بعد سقوط الأسد؟