الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطرف والارهاب في الميزان

علاء غزالة

2004 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


منذ اقدم عصور التاريخ، كانت لدى الانسان على الدوام نزعة للخوف من المجهول، عبر عنها باشكال مختلفة ووسائل متباينة. وكان المجهول بالنسبة اليه كل ما لا يستطيع التعرف الى منشئه او سبب وجوده، او مجرد عدم فهم كنهه. فالزلازل والفيضانات والبراكين والعواصف وغيرها من الكوارث الطبيعية تشكل التهديد الاكبر لوجوده كونها تمس الكائن البشري كفرد، كما تحطم كيانه كمجتمع احيانا. وكان تفسيره الاولي لهذه الكوارث انها نتيجة غضب قوى خفية لافعال قام بها افراد من المجتمع، بعد ان اخذ يطور عقائد دينية اتخذت الشكل الوثني عموما. فعمد الى استرضاء الالهة اولا بتجسيدها كأصنام، فاله الشمس واله الريح واله الخصب واله البحر واله الزلازل وغيرها ما هي الا تعبير عن رغباته ورهبته من تلك القوى الخفية التي شعر انها تستطيع سلبه حريته او رزقه او ربما حياته. واتخذت العبادات اشكالا مختلفة، من التقرب والصلاة، الى النذور والقرابين. وربما كانت القرابين البشرية هي اشد حالات العبادة تطرفا.
التطرف.. محاولة للفهم
ان التطرف الذي احاول ان اجد تعريفا له، انما هو حالة انسانية متأصلة، يعبر بها بعض ابناء البشر عن تفسير للظواهر غير المألوفة، وعن خوفه من المجهول. فحتى في الديانات السماوية الثلاثة، نجد انماطا من العبادة المتطرفة، من الرهبنة والتصوف، التي تدعو الى كبت الشهوات والزهد في الحياة.. وتصل الى حد محاربة الذات في طريق ارتقائها الى الكمال.
ورغم ان الذين سلكوا مسلكا دينيا متطرفا كانوا قلة، الا انهم عبر العصور استطاعوا كسب تقدير اغلب ابناء جلدتهم، وكانوا امثلة تحتذى وعلامات جديرة بالتقديس. وكانوا في اغلب الاحيان اناسا مسالمين يدعون الى عبادة هادئة مطمئنة، ويأملون في اقامة مدينة فاضلة تحمل ميزاتهم، وان كانوا يدركون استحالة جمع كل بني الانسان تحت خيمة الفضيلة. ان محاربة النزعات الفطرية المتمثلة بحب الذات واشباع الشهوات وغيرها، انما هي عمل خارق يحتاج الى ارادة جبارة وعقل منفتح.
واذا كان الانسان في طريق التطور العلمي استطاع التوصل الى تفسير الكثير من الظواهر الطبيعية، بحيث لم يعد تبريرها بالغضب الالهي مقنعا للكثيرين، فقد ظلت ظواهر اخرى تحير العقول، خصوصا ما يتعلق بالحياة والموت وعجز الطب الحديث عن ايجاد علاجات لامراض تفتك باعداد غير قليلة من البشر. وبدلا من التحول عن الدين – نتيجة التطور العملي– فقد ازداد الاقبال عليه بسبب الشعور الداخلي بعقم التوجه العلمي، خصوصا في المجتمعات الاكثر فقرا وحرمانا.
ان مشكلة الشباب –كما يقول افلاطون– هي الانتقال من تطرف الى تطرف مقابل. والفضيلة انما تكمن بين رذيلتين. فالشجاعة فضيلة بين رذيلتي الجبن والتهور، والكرم فضيلة بين البخل والتبذير.. وهكذا. وكثيرا ما تجد اناسا كانوا في الماضي من مرتكبي الموبقات وانهم ربما ارتكبوا كل فاحشة ممكنة، ولكنهم تحولوا في لحظات نورانية الى دعاة لنبذ جميع الشهوات، حتى الفضلى منها، كوسيلة للخلاص الابدي والسعادة الدائمة، التي يرون انها لن تتحقق يوما في هذه الحياة الدنيا.
--الارهاب وتطوره تاريخيا--
ان محاولة ايجاد تعريف لمصطلح الارهاب تكتنفها صعوبات كثيرة. فالكثيرون يعتقدون ان الارهاب انما هو الاتيان بافعال ذات طابع عدواني، لفرض وجهة نظر معينة، او التبيه حول قضية، وان من يقوم به انسان غير عابيء بما ينتج عن هذه الافعال من تدمير وخراب او قتل وجرح وتشريد. وعلى هذا فهو فعل شائن مهما كانت دوافعه او مقاصده. بينما يرى اخرون ان الارهاب انما يكون فعلا شائنا اذا قصد به الحاق الاذى بالابرياء بطريقة مستهترة غير مسؤولة. ورغم كل الاختلافات، فان افعالا مثل تفجير قطار ركاب او عمارات سكنية او ما شابه هي افعال مستنكرة على نطاق واسع.
ولما كان التدمير الواسع هدف بحد ذاته لمن يقوم بهذه العمليات، سواء من ارتكبها بنفسه، او من يحث عليها.. فان الاستنتاج يقفز الى الذهن ان هذه العمليات التي توصم بالارهاب هي اشياء مستحدثة وليست ذات جذور تاريخية، باعتبار ان التدمير باستخدام المتفجرات شيء حديث نسبيا.
غير ان حقائق التاريخ تكشف ان الارهاب قديم ايضا. فرغبة البشر في فرض عقائدهم بالقوة، سواء كانت دينية ام سياسية، ادت الى ممارسات لاضطهاد فئات معينة تخالفهم، وبالتالي اجبارها على اعتناق هذه العقائد باستخدام سيل الموت والتعذيب والتشريد الجارف.
وربما شجعت الفجوة بين الحضارات القديمة على قيام الاقل تحضرا بالهجوم على جيرانهم المنعمين بالحضارة، كما هو الحال في هجمات العيلاميين على البابليين، والهكسوس على المصريين، والمقدونيين على الاثينيين.. وهجوم المغول الكاسح على الحضارة الاسلامية اليانعة. وحتى الثورات الكبرى في التاريخ، ارتكبت اعمالا تعد ارهابية في تعبير عصرنا الحاضر، كما هو الحال في الثورتين الفرنسية والروسية البلشفية. صحيح ان بعض هذه الامثلة هي لدول تحارب دولا اخرى، الا ان الدول المهاجمة كانت في اغلب الاحيان تحت حكم دكتاتوري فردي لملك او زعيم قبيلة، وان العمليات تدبر حسب خططه وحده، وتمثل وجهة نظره وايدولوجيته.
ان مقابلة بسيطة بين الحوادث التاريخية وما يجري اليوم تثبت ان الرغبة في فرض الرأي على الاخرين، والحسد، والخوف من ضياع الهوية، هي دوافع ذات ارضية واسعة يمكن –اذا توفرت لها فرصة الظهور والتمكن– ان تنتج فئة تأتمر بامر قائد يعد رمزا لنضالها وعنوانا لرغبتها في تغيير المنهج المستهدف الى منهج متشدد لا يؤمن الا بحقائق قليلة ولا يلزم نفسه الا بالقليل من القواعد التي تعارف عليها الاخرون.
--جدلية التطرف والارهاب--
لا يمكن الاستنتاج بصورة مباشرة ان عدم التوصل الى علاج ناجع لمرض الايدز لحد الان هو سبب لتفجير عمارات سكنية في روسيا، ولا يدعي احد ذلك. ان متطرفا ما يستطيع ان يثبت ان ابتعاد بني البشر عن القيم السماوية ادى الى شيوع امراض فتاكة تهدد الجنس البشري، ولكنه لن يدعو الى افنائهم باستخدام اسلحة فتاكة.
من جهة اخرى، فان قادة المجموعات التي توصف بالارهابية كثيرا ما يعبرون عن غطرسة الحضارة الغربية، وعن ظلمها للشعوب الاكثر فقرا، ولذلك ابتليت بكوارث شتى منها الاوبئة التي لا يمكن علاجها.
وهكذا فان المتطرفين والارهابيين قد يلتقون عند نقطة، ولكن ليس بالضرورة ان تكون افكارهم متطابقة في غيرها. غير ان هذا الالتقاء قد يستثمر لايجاد تعاطف واسع مع القضايا التي تدعو اليها المجموعات (الارهابية)، مستغلة التعاطف الفطري مع القضايا التي يدعو اليها (المتطرفون).
ان التطرف لا يؤدي الى الارهاب.. لكنه يمهد ارضية لقيامه. واذا كان لنا ان نضع ميزانا، فان ميزان التطرف يميل نحو الخير بشكل متمهل، بينما يميل ميزان الارهاب نحو الشر بشكل حاد. والحقيقة التي يعيها البشر عموما، ان الموازين يمكن ان تتأرجح بحيث تجعل الامور ضبابية، وذلك يجعل الحكم عليها امرا بالغ الصعوبة احيانا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران