الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيف التفكير وسيف التخوين

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2011 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


من طبائع الاستبداد أن المستبد الطاغي يرى في نفسه رمزاً للوطن والقضية ويعتقد أن وجهة نظره هي الوحيدة الصحيحة بشكل مطلق حتى لو كانت كل الظواهر تشير إلى أن وجهة نظره خاطئة وأنه قد فشل في تحقيق ما يدعيه من هالة القداسة.
ولن نبذل جهداً يذكر في الحصول على أمثلة تؤكد الاستنتاج السابق، فالسفاحين القذافي والأسد يتهمان الحراك الشعبي السلمي للمطالبة بالحرية والديمقراطية بأنه تحرك مدعوم من جهات معادية للدولة. أما السفاح على صالح فقد اتهم الثورة بأن غرفة عملياتها موجودة في تل أبيب !
هؤلاء الجهلة والمجرمون ليس لديهم أي حس إنساني أو عقلاني يرشدهم بأن شعوبهم تعاني القمع والفقر والمرض والجهل مقارنة بالأمم الأخرى، بعكس السياسي الفرنسي العظيم ديغول الذي قدم استقالته لأنه لم يحصل في الاستفتاء الشعبي على نسبة كبيرة تخوله بتجديد فترة الرئاسة وبعكس كرايسكي النمساوي الذي فاز في الانتخابات لكنه تنحى بعد أن فهم أن الاتحاد الأوروبي والعالم الغربي يتهمه بالنازية وبأن النمسا سوف تواجه عقوبات.
ومن الجدير ذكره بأن المفكرين والكتاب الأحرار يعانون الأمرين في المجتمع المستبد والمنغلق، فالمفكر المبدع لا يهتم لرأي القطيع بل يواصل اكتشافاته واستنتاجاته واستشرافه للمستقبل ويواصل من ثم قرع أجراس الخطر محاولاً تنبيه المجتمع بأن المستقبل سيكون قاتماً لو استمر الناس في ممارسة أنماط تفكير بعينها. فلو كان ابن الهيثم يعمل حساباً للرأي العام وما يعتقد لما توصل إلى خطأ نظرية قدماء اليونان حول حدوث الرؤية ولما توصل نيوتن إلى اكتشاف الجاذبية.
في رواية لنجيب محفوظ يسرد لنا فيها قصة مدرس الجغرافيا في إحدى قرى المقطم حينما تخيل دمار القرية بعد هطول أمطار شديدة، فكان أن قام المدرس بجمع أهالي القرية وشرح لهم فكرته التي تقضي ببناء جدار بطول عشرين متراً فقط بهدف تحويل مجرى السيل بعيداً عن بيوت القرية، فماذا كانت ردة فعلهم ؟! لقد سخروا منه ذلك بأن المطر لا يزور الصحراء ولأنهم طوال حياتهم لم يشاهدوا مطراً في تلك الناحية. ولكن بعد سنوات قليلة حدث ما لم يكن بحساب البسطاء، لقد تحولت السماء إلى بقعة داكنة سوداء وانخفضت الحرارة وهطل المطر الغزير وتكون سيل جارف هجم بأنيابه الحادة على بيوت القرية الطينية الضعيفة فلم ينجو منهم أحداً !
وحال هذا المدرس يشبه إلى حد بعيد أحوال المفكرين والفلاسفة في التاريخ العربي الإسلامي وفي أوروبا في القرون الوسطى، فهذا الأديب والفيلسوف عبدالله بن المقفع يلقى حتفه على يد المنصور العباسي الذي أمر بتطيينه حياً لأنه ترجم كتاب " كليلة ودمنة " بعد أن وشى به كتّاب السلطان بأن الكتاب غير مترجم وبأن ابن المقفع من قام بتأليفه وأن القصص الواردة فيه عن النمر والثعلب والأسد والثور – إنما يقصد بها أمير المؤمنين وحاشيته ! أما عالم الرياضيات والفلك والفلسفة الذي تدين له البشرية بما قدم من جهود جبارة ساهمت في نقل العلم خطوات واسعة إلى الأمام، عمر الخيام، يترك كل ما قدم من علم وينسحب إلى احتساء النبيذ ونظم الرباعيات التي اشتهرت باسمه، ليخبرنا من خلالها أن عقله قد تاه في تفسير الكون وأمور الحياة والموت.
أما ديوان الزنادقة الذي افتتحه الخليفة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين فقد كان مخصصاً لكل صاحب قول يفسر بأنه من أتباع المجوس والملاحدة. أتلفت أشعارهم وتم أعدام كثير منهم. لاحظ عزيزي القاريء أن ديوان الزنادقة يهون عن 62 قتيلاً في يوم واحد في سوريا أمس ليعلن النظام بذلك أنه على استعداد لقتل كل سوري يجاهر بمعارضته للنظام !
إن الشعوب التي تقدمت لم تتقدم من فراغ بل تقدمت بعقول أبنائها التي تحررت من سطوة الخرافة وتقدمت لأن دساتيرها تنسجم مع وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بضمان حرية التفكير لكل إنسان بالإضافة إلى ضمان حرية التعبير والرأي. هذا هو المناخ الذي أنجب العلماء والمفكرين والفلاسفة والمبدعين، وتلك هي الأجواء الضرورية لإحراز أي تقدم. أما القمع والاستبداد والتخوين والتكفير فلن يزيدنا إلا تخلفاً وانحطاطاً وبالتالي يزيدنا فقراً وجهلاً وبؤساً، فما رأيكم دام فضلكم ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح
عبدالله أبو شرخ ( 2011 / 4 / 30 - 14:58 )
عذراً فالعنوان هو - سيف التكفير وسيف التخوين - وليس - التفكير - كما ورد.

اخر الافلام

.. الحكومة المصرية الجديدة تؤدي اليمين الدستورية | #عاجل


.. إسرائيل تعرض خطة لإدارة قطاع غزة بالتعاون مع عشائرَ محلية |




.. أصوات ديمقراطية تطالب الرئيس بايدن بالانسحاب من السباق الانت


.. انتهاء مهلة تسجيل أسماء المرشحين للجولة الثانية من الانتخابا




.. إيلي كوهين: الوقت قد حان لتدفيع لبنان الثمن كي تتمكن إسرائيل