الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تلميذ يؤبن نفسه قبل موته

حسين التميمي

2011 / 4 / 30
حقوق الانسان


الحادث المأساوي الكبير الذي تناولته وسائل الاعلام حول موت طالب في الصف الثالث الابتدائي اثر تعرضه للضرب والاهانة والتحقير جراء تلبيته لغريزة انسانية لم يحرمها الله .. بعد ان ضبطته المعلمة وهو متلبس بـ (الجرم المشهود) عندما كان يتناول قطعة من (سندويج) زميله دون استئذان، ليسد جوعه.
هذا الطفل تعرض لاقسى عقوبة نفسية عندما اصطحبته المعلمة ذليلا مهانا لتدور به على جميع فصول المدرسة لتقول للجميع (هذا الحرامي .. هذا هو النشال .. هذا هو السارق المجرم ) !!
ياه .. اهكذا يعامل فلذات اكبادنا على ايدي من استأمناهم من معلمين ومدرسين ؟
اهكذا تعامل الطفولة والبراءة حين تمارس ابسط حقوقها في الحصول على القليل من الطعام بعد ان حرمت منه؟
ما اقسى هذه التجربة .. لو عاد كل منا بذاكرته الى ايام الطفولة وقارن بين ما اقترفه هو من اخطاء وتصرفات سيئة وبين ما اقترفه هذا الطفل من فعل بريء فماذا تكون النتيجة ؟ ولو فكرت تلك المعلمة بهذه الطريقة اما كان لها ان تتروى قليلا قبل ان تتعامل مع هذا الطفل بمثل هذه القسوة ؟
ولو فكرنا نحن مليا في صعوبة هذه التجربة القاسية وتأثيرها في نفسية طفل بريء حرم من والدته، ويعاني من جو اسري صعب للغاية، فضلا عن رهافة مشاعره الطفولية وبكارتها.. فماذا تكون النتيجة ؟ اليس في الموضوع نوع من الاغتصاب لبكارة الطفولة وبراءتها، يقول الكاتب الفرنسي (د.هـ .سالينجر) لو علم الكبار بما يراه الاطفال، عندما ينظرون اليهم، لما فكروا في التصرف بالطريقة التي هم عليها الآن، ولغيروا كثيرا من سلوكياتهم واعتدادهم بانفسهم .
ويبدو ان حظ جان فالجان بطل رواية البؤساء لفكتور هيجو كان افضل بكثير من حظ هذا التلميذ (الطفل) على الرغم مما كانت تعيشه فرنسا آنذاك من تخلف وجهل واحكام تعسفية قاسية، ذلك ان جان فالجان حكم عليه بسبعة اعوام في السجن اما بطل قصتنا العراقية فقد حكم عليه بالموت.
تعرضت العديد من مدارس المحافظة للهدم او التدمير، خلال فترة تردي الوضع الامني، وهناك مدارس تضم الآن دوامي او ثلاثة، وتزدحم العديد من الصفوف بثلاثين او اربعين او حتى خمسين طالبا احيانا، وهذا يؤثر كثيرا على العملية التربوية، لكنه لايعطي الحق لأي معلم او مدرس ان يتجاوز حدوده التربوية والتعليمية، سيما واننا نعلم جيدا بان هناك العديد من المعلمين الذين مارسوا التعليم بعد حصولهم على دورة سريعة لمدة ستة اشهر، وحتى اولئك الذين درسوا لثلاثة اعوام او خمسة وفقا للمعاهد او المؤسسات العلمية التي درسوا فيها، لكن هذا لا يمنع من ان يكون هناك نسبة ليست بالقليلة من المعلمين والمدرسين ممن يحتاجون الى اعادة تأهيل والى فحوصات نفسية للتأكد من عدم اصابتهم بامراض نفسية قد تنتقل الى المجتمع من خلال انتقالها الى اجيال المستقبل وقادته.
مدير تربية ديالى نفى ان تكون للمدرسة اي مسؤولية عن الحادث مؤكدا ان الطفل مات بعد تعرضه لعقوبة (التوبيخ) كما اسماها.. بثلاثة ايام. ولو كان اي منا مديرا للمدرسة التي وقعت فيها هذه الجريمة، فما اسهل ان يقوم بتوجيه المعلمين والمعلمات وجميع التلاميذ، بأن يرووا رواية بعينها تناسب التوجه العام، ووفقا للتوجيهات العليا التي تريد الخروج من هذا المأزق بأي طريقة، لأنها تخاف من هذه القشة التي تهدد بقصم ظهر البعير.
ولسنا هنا في مجال مناقشة فيما اذا كانت تلك القصة التي تناولتها وسائل الاعلام، دقيقة وحقيقة بكافة مجرياتها، ام انها مجرد فبركة اعلامية، مبالغ بها، ولن نستعرض العديد من الروايات التي حصلنا عليها من اناس هم على مقربة من الحدث، انما نحن نتناول وقائع محددة تمس الواقع التربوي في ديالى، فحادثة وفاة التلميذ قد حدثت والقول بأن الضرب في المدارس ممنوع، (على حد قول مدير التربية) هو كلام يثلج الصدر، لكنه متأخر كثيرا بوصفه رد فعل على فعل حدث ويحدث منذ فترة طويلة، وقد صدر عن جهة مسؤولة، لكن بعد فوات الأوان وكنا نتمنى ان لا يصل الأمر الى هذا الحد كي نستمع الى هذا التصريح، ذلك اننا سبق وان كتبنا وكتب غيرنا عن هذا الموضوع ونشر في العديد من الصحف لكن لم نلمس اي تجاوب، ولم نلمس مثل هذا الرد الصريح من قبل ادارة التربية، وقد كنت شاهدا ولأكثر من مرة على حدوث عمليات الضرب ضد التلاميذ (ومنهم ولدي عندما كان تلميذا في الاول ابتدائي) وكتبت عن هذا الموضوع لكن لم يتخذ اي اجراء، ترى هل كان مدير التربية ينتظر موت احد الطلاب كي يبلغنا بهذا الرد ؟!
وهل ستقصم حادثة او فجيعة هذا الموت الفجائعي الظهر التربوي الذي تنامى وارتفع بخيلاء مفرغة على الرغم من اكوام المصائب والمآسي التربوية المتكررة ؟ ام ان علينا ان ننتظر المزيد من القشات والمزيد من الموت في حق ابنائنا وبناتنا حتى تتخذ وزارة التربية الاجراء اللازم ؟
واذا كانت تربية ديالى حريصة جدا على تنفيذ اوامر الوزارة بمجملها ، فلماذا التساهل والسكوت عن الامر الوزاري الذي يخص الضرب في المدارس والذي لم يتوقف طوال هذه الاعوام، بينما هي تنفذ بدقة وحرص كبير الامر الوزاري الذي ينص على منع الاعلاميين من دخول اي مدرسة الا بعد اخذ موافقة مديرية التربية، ومعرفة سبب الزيارة وان يرافق هذا الاعلامي ممثل عن التربية، وطبعا هذا لن يحدث الا بعد مرور عدة ايام وبعد ان تكون هناك اجراءات وترتيبات (جوه العباية) لاخفاء معالم الموضوع الخاص بالتغطية وتجميله بالطريقة المناسبة مع وجود شرط اخر، وهو ان لايقوم الاعلامي خلال الزيارة بالحديث مع اي شخص الا تحت رقابة الممثل التربوي!!
اذن .. فاقد الشيء لايعطيه، والخطأ الذي لايعالج يجر خلفه اخطاء كثيرة ومتنوعة وهذه تجر الى مصائب وكوارث، واذا كان ماجرى في تلك المدرسة الابتدائية حقيقي، فعلينا ان نتشبث بمقاعدنا جيدا لأننا امام عاصفة او اعصار سيعصف بمجتمعنا لاحقا، واذا كان غير حقيقي، فعلينا ان نتخذ كافة التدابير كي لايتحول هذا الكابوس الى حقيقة.
على هامش الرواية التي تناقلتها وسائل الاعلام، استمعت الى الكثير من الاقاويل والتعليقات حول هذا الموضوع، فعلى سبيل المثال قال احد منتسبي الاجهزة الامنية وهو يبتسم:هناك من يدعي احيانا اننا نعتقل الناس على الشبهة، وان هناك بعض القسوة في اداء الاجهزة الامنية، لكن اقول لك بثقة ان قسوتنا (التي يدعون) مهما بلغت فأنها تعد رحمة قياسا الى مثل هذا العمل الاجرامي.
ايضا هناك رواية تقول ان التلميذ المسكين عندما تعرض للضرب والاهانة من قبل معلمته وبعد ان تم التشهير به امام أقرانه، وبطريقة مخزية ومذلة، قال(من بين الدموع)لبعض من اصدقاءه المقربين وقبل ان يهرب من المدرسة: اذا مت غدا هل ستأتون الى الفاتحة (العزاء) .. هذه الكلمات انقلها بأمانة لأنها وصلتني من شخص مطلع على الموضوع .. وقد آلمتني تلك العبارة كثيرا وفكرت ان لا انقلها، لكن الواجب المهني يحتم علي ان اظهر الصورة بكل تفاصيلها. فكأنه كان يعلم انه بطريقة او بأخرى سيفارق هذه الحياة، او انه لم يعد يحفل بحياة يعاقب فيها بمثل هذه الطريقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا كفر
فؤاده قاسم محمد ( 2011 / 4 / 30 - 18:09 )
عزيزي حسين التميمي يشرفني ان نلتقي لاول مره في هذا المنبر الحر.
لا توجد كلمات تعبر عن ما نشعر به امام هكذا قصص , وكم هو مخزي ان نوبخ طفل لمجرد انه يريد ان يسد جوعه ,والى اي انحطاط وصل بالمعلم واي درجه من تخريب لما تبقى لاطفالنا , ومن اين يتلقى الطفل العربي الضربات , من اهله او من المعلم او من المجتمع ,
هذا المعلم فما بالنا عندما نرى امهات تتعاما مع ابنائها كأعداء
خالص التحايا لك عزيزي


2 - شكرا
حسين التميمي ( 2011 / 4 / 30 - 18:59 )
اتشرف بمعرفتك.. هذه القصة ومثلها الكثير من القصص والحوادث تمر مرور الكرام ومامن اجراءات حقيقية رادعة لمثل هؤلاء المسيئين

اخر الافلام

.. منظمة هيومن رايتس ووتش تدين مواقف ألمانيا تجاه المسلمين.. ما


.. الخارجية السودانية: المجاعة تنتشر في أنحاء من السودان بسبب ا




.. ناشطون يتظاهرون أمام مصنع للطائرات المسيرة الإسرائيلية في بر


.. إسرائيل تفرج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين عند حاجز عوفر




.. الأونروا تحذر... المساعدات زادت ولكنها غير كافية| #غرفة_الأخ