الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أول أيار ومواسم الحرية

بدر الدين شنن

2011 / 5 / 1
ملف 1 ايار 2011 - تأثير ثورات العالم العربي على تقوية الحركة العمالية والنقابية


ويتجدد أول أيار عيد العمال العالمي ، رمزاً ، للكفاحات الطبقية والإنسانية المريرة ، في كل بقاع الأرض ، للتحرر من عبودية الرأسمال و’ملاك الثروة ووسائل الإنتاج ، وإنهاء كافة أشكال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان , ويأخذ في العالم العربي هذا العام ، معان وأبعاداً متميزة عما سبقه من أعوام .. ففي هذا العام حلت مواسم الحرية ، حيث تقوم الشعوب العربية لأول مرة ، منذ زمن طويل ، بمحاولة أن تمسك قضاياها بأيديها في مجال الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .. وتنتفض وتثور على الأنظمة الاستبدادية التي تستعبدها ، بالقمع والنهب عقوداً تتلوها عقود . وقد أسقطت حتى الآن الديكتاتور " بن علي " في تونس والديكتاتور " حسني مبارك " في مصر ، ووضعت الديكتاتور " معمر القذافي " في ليبيا في موضع قاب قوسين أو أدنى من السقوط ، وتخوض الآن صراعات دامية في اليمن والبحرين وسوريا ، وتصنع وتحرك إرهاصات انتفاضات شعبية أخرى في المغرب والجزائر والعراق والمملكة السعودية والأردن وعمان .


غير أن دور الحركات العمالية والنقابية في هذه الانتفاضات والمتغيرات ليس بارزاً ، باستثناء تونس . حيث لعب اتحاد الشغل التونسي دوراً كبير الأهمية في مواجهة الديكتاتورية . إذ أنه دعم الحراك الشعبي بأعداد كبيرة من العمال ، ودفع بالجيش إلى أن يكون محايداً ومن ثم شريكاً في إنهاء الديكتاتورية . بينما لم ولا نرى مثل هذا الدور للحركة النقابية في مصر وفي ليبيا واليمن وسوريا والبحرين والمملكة السعودية والأردن وعمان . وظهرت الحركات العمالية ، كمعبر عن طموحات التحرر الطبقي وعن اليسار السياسي الاجتماعي ، ظهرت محدودة الأثر أيضاً . وذلك لاحتواء الأنظمة الاستبدادية المفوتة للحركة النقابية أو تعويق نشوئها أصلاً مثل المملكة السعودية وليبيا ، ولتعرض الحركات العمالية للقمع المتواصل ، كما هو الحال في جميع البلدان المذكورة . وليس خارج السياق ، أنه عندما تحرك نضال العمال من أجل رفع مستوى أجورهم ، وتجاوز مرحلة الكفاف التي يعيشونها ، في عدد من المعامل في مصر ، وقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة ضد إضرابات العمال ، واتهمهم بعرقلة الاستقرار المطلوب تحقيقه ، لعودة الحياة الطبيعية سياسياً واقاتصادياً في مصر .

إن إطلاق صفة " الشعبية " على الانتفاضات أو الثورات الجارية ، لم يكن خاطئاً . بدلالة مضمونها الاجتماعي النوعي وماهية حامل هذا المضمون في بنيتها العامة . ما يعني أنها فعل كتلة شعبية متعددة المستويات الاجتماعية تكابد قهراً متعدداً على مستوى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية . وأنها تكاد تكون غير ملتزمة بانتماءات وخلفيات سياسية وحزبية ، لكنها تسمح بوجود من لهم انتماءات وخلفيات في ميادينها ، الذين طفوا على السطح وحاولوا أن يطبعوا الحراك الجمعي الثائر بطابعهم . وقد برز ذلك في أيام التظاهرات والاعتصامات الأخيرة في ثورة تونس وثورة مصر ( خطاب يوسف القرضاوي بعد صلاة الجمعة في ميدان التحرير ) . وهو يبرز الآن في ثورة ليبيا واليمن والبحرين وسوريا .. غير أن تصديها " هذه الثورات " لمهام إسقاط الديكتاتورية وانتزاع الحرية هي ، ثورة حرية مفتوحة " حسب موازين القوى " على تحولها إلى ثورة ديمقراطية .

وعلى ذلك ليس بالمطلق أن كل الثورات في العالم العربي سوف تفضي إلى تقوية الحركات العمالية والنقابية . فقادة الثورة الليبية مثلاً وقعوا ضحية الرهان على الخارج كعامل مساعد وحاسم للخلاص من الديكتاتور . وكانت النتيجة استدعاء أمريكا وحلف الأطلسي لتقرير مصير ليبيا ومصير الثورة الليبية . وفي البحرين ، هذا البلد الصغير جغرافياً والكبير برصيده اليساري سابقاً قد انزلق إلى الصراع الطائفي المشين . وفي اليمن تطغي القبلية والسلفية على حراك " الثورة " ضد علي عبد الله صالح . وفي المملكة السعودية الأحزاب والنقابات والمظاهرات من المحرمات . وليس بقليل أهمية غياب البديل عن الأنظمة المروم إسقاطها، سواء عن تعمد تكتيكي ، أو تعمد مريب ، الذي يوفر فرص سرقة هذه الثورة أو تلك ، وحرفها عن أهدافها التي نزلت الجماهير الشعبية من أجلها إلى الشارع ، وتظاهرت وقاتلت بصدور عارية ضد رصاص القمع وبالتحديد من أجل الحرية .. ومن أجل غد مغاير .

ويمكن أن يقدم ما يجري في سوريا أنموذجاً يستحق التوقف عنده .

بعد مخاض معارض عسير استمر عشرات السنين ، وبمساعدة المناخ الثوري الشعبي الذي بدأ انتشاره هذا العام من تونس وانتقل إلى مصر وليبيا ، وبعد أن ’قرعت أجراس الحرية في بلدان عربية عدة .. تفتحت السياسة في الشارع السوري . وملأت أصداء الاحتجاجات على الاستبداد والفساد فضاء سوريا .. وانفتح أفق الحرية المغلق منذ أربعين عاماً . وكما في البلدان العربية الثائرة ، كانت حركة الاحتجاجات في سوريا تضم أطيافاً شبابية وسياسية متعددة .. وكانت معبرة بصدق عن اللحظة التاريخية .. عن لحظة الحرية والكرامة .. وعن أفق سياسي مغاير في البلاد . لم يكن للحركة العمالية حضور ملموس في الشارع الغاضب . ولم يكن للحركة النقابية أي حضور . وسبب ذلك باختصار شديد هو ، القمع واحتكار السياسة والنقابات من قبل النظام ، وهو ، عدم تمكن اليسار السوري من تجاوز أزماته الموضوعية والذاتية .. وعدم تمكن هذا اليسار بالتالي من إيجاد بدائل نضالية في ظروف القمع المتواصل ، ما أدى إلى حد كبير إلى إنعدام إمكانيات إيجاد بدائل نقابية مستقلة .

وإذا أجرينا مقارنة موضوعية في الظروف السياسية والاجتماعية ، التي أدت إلى الثورة الشعبية في تونس ، مع الظروف السياسية والاجتماعية التي أدت أيضاً إلى الثورة الشعبية في سوريا ، وبخاصة على مستوى الحركة النقابية ، نجدها متماثلة . لكننا إذا أجرينا مقارنة بين مساهمة اتحاد الشغل في تونس ، ومساهمة اتحاد العمال في سوريا في الثورة ، نجدها مفارقة . لقد فك اتحاد الشغل التونسي ارتباطه بالحزب الحاكم والنظام القائم .. والتزم بقواعده العمالية وبشعبه .. ولعب دوراً كبيراً في انتصار الثورة ، بينما ظل اتحاد العمال السوري موالياً للحزب الحاكم والنظام القائم .
وإذا كان لابد من الانتقاد الشديد لهذا الموقف من قبل اتحاد العمال السوري ، وهو الأدرى بالمصاعب المعيشية التي يكابد منها ملايين العمال والطبقات الشعبية ، وذلك نتيجة سياسات اقتصادية ، ’رسمت و’طبقت لمصلحة الطبقة الحاكمة العليا وشركائها من البرجوازية النفعية الانتهازية ، ما أدى إلى منحدرات فقر وجوع غير مسبوقة تضافرت مع القمع والقحط السياسي والبيئي في خلق أزمة مستعصية لم يعد يمكن تحملها ، فإنه لابد بمكان القول ، أن غياب البرنامج البديل المعارض المغاير للنظام ، الذي ينبغي أن يتضمن بوضوح سياسي واقتصادي واجتماعي ، لماذا المعارضة للنظام ، وأن يتضمن بوضوح أيضاً أسس وتوجهات المعارضة في المستقبل ، على مستوى الحريات العامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، وعلى مستوى حماية البلاد من التدخل الخارجي ، ورفض المخططات الأجنبية التي تمس بسيادة ومصير الوطن ، قد ساهم ( غياب البرنامج ) مع استخدام السلاح ووقوع ضحايا في صفوف المتظاهرين والجيش ، في تسويغ تخوف وتردد قطاعات شعبية وكوادر نقابية من الإقدام على خطوة حاسمة تتضمن فك ارتباطها بالنظام القائم .

إن يكن من المسلم به ، أن منطلقات الثورات الشعبية في العالم العربي ، هي منطلقات شعبية مشروعة ، فإنه من المسلم به أيضاً هو ، أن جميع هذه الثورات ليست عصية بالمطلق على الاحتواء والاختراق . إن المشهد الليبي سيظل يدمي العين والقلب معاً . ومع ذلك فإن هذا الزلزال الثوري الشعبي ، الذي امتد من شمال أفريقيا إلى الخليج العربي ، قد زعزع قيماً وقناعات وسياسات من اقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، وعرى اقتصاد السوق الليبرالي الجالب للآم الاجتماعية ، وغرز الشك بمصداقية أسس البنى الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية في العالم العربي ، وفتح آفاقاً جديدة ..

ومن استحقاقات المشهد الثوري العربي المفتوح على متغيرات وتحولات متعددة ، تقررها موازين القوى قبل أن تقررها الرغبات ، هي استدعاء اليسارالعربي لبناء ذاته .. وبناء حكركات عمالية ، والمساعدة في بناء حركات نقابية مكافحة . وذلك لمواجهة مهام مراحل قادمة سوف تستخدم فيها القوى الطبقية الحاكمة والمالكة كل ما بحوزتها من آليات سياسية وحكومية ، من أجل الحفاظ على مصالحها وامتيازاتها السياسية والاجتماعية ، ومن أجل الإمعان في استعباد الطبقات الشعبية ، وسوف تستخدم فيها أيضاً القوى الخارجية ، الإمبريالية والصهيونية الطامعة بثروات وأسواق العالم العربي ، كل قدراتها السياسية والعسكرية ، للهيمنة على كل بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا ..

إن أول أيار هذا العام .. ليس عيداً عمالياً وحسب .. إنه يوم للتأكيد على وحدة النضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية .. ووحدة الوطن .. وإنه مفصل في الظرف الثوري العربي الراهن .. لصنع فكر ثوري بديل .. وعالم عربي بديل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أي تسوية قد تحاول إسرائيل فرضها في لبنان والإقليم؟


.. أي ترتيبات متوقعة من الحكومة اللبنانية وهل تُجرى جنازة رسمية




.. خبير عسكري: هدف عمليات إسرائيل إحداث شلل في منظومة حزب الله


.. نديم قطيش لضيف إيراني: لماذا لا يشتبك الحرس الثوري مع إسرائي




.. شوارع بيروت مأوى للنازحين بعد مطالبة الجيش الإسرائيلي للسكان