الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال الحلاق في -حريق- ه .. السؤال وحده هو الجواب, والجواب رحم يفرّخ اسئلة جدلية

محيي المسعودي

2011 / 5 / 1
الادب والفن


يعتقد الشاعر جمال علي الحلاق ان الوجود والعدم لا يخرجا - في وعي الانسان المتحرر من التابوات - عن حدود السؤال وطاقاته . هذا ما أفشت به مجموعته الشعرية الاخيرة المعنونة " حريق " والصادرة عن دار الجمل . ولان السؤال عند الحلاق هو الوقود الحقيقي لاستمرار الانسان في وجوده, وان الجواب هو التوقف, أي الموت, فقد اعتمد على السؤال في صياغة قصائده وافكاره وحتى علاقاته وتكاد ان تكون المجموعة بالكامل سؤالا جدليا واحدا يتكرر باشكال مختلفة, حسب الموضوعة الفرعية لمفردات الوجود او العدم وبكافة مستوياتها . وقد ياتي السؤال بلا حاجة لعلامة الاستفهام الظاهرة بعد اخره او التي تعذر ظهورها . وقد يكون السؤال اكثر عمقا والحاحا وتعقيدا عندما ياتي على شكل يظنّه القارئ جوابا , لان الجواب هنا يحتم السؤال ولا يسمح بالانتهاء من الموضوع دون طرح اسئلة عديدة وهي اكثر تعقيدا واسحالة على الاجابة . ونلاحظ كيف يختفي السؤال في الجواب مثيرا سؤالا اكثر جدلا وتعقيدا عندما يقول في بداية مجموعته ( اذا كان الوجود زائلا .. فالعدم .. هو .. الله ) هنا نجد السؤال في الجواب الحتمي الذي لا خيار غيره وهو الاسلوب التعجيزي او الافحام الذي مارسه العرب ابان دولتهم الكبرى للرد على المشككين بعقائدهم , أي وضع صاحب السؤال في مكان لا خيار له غير الذي حدده له المسؤول . وفي هذا المقطع الشعري القصير يكمن السؤال عن الحقيقة التي يجهلها الانسان ابدا . وهي: من هو الله؟ هل هو موجود؟ وما الوجود؟ وما هو العدم؟ اسئلة جدلية, والاجابة عنها تفسر وتكشف الحقيقة الغائبة التي يبحث عنها الانسان منذ وجوده الاول . ونلاحظ في هذا المقطع ان الحلاق يعمد الى اثارة السؤال وجدله من خلال فرض الاجابة على اصحاب العقائد الدينية الذين يقولون ان الوجود زائل , فيسرع ليرد عليهم بصيغة - الاجابة السؤال - : اذن, الله هو العدم . وهنا لم يبق غير العدم, والعدم مرفوض ولا يتناسب مع فكرة ومعتقد "وجود الله" ولا يقف الحلاق عند المتدينين فالسؤال مطروح على اللادنيين الذين يعتقدون بالوجود ولكن بلا خالق ليفرض عليهم سؤالا تلبس شكل الاجابة وهو العدم مقابل الوجود وكانه يسأل ما هو العدم اذا لم يكن الله ؟ ولكن لكي ينخرط في البحث عن الاجابة من خلال مزيد من الاسئلة سيتخدم مفاهيم علمية معاصرة فيقول :
( ما الذي هناك حقاً
حيثُ
لم
يصلْ
الضوءُ
بعد ؟
لا حدَّ للعدمِ
إلا من الداخل .
الضوءُ حدُّ العدم
ثمرةُ العدمِ
نواتُها الكونُ
و لحاؤُها الضوء .)

قد تحتل مثل هكذا اسئلة عامة تخص الوجود والعدم مساحة صغيرة من المجوعة الشعرية الاخيرة للحلاق , ولكنه يتداولها ضمنا في الكثير من النصوص وهو يخوض في ذاته وعلاقاتها بمفردات الوجود والعدم . ونراه دائما يختزل الكون بذاته , ليستطيع تناوله باحاسيسه وعقله حتى تكون الاسئلة اكثر صدقا في التعبير واكثر قدرة في التأثير وتقترب كثيرا من الشرعية ما دامت تتحدث عن مطلقها .

(غائماً كبيضةٍ
هذا الكونُ ،
وأنا أهيمُ
حولَ اصفرارِهِ
كزلال .
هذا بئرٌ زلقٌ
أم كون ؟
كموجةٍ أخرجُ
الى ساحلٍ
لا يثقُ
ببياضِ الزبد .
كما لو أنَّ الزبدَ
لسانُ الأفقِ
يتذوَّقُ
الرمل .)
نلاحظ هنا السؤال الخفي الذي يبحث عن اجابة "في صياغة الوصف ( غائما كبيضة هذا الكون .. وانا اهيم .. ) الغائم يحتاج الى انجلاء لكي يتضح . اذن السؤال هنا هو: لماذ غائم ؟ ثم ماذا وراء الغيم ؟ هكذا ترد الاسئلة مخبئة في الجمل الخبرية والوصفية وحتى في جملة الجواب . ثم تتضح احينا وتحمل علامة استفهام ظاهرة مثل " هذا بئر زلق .. ام كون ؟ ويرد السؤال بصيغة الشك عندما يورد عبارة "لا يثق" في هذا المقطع (اخرج الى ساحل لا يثق ببياض الزبد) الشك هو سؤال سواء كان الشك من الشاعر مباشرة او من الاشياء التي يتناولها ا في كلامه . ونلاحظ في مقطع شعري آخر يستخدم السنارة بمثابة سؤال للبحث عن الاخر وذاته معا عندما يقول :
( السنّارة حاسّةٌ سادسةٌ ، تجعلُكَ قريباً جداً من آخر في العمقِ ، قد تكون أنتَ أيضاً ، ربّما هي محاولةٌ في اصطيادِ الذاتِ ، - السؤال هو اداة صيد وهنا هو السنّارة - وقد تكون أيضاً رحلةً في التأمّلِ تُشْبِهُ كثيراً ينتظرونَ ذواتَهُم عبرَ الآخر .
القطّةُ التي رأتِ الأسماكَ تسبحُ في رأسي هل إصطادَتْها كلَّها ؟ ما الذي يملأُ رأسي بهذا الفراغ ؟ المكانُ أم الوقتُ ؟ ربّما هو المطرُ الذي كما لو أنّهُ يَفرّ من كارثةٍ في الغيم !
في المطرِ الكثِّ تستيقظُ الهُجراتُ كلُّها ، خرمٌ بمؤخراتٍ كثيرة ، ولا خلاص .
لم يكن الأسبوعُ هشّاً ، ومع هذا فقد جرى دون سمكة. )
الاسبوع بلا اجابة لان السمكة هنا هي الجواب مع انها في جمل اخرى تكون سؤالا عندما تكون افكارا . نلاحظ في المقطع اعلاه مع ان الجملة الاولى هي جوابا الا انها رحم خصب لتفرخ عدد كثير من الاسئلة . تنبئ عنها " قد , وربما التي تكررت مرتين ناهيك عن اداة الاستفهام "هل" وعند النظر في مجمل المجموعة الشعرية ندرك ان الشاعر جمال الحلاق يعتمد السؤال بكافة اشكاله للتعبيرعن افكاره وياتي ذلك انطلاقا من ثقافته المبنية على الشك ابدا .. حتى الشك لدية لم يكن حالا ثابتة بل هي شك كالشك نفسه والسؤال كذلك ليست حالا ثابتة بل هو سؤال كالسؤال نفسه . وعليه وجدناه في كتاباته لايؤمن بمعتقد ديني او حتى علمي . ولكنه بالمقابل يتعايش ويتفاعل مع الموجودات بناء على لحظات انفعاله في ودرجة حدة السؤال في نفسه . قد يؤمن بالموسيقى ويتذوقها وينفعل ويتفاعل معها . ولكنه في اعماقه يبقى شاكا بذاته المتلقية ومدى صدقها بهذا الانفعال والتفاعل . ولان ثقافته المادية قد اصّلت فيه الرغبات والمتع نلاحظه يطرب دائما لكل ما يؤثر فيها ويحيّد فعل العقل او يؤجله الى حين .
(الأيامُ
فائضُ قيمةٍ
يتناهَبُها
الناس
=======
لم يكن المصعدُ عاطلاً
ما حَصَلَ فقط
أنّهُ استمرَّ
في الصعودِ
خارجَ
مدى
البناية
=========
ليست مرثاةً
و لا نيّةَ لي في الأمر
لقد كان فذّاً
طيلةَ
وجودِهِ
معي
أحنُّ إليه حقّاً
جسدي
وهو
ينمو .)
===========
(هكذا هو جمال الحلاق في التعامل مع الحياة بعيدا عن افكاره قريبا من جسده وانفعالاته
بحياةٍ أشدُّ غموضاً)
أصافحُ جسدي
العابرَ توّاً
مِن سنةٍ
أخرى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة


.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن




.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع


.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات




.. الشاعر أحمد حسن راؤول:عمرو مصطفى هو سبب شهرتى.. منتظر أتعاو