الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفحة من الذاكرة

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2011 / 5 / 2
أوراق كتبت في وعن السجن


كنا سبعة عشر ، موقوفون في مقر للحرس القومي في منطقة طاطران ( شارع الشيخ عمر ) . الغرفة متران بمترين ونصف ، وصفيحة قضاء الحاجة الصغيرة إرتكنت في الزاوية خلف الباب . ما كانت مساحة الغرفة تكفي أن ينام الجميع ليلاً حتى على طريقة الرأس كعب أو طريقة علبة الساردين . كان علينا أن نتناوب للنوم ، وكنت شخصياً قد إخترت النوم في النهار ، حيث كنت أنزوي في الزاوية المجاورة للشباك الوحيد في الغرفة وأتستر بالظلام لكي لا يراني أحد من ( الحرّاس القوميون ) وهم رائحون وغادون من جنب الشباك ، وأنام في النهار لنفس الغرض ، كان إختياري هذا قد خلّصني في كثير من المرات من الأذى . كان الحراس إذا رأوا أحداً منا ينتهزون ذلك فرصة للتسلية فيأخذون من يشاؤون ويلتفون حوله بالضرب بالأيدي والركلات والصوندات وأحياناً يتسلون بتمثيل عملية قتله ، إذ يضعون فوهة الرشاشة على صدره ويطلبون منه قراءة ( الشهادة ) ، وهم يتضاحكون .

كان الجميع أكراداً ، خمسة عشر منهم فيليون ، إذ كان الموقف قريباً من منطقة باب الشيخ وعقد الأكراد . قد يكون معظمهم قد أعتقل لأسباب سياسية ، فقد كانوا شيوعيين يختلفون في مستوياتهم التنظيمية في الحزب ، منهم من كان في موقع قيادي ومنهم من كان بمستوى مؤيد ، إلاّ إثنان فسيرة حياتهما كانت بعيدة عن الإنتماء السياسي ، كانا نشالَين . نعم كانا نشالين بسوابق عديدة بأحكام من محاكم عوقبا عليها وتم تنفيذها بحقهما . ولكن كريم خاور ومجيد بيرة ، الكرديان الفيليان ، ورغم كل ماضيهما ، لم يكونا خاليين من الشعور الوطني وشرف الإنتماء سواء إلى قومهما أو وطنهما أو الوفاء للمخلصين العاملين من أجل هذا الوطن . ست وأربعون يوماً كاملة لم نر فيها ضوء الشمس في تلك الغرفة ، ولكن الألفة والمودة بيننا كانت العوامل التي أمدتنا بالقوة والجلَد والصبر رغم ظروف الجحيم التي كنا نعيشها على أيدي ( الحراس ) .

الحياة مدرسة ، ودروسها عميقة لمن يتلقاها ، فما الذي تعلمته من كريم ومجيد :

• كان كريم ومجيد يحملان رشاشتين يوم الثامن من شباط 1963 قاوما بهما قوات المتآمرين لثلاثة أيام ، ومنعا دخولها إلى عقد الأكراد لحين إنسحاب المنظمة الحزبية من المنطقة .
• يقسمان أغلظ الإيمان أنهما كانا يدخلان في التظاهرات الجماهيرية التي كان ينظمها الحزب ، ويقومان بطرد النشالين الآخرين من التظاهرات حتى تسير بدون حوادث نشل .
• يقسمان أغلظ الإيمان أنهما لم ينشلا كردياً طوال حياتهما .
• يقول كريم : عندمّا أكون جالساً في المقهى ويدخل أحد القادة الحزبيين ، أقوم تاركاً المقهى حتى لا يراني أحد وأنا أسلّم عليه ، إذ ذلك يضرّ بمكانته .
• رغم جميع أنواع التعذيب التي تعرضا لها ، سواء في قصر النهاية أو في مقرات الحرس القومي فإنهما لم يعترفا بحملهما السلاح ( الرشاشة ) ولا بإسم من أعطاهم إياها .

درس تعلمته من كريم ومجيد ، أن الإنسان قد يسقط في بعض القيم الإجتماعية لظروف معينة ، ولكن لا تسقط لديه كل القيم مرة واحدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قالها ماركس
حسين طعمة ( 2011 / 5 / 2 - 18:04 )
قال ماركس ان الانسان اثمن راسمال. وبهذا حين يكون كذلك فانه لا حدود لعطاءه تحية لكل من صير موقفا لهذا الوطن ..فكيف بكم وانتم زرعتم اللبنات تلو الاخرى من اجل هذا الشعب الذي حتما سيعي ويعرف لاحقا من اي معدن انتم

اخر الافلام

.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق


.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟




.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع


.. الموظفون الحكوميون يتظاهرون في بيرو ضد رئيس البلاد




.. مؤيدو ترامب يطالبون بإعدام القاضي وبحرب أهلية