الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكبارى مع السلطة الحاكمة الجديدة

نوال السعداوى

2011 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يدهشنى دائما قدرة بعض الكاتبات والكتاب فى الصحف الحكومية أو المعارضة، على الوصول إلى أصحاب السلطات الحاكمة القديمة أو الجديدة، يستهل الواحد منهم مقاله قائلا: «أشكر السيد الوزير أو رئيس الوزراء د. عصام شرف (أو رئيس المجلس العسكرى أو أحد لواءاته) على تكرمه بالرد على مقالى، وسرعة استجابته للإفراج عن فلان المسجون دون جريمة، أو إنصاف فلانة التى فُصلت من وظيفتها دون خطأ من جانبها، أو علاج الأديب الفلانى على نفقة الدولة، لأنه لا يملك ثمن العلاج، كثيرا ما أقرأ لهؤلاء الكتاب الصحفيين، ومنهم من كان يكتب الشىء نفسه للمسؤولين الساقطين أو غيرهم من أصحاب السلطات السابقة واللاحقة، يدهشنى أن أغلبهم لايزال فى موقعه، يكتب بأسلوبه القديم، بعضهم من شباب الثورة الجدد، الذين يكتبون عن مشاكل مختلفة بالأسلوب ذاته، يفخر الكاتب منهم القديم أو الجديد بأن رئيس الجيش أو رئيس الوزراء طلبه شخصياً أو تليفونياً، وسأل عن المشكلة أو المظلوم الوارد فى مقاله، ثم أصدر الأمر فوراً بإنصافه أو حل المشكلة، ما يدهشنى أكثر أننى رغم كونى كاتبة (مرموقة) منذ أكثر من نصف قرن، وحتى اليوم أكتب مقالاً أسبوعياً فى جريدة تصدر فى القاهرة، وأعرض الكثير من المظالم التى يعيشها أغلب الفقراء والنساء والأطفال البنات والأولاد، إلا أننى لم أتلق أبداً رداً من أى وزير أو مسؤول سابق أو لاحق.

كان صديقى الأديب الراحل يوسف إدريس ينصحنى دائما بعمل كبارى مع السلطة الحاكمة وإلا فلن أنال أبداً لقب الكاتبة الكبيرة أو جائزة الدولة، ولن يلتفت أحد من المسؤولين الكبار أو الصغار إلى كتاباتى، وسألته: «وهل أنت تعمل كبارى مع السلطة؟» قال: «نعم، كنت أقابل السادات كثيراً، وأقابل مبارك أحياناً، ولى علاقة بأغلب الوزراء والمسؤولين» قلت له: «يا يوسف، أنت أديب مبدع ولست فى حاجة إلى السلطة»، قال: «لا يوجد مبدع فى مصر يمكن أن يستمر فى إبداعه دون حماية من السلطة الحاكمة، عندنا يا نوال مافيا الأدب والثقافة يمكن أن تنهشك نهشاً أو على الأقل تطردك من الساحة الأدبية إن لم تكن هناك حماية من رئيس الدولة أو مسؤول كبير آخر، لقد اختلفت مع مبارك مرة واحدة وكاد يخلعنى من ظهر الأرض، فأرسلت إليه شكوى قلت فيها: (إنى أشكو منك إليك)» قلت: «أذكر يا يوسف أننى قرأت مقالك فى جريدة (الأهرام) ودهشت كيف تخاطب مبارك كأنه الله تشكو منه إليه؟»، ضحك يوسف مقهقها، وقال لى: «الواقع المؤلم يحتم علينا أن نعمل كبارى مع السلطة وإلا تم تدميرنا دنيا وآخرة، لم أستطع فى كل حياتى عمل كوبرى واحد مع السلطة، وإن تقرب أهل السلطة منى مرة واحدة فهم يقررون عدم تكرارها أبدا، ليس لعدم احترامى لهم بل لعدم احترامهم لمن هو خارجهم، دائما أكون خارج السلطة الحاكمة، كالماء والزيت لا سبيل للخلط.

حضرت مرة واحدة اللقاء، كان يعقده مبارك مع الأدباء والمفكرين خلال معرض الكتاب الدولى السنوى، الصفوف الأمامية مخصصة للموظفين الكبار، الوزراء والإعلاميين، والمقربين من الرئاسة ووزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة، مقاعدهم كبيرة بالقطيفة الحمراء، النصف الخلفى للقاعة تشغله كراسى صغيرة من القش (خرزان) مثل كراسى البوابين وعمال الخدمة، هؤلاء من الشعب يجب احترامهم، أرفض التمييز بين الناس على أساس الجنس أو الطبقة أو المنصب، الاجتماع يعقد للقاء رئيس الدولة مع الأدباء والأديبات، رفضت الجلوس فى المؤخرة على كرسى خرزان قش، سرت على قدمين ثابتتين إلى الصف الأول، على المقعد الكبير القطيفة الأحمر جلست بكل كرامتى الأدبية، وكأنما خرقت نظام الكون، أخذ رجال الرئاسة على رأسهم رئيس الديوان (زكريا عزمى) يدورون حول أنفسهم حائرين مذعورين، لم أعرف لماذا هم خائفون، قلت لهم: «أنا الوحيدة المسؤولة عن تصرفاتى»، قال أحدهم: «إحنا مسؤولين أمام فخامة الرئيس عن تصرفات الآخرين»، تذكرت مقولة: «الناس من خوف الذل فى ذل».

عن يسارى كان يجلس فى كرسى قطيفة كبير رئيس اتحاد الكتاب (ثروت أباظة) سمعنى أناقش كبير الياوران أو رئيس الديوان، أرفض بإباء وشمم أن أنتقل إلى الكراسى القش فى المؤخرة، قال لى ثروت أباظة: «كل الأدباء الكبار قاعدين على الكراسى القش وراضيين؟»، قلت له: «المفروض أن يجلس الأدباء فى المقدمة مثلك يا ثروت يا أباظة لأن الاجتماع مخصص لهم»، كان لطفى الخولى جالساً إلى يسار ثروت أباظة، قال لى: «الكراسى مش مهمة يا دكتورة»، قلت له: «اذهب يا لطفى واجلس على الكرسى القش فى المؤخرة»، تكهرب الجو فى القاعة، تأخر ظهور مبارك انتظارا لحل الأزمة، قال أحدهم: «إنه أمر السيد الرئيس»، قلت: «يعنى أمر الله؟ لا يمكن أن أترك مكانى حتى يأتى رئيسكم وأعترض أمامه على الوضع ثم أنسحب من الاجتماع»،

قال الموظف بالرئاسة: «كل المقاعد مشغولة لا يوجد كرسى واحد فاضى»، كان يجلس فى الصف الثانى خلفى مباشرة الدكتور مفيد شهاب فى مقعد قطيفة فخم، قال للموظف بغضب: «هات كرسى بسرعة للدكتورة نوال، لا يمكن تتنازل عن حقها أنا عارفها»، فجأة ظهر الكرسى فورا، كيف جاءوا بالقطيفة الأحمر لأجلس عليه فى الصفوف الأولى؟ كان الاجتماع قد تأخر، مبارك غاضب عليهم بسبب التأخير، لم يكن من حل للأزمة إلا أن يضربوا الأرض ليخرج من بطنها المقعد القطيفة الأحمر، تم أيضا استدعاء الدكتورة أمينة الجندى من بيتها لتحضر الاجتماع فورا، كانت هى وزيرة الشؤون أو أمينة المرأة فى الحزب الحاكم تلبى الأمر فورا، هل عجزوا عن استدعاء السيدة الأولى سوزان مبارك بهذا الشكل المتهور؟ ولماذا الإصرار على امرأة أخرى تجلس فى الصفوف الأولى؟ هل كانت الحكومة تسقط أو وزير الإعلام يسقط لو ظهرت صورتى متربعة على العرش وحدى كأنما السيدة الأولى؟

هذا حدث من أحداث متعددة أدت إلى هدم الكبارى بينى وبين السلطات جميعا، وإلا فلماذا لا يرن تليفونى بصوت رئيس الوزراء أو رئيس المجلس الأعلى العسكرى ويقول لى: «قرأت مقالك وأصدرت أمرا فوراً لإصلاح الوضع!».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نساء بالف ورجال بأف
د.علي روندي - طهران - ايران ( 2011 / 5 / 3 - 09:23 )
امرأة بألف رجل! ... انها صورة مصر العظيمة!.. مقال يجب أن يقرأه كل من تعز عليه قضية العدالة والحرية والكرامة الشخصية


2 - ستبقون الرمز الثوري الرائع
فؤاد محمد ( 2011 / 5 / 3 - 10:14 )
الدكتورة الاستاذة الرفيقة العزيزة المناضلة نوال السعداوي
تحية واعجاب
رائغة انت وما تكتبين
منذ صغري وما زلت اعتبرك مثلي الاعلى
اعانقكم ودمتم


3 - الصواب والحق لايعرفة المنافقين ياعزيزتى
مـينا الطـيبى ( 2011 / 5 / 4 - 00:14 )
ان مقالتك ياعزيزتى تحمل الكثير والكثير من المعانى والمضمون كما تعودت وجودة فى كتباتك المحببة لى ولجميع محبيك اعطاك اللة الصحة وطيلة العمر
المنافقين ياسيدتى لايعرفون وجود للصواب او الحق فى انفسهم ولكنهم يجدون النفاق هو مصدر قوتهم وربما رزقهم ايضآ الذى يستمدونة من هؤلاء ذات النفوز فى السلطة والثروة ويتحكمون فى لقمة العيش الشحيحة ل 86 مليون مواطن يعانون من بؤس المعيشة بل الحياة بأكملها
ووجدت بين كلماتك مايوحى بأى تغير ماقبل وما بعد 25 يناير
سيدتى اننى لم اجد مايثبت لى الى الآن اى ثمار حملتها لنا هذه الثورة ولا حتى فى حكم واحد ضد هؤلاء الفاسدين السابقين واننى منتظر اول حكم حتى تتكون لى فكرة خاصة عن هذه الثورة والى الآن لااجد غير الميوعة والبرود والممطلة والتأجيل من قضاة يقولون انهم اوفياء ومخلصين حتى هذا لم اجدة حتى الآن واجد السلفين والأخوان يتحكمون فى المجلس العسكرى بل المجلس العسكرى هو السلفين والأخوان المسلمين وهو ايضآ موالين لحكم مبارك والحزب الوطى وارى ان حال مصر ومستقبلها لا يبشر بالخير طالما يوجد فى بلادنا البهائى والسلفى والأخونجى والقبطى واليهودىولا وجود للمصرى على ارض مصر


4 - أنت رمز للثقافة المفقودة بيننا
الطيب /// عبدالله محمد صقر ( 2011 / 5 / 4 - 23:52 )
حقيقة أسناذتنا أنت تمثلى لهذا الزمن قيمة عظيمة لا يدرك هذه القيمة غير المثقفين , لانك من منظورنا الرمز والغاية التى نسترشد بها , ولايعرف قيمة توال السعداوى إلا الذين يقدروك , فكم حملت كتاباتك القيم الانسانسة والسماحة والتسامح , لاتلومى القوات المسلحة لان الاعباء والمهام كثيرة وكان الله فى عونهم لانهم يقومون بمهام يعجز أى انسان أن يقوم بها , إلا هم أنفسهم , فكثير من الثقافات قد تغيب عنا ولا نستحضرها لكن أنت لا وألف لا لانك الثقافة التى تشبعنا ودائما نبحث عنها أينما ذهبت , فلا تحزنى لان الذين يحبوك ويحبوا ثقافتك كثيرون .

اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس