الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة التهميش والاقصاء

احمد مجدلاني

2004 / 10 / 29
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


لم يكن مفاجئا للعديد من المراقبين والمتابعين لنشاط وعمل المجلس التشريعي ، إقدامه في جلسته المنعقدة يوم الخميس الماضي من الشهر الجاري على التراجع عند مبدأ التدخل الايجابي لصالح المرأة ،والذي كان قد اقره في المادة (24) من قانون انتخاب هيئات الحكم المحلي المعدل في جلسة المجلس المنعقدة في 31.8. من العام الحالي . والتي تنص ( أن لا يقل تمثيل أي من الجنسين في مجالس الحكم المحلي عن 20% ).
وسب عدم المفاجئة في التراجع عن المادة المذكورة في القانون يعود في الواقع لعدة اعتبارات ، منها ما يتصل أولا، بطبيعة وتركيبية المجلس التشريعي وهيمنة القوى التقليدية عليه ، والتي وصلت بالأساس إلى عضويته ارتباطا بمنشأ ها العائلي والعشائري ، والثانية بعدم مثابرة ومتابعة الاتجاهات الليبرالية والتقدمية في المجلس وحضورها الجلسات التي تستدعي حشد لقواها عند إقرار قوانين وتشريعات تمس قوى اجتماعية يفترض أنها الأقرب على تمثيلها والتعبير عن مصالحها ، ومما لاشك فيه أن الأغلبية البسيطة والتي لا يعتد بها وبفارق صوت الذي اقر فيه التعديل يعكس حقيقة ما ذهبنا إليه من عدم مواظبة ومتابعة هذه الاتجاهات للشأن الاجتماعي العام .
أما فيما يتصل بالاعتبارات الأخرى فإن شدة وشمول الحملة على القانون بعد إقرار التعديلات عليه ورفعه للرئيس للمصادقة عليه، كانت تؤشر إن ممثلي التيار التقليدي المحافظ بمختلف اتجاهاتهم السياسية والفكرية، قد عقدو العزم على إلحاق الهزيمة بالمكسب الاجتماعي الوحيد واليتيم الذي تحقق للمرأة الفلسطينية بإعطائها الفرصة للتمثيل بالحد الأدنى ب20% في الانتخابات للمجالس المحلية والقروية ، وللأسف الشديد فقد استخدم شعار المساواة للتضليل وكغطاء لهذه الحملة المضادة لهذا المكسب الذي حققته المرأة الفلسطينية وهو بالمناسبة مكسبا متواضعا إذا ما قورن بنضالات وتضحيات المرأة الفلسطينية ومشاركتها في الحقل الوطني والاجتماعي منذ أن نشان القضية الوطنية الفلسطينية مطلع القرن الماضي.
والتذرع بالمساواة بين الجنسين الواردة في القانون الأساسي من قبل اتجاهات هي لا تؤمن حقيقة وواقعا بالمساواة ، هي في واقع الأمر الذريعة الأكثر قبولا ورواجا لتمرير موقفا رجعيا في شكله ومضمونه ، فالحريص على المساواة في ظل مجتمع يفتقر للحد الأدنى من مقومات ترجمة هذه المساواة فإنه في واقع الحال يعمل على شطبها وليس إلى تكريسها وواقع الحال والتجربة المعاشة في المجتمع الفلسطيني ، والذي هو امتداد من حيث الطبيعة والتركيب للمجتمعات العربية والشرقية ،تدلل انه بدون ممارسة سياسية التمكين عبر التدخل الايجابي لصالح النوع الاجتماعي المظلوم والمهمش عبر تراكم مئات السنيين لا يمكن أن تؤدي إلى المساواة ، وهذه السياسية التدخلية الايجابية وهي بطبيعة الحال مؤقتة ، الهدف منها تغيير واقع الحال في المجتمع من اجل الوصول للمساواة الفعلية وليس الشكلية .
ومما لاشك فيه أن تجربة أعضاء المجلس التشريعي أنفسهم بالانتخابات السابقة تدلل عن مدى هذه المساواة المزعومة ، وكذلك تكافؤ الفرص أمام المرأة بالحصول على عمل أو الترقي بالدرجة الوظيفية حتى داخل مؤسسة المجلس التشريعي، ولا نريد أن نعمم في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني بشكل عام، تدلل على مدى انطباق وترجمة هذه المساواة المزعومة .
كما إن الادعاء بأن التمييز الايجابي يحرم نساء أخريات من المشاركة فإنه وكما يبدو يعكس جهلا مقصودا باليات الانتخاب إذا أن التمييز الايجابي هو في الحد الأدنى ل20% فقط وليس سقفا لمشاركة المرأة وتمثيلها في العملية الانتخابية .
إن الانقضاض على هذا المكسب اليتيم من قبل الاتجاهات المحافظة في المجلس التشريعي يترك أكثر من علامة استفهام حول أجندة الأولويات في المجلس التشريعي ومن يفرضها ويشير أيضا إلى أن التباطؤ والتلكوء في بحث وإقرار قوانين أكثر إلحاحا مثل قانون الانتخابات، والأحزاب لا يخرج عن هذه الذهنية التي تقيم للحسابات الخاصة الوزن الأكبر على حساب المصالح العامة .
كما إن المضي في هذا النهج رغم تسلحه بإجراءات قانونية وديمقراطية شكلية ارتباطا باليات عمل المجلس الداخلية ، إلا انه من جهة أخرى يقوض جوهر الديمقراطية القائمة على مبادىء المساواة والعدالة الاجتماعية والتعددية التي تتيح اكبر مشاركة واسعة تعزز وتقوي لحمة المجتمع الفلسطيني، ويضرب برأي الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني التي أظهرتها استطلاعات الرأي العام لأربع مراكز استطلاع خلال السنوات العشر الماضية والتي تراوحت نسبها مابين 62-75%. هذا علاوة عن إدارة الظهر لرأي القوى والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والأهلي الفلسطينية .
إن توجه الاتجاه المحافظ في المجلس التشريعي وعبر تلاقيه وتقاطعه في آن معا مع رغبات قوى التيار الديني المحافظ في المجتمع الفلسطيني، الذي دعا وبشكل علني إلى إلغاء الكوتا الخاصة بالمرأة بدون أن يقدم أي مسوغ حتى ولو كان شرعيا، سوى انه يشكل خطرا على المجتمع الفلسطيني بدون تبيان من أين يأتي مكمن هذه الخطورة، إن هذا التقاطع يشير إلى أن القوى المحافظة داخل المجلس وخارجه متوافقة بل ومتفقة بصرف النظر عن تلاوينها الفكرية ومرجعياتها السياسية على الانقضاض على أية مكاسب ديمقراطية وتقدمية يمكن أن تحصل داخل المجتمع الفلسطيني .
غير أن التصويت على إلغاء التعديل لا يجب بالضرورة أن يكون نهاية المطاف ولا طيا لهذا الملف الذي يعتقد الواهمون انه قد انتهى بالتصويت عليه بهذه الأغلبية البسيطة، بل مازال هناك متسعا من الوقت ومساحة للتحرك سواء من خلال تحرك نشط وفاعل لكل القوى المعنية والمؤمنة بالمساواة والعدالة والحرية وتكافؤ الفرص أمام الجنسين، لممارسة ضغوط وتشكيل قوة رأي عام مجتمعي ، والتوجه للرئيس ياسر عرفات ومطالبته لرد مشروع القانون المعدل وفي إطار المدة القانونية للمجلس لإعادة نقاشة مجددا ،
إن هذه المعركة التي فرضت على المجتمع المدني الفلسطيني من قبل التيار المحافظ، هي ليست معركة النساء فقط بل هي معركة كل المجتمع الفلسطيني والتي يتعين في خاتمتها إما إلحاق الهزيمة بثقافة التهميش والإقصاء التي عششت دهورا وسنوات طويلة في المجتمع الفلسطيني أو تكريسا لها .
رام الله
26.10.2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟


.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة




.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟


.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي




.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟