الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وما أدراك ما الحاشية ؟!

حيدر السلامي

2011 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


لذت بصاحب لي أعرفه منذ زمن طويل وأطمئن لأمانته وثقته فبثثته حزني وشكوت له حالي فراح الرجل يسرّيني ويهون علي الخطوب بحديث شائق رائق فيه من العبر والمواعظ ما لا تقوى على حمله الجبال الرواسي وضرب لي مثلاً معاناة الأنبياء والأئمة والمصلحين ومقاساتهم الشديدة والأذى الذي لاقوه من أقوامهم.
فهذا نوح النبي عليه السلام يبني السفينة لينقذ الناس من طوفان الآثام قبل طوفان الماء بينما هم يستهزئون به ويسخرون منه ويهدمون ما يبنيه ويخرقون سفينة نجاتهم وخلاصهم بفؤوس مكابرتهم واستكبارهم وعنادهم وجهلهم.
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وآله وهو الحريص على الناس الرؤوف الرحيم بهم، لم يسألهم أجراً إلا المودة في القربى، بلغ القوم في إيذائه أي مبلغ حتى جعلوه يصرح قائلا: ما أوذي نبي مثلما أوذيت.
وهذا وصيه أمير المؤمنين علي أقصي عن موضعه وزحزح عن منصبه وصودر حقه وهو الأمين الناصح، أول القوم إسلاما وأقومهم إيمانا، فاعتزلهم مرغما ولزم داره نحو خمس وعشرين سنة حتى بلغ الأمر به أن قال: لقد أنزلني الدهر حتى صرت أقرن بفلان وفلان. وقال: لقد تقمصها فلان وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير. وما أشبه حال القوم مع علي بما صوره القرآن الكريم بقوله: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم.
وهكذا ظل صاحبي مسترسلا في حديثه وأنا مصغ له باهتمام حتى فاجأني بالسؤال: هل تعرف الحاشية؟
قلت: أ تقصد حاشية الكتاب؟
قال: بل حاشية الملك..
قلت: وما علاقة هذا بموضوعنا؟
قال: بل هو صلب الموضوع.. فلولا الحاشية المتملقة لما ظلم الحاكم ولولا الحاشية المنافقة لاحتل كل موقعه المناسب وأصبح الرجل المناسب في محله. ولسارت الأمور في مجراها الطبيعي..
الحاشية التي حذر منها علي عليه السلام في عهده لمالك الأشتر وأسماها بطانة السوء.. تلك التي أشارت على فرعون أن بقتل السحرة ودفعته للقول بالربوبية حتى صدق ما زينوا له ونادى أنا ربكم الأعلى. والتي أشارت على هارون بسجن الكاظم عليه السلام. وفعلت ما فعلت في كل زمان ومكان.. وستبقى تفعل الأفاعيل وتقول الأقاويل حتى يبلغ الله أمرا كان مفعولا.
ألا ترى كيف تقدم الحاشية التقارير للحكام والوزراء والمديرين عن إنجازاتها منمقة بيضاء وعن أعمال غيرها خرقاء سوداء؟ ألا ترى كيف منعت الناس من وصول المسؤول وحجبت المسؤول عن الناس بنفاقها؟ تهول وتقلل ما شاء لها التهويل والتقليل..
واستمر صاحبي يصف الحواشي ويضرب الأمثال تلو الأمثال حتى جعلني في الأخير أتساءل ببراءة طفل منع من الحليب: ولماذا يسمع الحاكم من حاشيته وبطانته ولا يسمع من رعيته وأمته؟!
ابتسم صاحبي وقال:
وما عيبٌ بنا إلا حواشينا * على أهوائها كرهاً تمشينا
ترينا أوجها بيضا وسودا * تغطيها ولو شاءت تغطينا
وتبدي الحب ألوانا نفاقاً * وحقاً إنها أعدى أعادينا
ترى أخطاءنا فعلا صوابا * لتحميَ نفسها فينا وتحمينا
ونعلم كلّ حاشية تماري * وتكذب إنما ليست بأيدينا
تجاملنا نجاملها لنبقى * فما بقيت حواشينا تُبقينا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على