الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتجاجات الفئوية ما بين الثورة والثورة المضادة

علاء عوض

2011 / 5 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الاحتجاجات الفئوية مصطلح كثير التداول على المستوى الاعلامى والسياسى فى الفترة التالية لسقوط مبارك وحتى يومنا هذا. وهو مصطلح كما هو واضح من تسميته يعنى احتجاجات لقطاعات صغيرة ومتناثرة داخل المجتمع للمطالبة ببعض المكتسبات داخل هذا الاطار المحدود ودون أن يكون لها ارتباط واضح بالطموحات والمطالبات الشعبية أو أن يكون لها علاقة بحركة الثورة المصرية مما أدى الى اعتباره، وفقا لهذا الخطاب، جزءا من حركة الثورة المضادة من خلال تشتيت حركة الثورة وشق وحدة الصف الشعبى والاسهام فى تعطيل الانتاج القومى وخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار والركود الاقتصادى. هكذا كان ولايزال الخطاب السياسى الرسمى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وللحكومة ولبعض القوى السياسية الأخرى خارج دوائر الحكم وكذلك الخطاب الاعلامى الرسمى وخطاب صحف وفضائيات رجال الأعمال. والأمر لم يتوقف عند حدود الخطاب السياسى والاعلامى بل تعدى هذا باصدار قانون تجريم الاضرابات والاعتصامات وتعاقب عليها بعقوبات مشددة لم تكن مطروحة حتى فى نظام مبارك نفسه.
ان هذا الخطاب وتبعاته قد اتبع منهجا مضللا فى التحليل، لأننا اذا حاولنا قراءة هذه الاحتجاجات سنكتشف أنها فى معظمها تدور حول محورين أساسيين، المحور الأول كان فى اطار زيادة الأجور أو حوافز الانتاج أو بعض البدلات وأيضا تثبيت العمالة المؤقتة وتحسين بعض الخدمات الصحية وغيرها من المطالبات. والقراءة الصحيحة لتلك المطالبات لا يمكن أن تكون بتجزيئها وتفتيتها بالشكل الذى يتبناه المجلس العسكرى والحكومة ولكن بوضعها فى اطارها الأشمل الموجه ضد الخلل الهيكلى لنظم الأجور والعمالة والخدمات فى المجتمع. ان نظام الأجور فى مصر الذى يقوم على تفتيت الأجر الشامل الى جزء ثابت يشكل 20% من قوامه والباقى عبارة عن مكونات متغيرة يجعل من الصعب أن نتعامل مع هذا الأجر بأنماط تشريعية تستهدف اصلاحه وتحديد حد أدنى وحد أقصى له، بالاضافة الى التفاوت الواضح بين توزيع مخصصات الأجور فى الموازنة العامة للدولة بين مختلف القطاعات النوعية فى الجهاز الادارى للدولة، فعلى سبيل المثال يحصل العاملون بالمحليات على أدنى مستوى للأجور مقارنة بالعاملين بشركات البترول والقطاع المصرفى. ومن أشكال هذا الخلل أيضا التفاوت الشديد بين أجور العمال وصغار الموظفين وبين مايتقاضاه رؤساء المصالح والهيئات والمستشارين ومساعدى الوزراء وغيرهم من كبار الموظفين. وعلى مستوى العمالة المؤقتة فان هناك مايزيد عن نصف مليون عامل مؤقت بالجهاز الادارى للدولة يتقاضون ما قيمته 1.5% من اجمالى مخصصات الأجور (بمتوسط 200 جنيه شهريا) ولا ينتفعون بخدمات التأمين الصحى أو الاجتماعى وليس لهم الحق فى التمثيل النقابى. هذا هو الاطار العام لتلك الاحتجاجات وهو بالقطع يرتبط ارتباطا وثيقا بمعضلات أصيلة وملحة فى أزمات العمل والعمالة فى المجتمع. أما المحور الثانى فيتعلق بمطالبات العاملين فى بعض الوحدات الانتاجية والمؤسسات الاعلامية والجامعية باقصاء قيادات هذه الوحدات والمؤسسات الذين ارتبطوا بعلاقات يشوبها الفساد السياسى والمالى مع رموز نظام مبارك والدعوة الى آلية جديدة لاختيار القيادات بالانتخاب الحر المباشر. والحقيقة أننا لا يمكن أن نتعامل مع هذه المطالب باعتبارها منفصلة عن الثورة لأن الديمقراطية فى جوهرها تعنى المشاركة الشعبية الكاملة فى الادارة من خلال آليات اختيار القيادات والرقابة والمتابعة لأدائها. كما أن الدعوة الى تطهير مؤسسات الدولة من كل رموز الفساد هى أحد المهمات الملحة للثورة. لقد استطاع نظام مبارك أن يخلق حالة فريدة من الارتباط الشديد بين مؤسسات الدولة بكافة مستوياتها بنظامه السياسى من خلال منظومة أمنية متضخمة وشبكة واسعة من القيادات التى ارتبطت بمؤسسة فساد كاملة فى كل القطاعات ولا يمكننا أن نتصور اسقاط النظام دون تفكيك هذا الارتباط والدعوة الى استقلالية مؤسسات الدولة على المستويات الادارية والمالية بما يسمح لها بأداء أدوراها المجتمعية بشفافية كاملة.
لم تكن شعارات الحرية والكرامة فى ثورة 25 يناير منعزلة عن مطالباتها بالعدالة الاجتماعية، ولم يكن النضال ضد الاستبداد البوليسى والطابع القمعى لنظام مبارك منفصلا عن القهر الاجتماعى التى مارسته الطبقة الحاكمة التى راكمت ثرواتها عبر عمليات فساد ونهب منظم لثروات الوطن والاتجار فى أراضى الدولة والآثار وتجارة السلاح وغيرها من أنماط الفساد. هذه الطبقة التى مارست دورا تخريبيا متعمدا لتقويض كل أشكال الانتاج الزراعى والصناعى لصالح حفنة من المستوردين والسماسرة عبر عمليات الخصخصة التى دمرت صناعاتنا الوطنية وقدمتها بأبخس الأثمان لحفنة من التجار والفاسدين وعبر تخريب زراعة القمح والقطن وغيرها من أشكال الانتاج. لقد خرج الشعب المصرى بكل شرائحه الاجتماعية المقهورة والمنهوبة يرفض سلطة هذه الطبقة ويطالب بسلطة جديدة تحقق له التوزيع العادل للثروة الوطنية من خلال أجر عادل ونظام كريم للعمالة وخدمات صحية واجتماعية انسانية. هذه هى العدالة الاجتماعية التى ارتبطت بشعارات الحرية والديمقراطية فى حركة الثورة والتى أدركها العمال وصغار الموظفين الذين لعبوا دورا أساسيا فى فاعليات الثورة وكانت مشاركاتهم حاسمة فى تحقيق الانتصار الأول للثورة باسقاط مبارك (اضراب عمال النقل العام وغزل المحلة والشركة المصرية للاتصالات وغيرها). وكان الشعار المركزى للثورة "الشعب يريد اسقاط النظام" تعبيرا عن فشل هذا النظام وهذه الطبقة فى تحقيق العدل الاجتماعى وهو من أهم المطالب الملحة للثورة.
ان محاولات الايهام بأن هذه الاحتجاجات العمالية واحتجاجات صغار الموظفين التى تصب فى اطارها العام والأشمل ضد هيكل أجور يعانى من خلل جوهرى وضد نظام جائر للعمالة وضد تراجع وانهيار الخدمات هى خارج اطار الثورة، ومحاولات تقتيتها بالشكل الذى يقدمه المجلس العسكرى والحكومة وبعض القوى السياسية الأخرى هى محاولة لتفريغ ثورة 25 يناير من مضمونها الاجتماعى وتحويلها الى حركة احتجاجية ذات توجه اصلاحى تستهدف بعض التعديلات التشريعية والدستورية فى اطار الممارسة السياسية مما يجعل هذا الخطاب المضلل وهذه التشريعات التى تستهدف تجريم هذه الاحتجاجات تقف فى صف العداء للثورة. وان هؤلاء الذين يتبنون هذا الخطاب يعبرون عن مصالح اجتماعية متناقضة ومعادية لمصالح القطاع الأوسع والأكثر فقرا فى المجتمع. كما أن الحديث عن الاستقرار وتجنب الفوضى لا يمكن أن يكون بتجاهل حقائق القهر الاجتماعى بدلا من ايجاد الحلول الجذرية لها ولا يمكن أن نحمل الطبقات الفقيرة عبء الأزمات الاقتصادية بينما نترك اللصوص والفاسدين ينعمون بما نهبوه. ان هذا التوجه هو امتداد لسياسات الافقار التى مارسها نظام مبارك ضد شعب كادح ومقهور لصالح طبقة طفيلية فاسدة. والغريب أن يصدر مشرع قانون بتجريم هذه الاحتجاجات من حكومة مازالت تصر على تسمية نفسها بحكومة الثورة، أى ثورة تلك التى تسعى لوأد النضالات العمالية من أجل حقوق اجتماعية مشروعة والتى تدفع بآلة القمع فى مواجهة حقوق التعبير والاحتجاح. ان حقوق الاضراب والاعتصام والتظاهر هى من المكونات الجوهرية للحريات السياسية والاجتماعية لأننا لا يمكن أن نتصور تحقيق الحرية تحت وطأة الفقر والنهب والفساد ولا انجاز الديمقراطية دون مشاركة شعبية كاملة فى الادارة والانتاج ولا يمكن أن تستمر الثورة فى مسيرتها وانتصاراتها دون مشاركة فقراء الوطن فى التعبير عن طموحاتهم وبناء تنظيماتهم النقابية والشعبية وممارسة حقوقهم فى الاحتجاج السلمى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتس: تركيا رفعت العديد من القيود التجارية المفروضة على إسرا


.. واشنطن تفتح جبهة جديدة في حربها التجارية مع الصين عنوانها ا




.. إصابة مراسلنا في غزة حازم البنا وحالته مستقرة


.. فريق أمني مصري يتقصّى ملابسات حادث مقتل رجل أعمال إسرائيلي ف




.. نزوح الأهالي في رفح تحت القصف المستمر