الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريانا -زيت و زعتر-

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2011 / 5 / 5
الادب والفن


-لن تستطبعي أن تجدي الشمس في غرفة مغلقة.-
غسان كنفاني


من المستحيل بمكان و لا بزمان أن أنسى كيف انقسم أصدقائي، و لا كيف خوّن أحدهم الآخر، و صعب عليّ كذلك نسيان الشتائم التي وجهوها لبعضهم في منتصف بيوتهم، و كيف طردوا بعضهم البعض، و كيف لخصوا لي- بجدارة محلل سياسي- ماذا يحصل في وطني.

ففي العالم الافتراضي بيوت لها أبواب و أسقف تتراوح في علّوها بحسب ثقافة الفرد، و مطالعاته، و كما أنك تستطيع أن تطرد أحدهم من بيتك الحجري، فإنك تقوم بذلك في بيتك الافتراضي، فتحذف الشخص مبرهناً له على صحة ظنونه فيك، و مبرراً لنفسك دونه، و دون أن يخطر ببالك سؤال بسيط ما الذي جعل هذا المخالف يخالف؟

الفيسبوك السوري اليوم حاذف و محذوف و( ردح) كثير بينهما، و الكثير من مفردات (نسوان التنور) يستعملها الرجال قبل النساء، و المذهل هو تبريرات الأشخاص لقتلهم علاقات صداقاتهم، كما تبريرهم و تفسيرهم لما حدث و يحدث من اعتقالات، قتل و تعذيب.. إذا كان الوضع من حولكم هو الجنة، عساكم تخبروني لم كل هذا الإصلاح المفترض؟!
و إذا كنتم تقدسون الوطن، فكيف تذهبون به إلى حرب تخوينيّة قذرة! كيف تستطيعون أن تكفروا الرأي مهما كان، ألا يخطر في بالكم للحظة أنّ الدخول في حرب (سبني لسبك) سيقلب البلاد جحيماً و يحوّل الأخوة إلى أعداء.
للوطن ذاكرة، و كيفما انتهت الأمور سيطلّ بذاكرته ليقاضيكم.
**********


ليتني أملك من الوقاحة ما يكفي لكي أطرد الناس من البيوت، على الأقل كنت وفرت على نفسي ساعة الإعياء التي قضيتها أحاول أن أتجنب الانفجار في وجه "شهد".

كانت أصغر بكثير من أن أفتح معها أي نقاش، أو أطرح أية فرضيّة ، امرأة من النموذج المكرر بشدة، و منافقة من الطراز الأول..هذه هي الجارة الجديدة لصديقتي " مهديّة" التي دعتني إلى "مقلوبة فلسطينية" كي تُذهب عني رياح الحزن.
كانت رائحة الطعام الفلسطيني تملأ المكان، لم يُعكر عليّ انتظاره سوى وصول" شهد".
تعمدت ألا يخرج الحديث من إطاره الاعتيادي العام، لكنها باغتتني بسؤال:
- ما رأيك فيما يحدث في الوطن؟
اعتدلت في جلستي:
- من أية ناحية؟!
- من كل النواحي..
- أنت ما رأيك؟
و كأنما كانت تسألني لتعطي نفسها مشروعية الحديث، و (هوب) انطلقت :
- سخافة، (شو هي الحرية) اللي بدهم إياها، خربوا البلد، أحلى و أكثر بلدان العالم أمناً، يخرب بيتهم قلي أخوي مبارح ما قدر يصف (البي إم) بالجامعة من كترة الأغبياء.. و بيغنوا حماة الديار كمان.. يروحوا يشوفوا حماة الديار شو صار فيهم بسبب (حويتريتهم)، العمى فضحونا، و ورجوا العالم علينا، شو بدهم تحتلنا أمريكا يعني.. غبايا.. بيستاهلوا كلهم يدخلوا ع السجن.. بيستاهلو.. (زعران)..

و مع أنها استمرت بالكلام إلا أنني فقدت القدرة على السمع، هذه ليست تخوّن الآخرين و حسب، إنّها ممن يذهبون بالبلد اليوم إلى الهاوية، و "المقلوبة" برغم من أنها أكلة طيبة، لكنني لن أستمتع بها بعد كل هذا السم.

بدأت أفكر فيما يشفع لهذه المخلوقة عندي، و لكني لم أجد، فأنا لا أعرفها، و هذه هي المرة الثانية التي أشاهدها في حياتي..لم أرد أن أكرهها، فهي من أحضرت تلك الذكرى لصديقة لي حملت اسمها في البعيد، " شهد" أخرى.. أخرى تماماً.. بصورتها الهادئة العفويّة، و ابتسامتها الساخرة..

تذكرتها تبكي في فسحة المدرسة الابتدائية، بعد أن قالت لها إحداهن: اخرسي يا بنت (أزعر) السجون، بكت وقتها بحرقة، و مع أننا لم نفهم تماماً ما عناه ذلك التجريح لكن همس المعلمات ارتفع بعدها : أبوها معتقل سياسي.. لسانه طويل.
أذكر يومها أنني ذهبت إلى مقعد"شهد" و وضعت نصف (عروسة الزيت و الزعتر) خاصتي، لم تأخذها في البداية، لكنني و بعد محاولات عديدة أقنعتها بأننا لكي نصبح أصدقاء لا بد من ( الخبز و الملح)، أكلنا يومها سويّة، و هي تحكي لي عن أبيها.
بصدق لا أتذكر اليوم من جملها عنه سوى عبارة واحدة لم أفهمها وقتها، لكنني أدركها اليوم:

- بابا مانو ( أزعر).. بس مانو منافق.

للحقيقة و التاريخ، كانت المرة الأولى و الأخيرة التي رأيت فيها " شهد" ضعيفة، و لست أعلم كيف انقلب ضعفها ذاك إلى قوة شخصيّة نادرة، ربما هو الألم، أو ربما هو الظلم.

كان حديث تلك الدخيلة على الاسم مستمراً، عندما وصلت "المقلوبة الفلسطينية" إلى الطاولة.

لا أعرف لماذا غادرت، و لا ما هي الحجج التي تذرعت بها بوجهي المحمر المبرهن على الكذب.

عدت إلى منزلي، و رششت الزعتر فوق الزيت، للطعام ذاكرة أيضاً...

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انها الطائفية
علي السوري ( 2011 / 5 / 5 - 14:32 )
هذه هي ثمار بث الطائفية في المجتمع السوري، التي عمل النظام البعثي عليها ليس فقط في هذه الأيام، بل وفي تاريخه الأسود كله الممتد لأكثر من اربعين عاما. بالأمس، قرأت مقالا لكاتب ساخر كان يتحفنا من قبل بخفة دمه وينشر عرض النظام البعثي على صفحات الحوار المتمدن.. اليوم صار هذا الكاتب بوقا للنظام نفسه، فقط لأنه علوي وانساق مع دعاية إعلام النظام بأن ثورة شباب سوريا هي سلفية واخوانجية ـ كذا. ياله من سقوط لكثير من المثقفين السوريين في هذه الأيام المصيرية، ولن اتحدث عمن يسمون انفسهم صحفيين وفنانين واعلاميين، فإنها كارثة كبرى مواقفهم المخزية من ثورة شعبهم ضد الديكتاتورية البعثية الطائفية العنصرية. تحية لك


2 - حرب المواقف
مجاهد. ع المتعالي ( 2011 / 5 / 9 - 17:04 )
يقول عبدالكبير الخطيبي: غياب الحوار المفتوح يؤدي دائما إلى انتعاش حرب المواقف
أما المفصل الوجداني لما كتبته السيدة لمى فيكمن في ما حكته على لسان الطفلة: بابا ما انو ازعر بس ما انو منافق...... موجعة حيث تسوقك بالسرد كي تختنق بالعبرة عند هذه المرافعة للطفلة البريئة عن أبيها المناضل
أما المصابين بمرض استوكهولم فما عليهم سوى مراجعة أقرب مصحة نفسية

اخر الافلام

.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح


.. سهرة لبنانية بامتياز في كازينو لبنان مع النجم سعد رمضان والف




.. العربية ويكند | ترمب يغادر المسرح وحيدا بعد مناظرة بايدن..