الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقنيات الاخراج المسرحي ذات الاثر التغريبي

سلام الاعرجي

2011 / 5 / 5
الادب والفن


الجزء العاشر من الحوارية الافتراضية في المسرح بين المخرج والمتلقي .
الا ترى ان لغة الخطاب البرشتي هي الاخرى قد اختلفت ؟
المخرج : لغة الخطاب البرشتي كانت منسجمة من حيث الدلالة والتدليل مع طبيعة العصر , فهي لغة الانتاج . بمعنى ان العمل يمنح المفردة مفهومها الذهني وهو الكفيل ايضا بتطويرها فضلا عن تنوعها وحيويتها وقدرتها التعبيرية عن ادق الافكار والمشاعر ويرى ( كوبتسكي ) مستندا الى ( فاختفانجر ) في مقاله كوبتسكي يتحدث عن برشت , يرى أن لغة برشت ( هي اللغة الفطرية الفصيحة التي تستقي مادتها من افواه الناس ) .
المتلقي : كنت اود التوقف عند المفردات التالية , التنوع , الحيوية , الفطرية والفصيحة ؟
المخرج : التنوع اللغوي في مفهوم برشت له ابعاده المتعددة فاذا قورن الخطاب البرشتي بالارسطي فسيعنى التنوع توفر النص البرشتي على لغتي الشعر والنثر كما لايمكن ان تكون اللغة مشفوعة بالخطب البلاغية تلك الخطب التي تنز بالتزيين والتزويق اللفظي بسبب واقعيتها , وثمة تعددية لمفهوم اللغة لدى برشت , الرقصة لغة والاغنية لغة والموسيقى لغة وحركة جسد الممثل الدلالية ( الايمائة او الجصت ) لغة وكل ذلك انواع لغوية بل تشكل احد اهم مؤسسات الفعل المروي عضويا . وقصد برشت اللغة الحيوية اي الغة ذات القيمة الدلالية المتحركة معنياتيا , اي انها تخلو من المعجمية والقاموسية , ايقونية التدليل ورمزية او اشارية حسب تواجدها الفاعل عند الاستعمال , بمفهوم آخر انها من انتاج الحياة اليومية , نحن العرب نتوفر على مثل هذه الامكانيات اللغوية ربما اكثر من سوانا من الشعوب , مثلا ان تقول ( طير يمعود ) بالعراقي او ان تقول ( اكلب ويهك ) بلهجة أهل الخليج , ستكون مفرداتك اكثر حياتية من ان تقول في العربية ( اغرب عني الساعة ) المعنيين في الادب وااللغة وتصاريفها وقواعدها هم من سيفهمك فيما سينصرف عنك الفلاح والعامل والانسان البسيط ذلك انه لايريد ان يذهب الى جماليلت اللغة قدر اهتمامه بما تدل عليه اللغة فهي الغلاف المادي للفكرة وهي وسيلة أتصال و ايصال المعلومة ليس الا , ويمكنني ان اقول لك ان البيان والبلاغة في اللغة تحيلها الى شفرات ورموز غاية في التعقيد . كما يمكن ان نقول ان اللغة الفطرية هي اللغة البديل للتراكم الرمزي والشفراتي الاشاري المادي اصلا , كيف ذلك ؟ الرمز والاشارة من حيث الدلالة يوصلان المتلقي وبالانسجام مع مهارته ولا اريد القول وعيه الى دلالة ما , مثلا لقد خرج انكيدو مدرعا بحافظة سهامه والنبال وعزيمته , التراكم الدلالي سيجعلك متوفرا على مفهوم الصيد وبتعاطيك كلمة الصيد وحدها سيجعلك امام او ازاء العديد من الصور , الصيد باليد او البندقية او القوس والنشاب وربما بحيل اخرى , كل صورة صوتية يرافقها منجز متخيل يقود الى دال معنياتي معين , بالتالي ثمة فسحة كبيرة ومخيفة , لاهدف لها سوى ان تكون شريكا في التوقع وتسيير الحادثة ولكن على اساس السياق التاريخي المنتج للحدث ذاته , بمعنى آخر ايضا ان ثمة فارق لايمكن تصوره بين ان تقول : لقد قاد قلب الجيش او ان تقول لقد قاد الحجابات العمق في المعركة , كلا الحالتين قيادة وشتان بين عصر السيف والمدفعية . كما ان برشت لايعني باللغة الفصيحة تلك اللغة المستندة الى قواعد النحو والصرف والاعراب بل هي اللغة الواضحة الدلالة والتدليل .
المتلقي : وفي حال عجز اللغة على الايصال والتعبير فما العمل , اقول هذا ذلك ان ثمة شرطية قد تصدم بالموروث الذي يتعدى محليته ؟
المخرج : لا يعدم برشت حيلة ازاء هذا الموقف , انه يؤمم المنجز الابداعي وبكلمة اخرى انه يصادره بفعل الاستعارة والاقتباس , المنجز الابداعي مؤمم بغائيته! اكون او لا اكون لهاملت الشكسبيري ؟ ذات السؤال لعامل يتحدى صعوبات التطبيق في مصنع للسيارات وما يميز الاولى عن الاخرى الزمكانية , في الفيلم المصري الجميع يتوجه بالحمد الى الرب , المصلي لأنجازه صلواته , وألأجير الذي يكسب قوته بجهد شاق كذلك الراقصة في ملها ليلي , ولكن الى اي مدى تنسجم تلك المقولة وقائلها ذلك ما يحدده زمكانية الحدث . فقصدية الاداء بين المصلي والراقصة في الحمد لله لايمكن ان يحدد تلك القصدية سوى زمكانية الموقف بمعنى آخر ان القصد من المنتج حجم الحاجة اليه, واخراجها استعاريا من سياقها التاريخي سيكون بمثابة انزياح معنياتي والخروج من الدال الايقوني الى الدال الرمزي للاطالة في عمر الخطاب وتجاوز استهلاكه , حجم حاجتنا في سؤال هاملت يحدده وجودنا الزمكاني .
المتلقي : لنفترض جدلا ان تلك اللغة ستكون ايضا عاجزة على الايصال والتعبير ؟
المخرج : هو لايتاخر عن اقتباس بعض من الابيات الشعرية او المقاطع النثرية , ينزعها من سياقها ويودعها سياقا آخر أي يعيد انتاجها , وكنت اود ان اقول ان لغة برشت مفرغة من الشحنات العاطفية والخطابية مخافة ان تثير مشاعر المتلقي , انها لغة حركية لايمكن ان تنسحم فيها ايمائة المتكلم لمنطوقها اللفظي والدلالي , وستسالني كيف سيتم ذلك ؟ نعم ينجز برشت ذلك من خلال تناقضية المدلول الواحد في الموضوع الواحد معنياتيا وموحد كل تلك التناقضات خط الحدث العام , أن افراغها من تناقضاتها يعني تجريدها دلاليا من شكلها الحي المتعدد اللانهائي والمستبعد لكل تكوين نهائي جاء ذلك في مقاله الفنون والثورة ,ان لغته واقع الفكرة المباشر المرتبط بها عن طريق التفكير , فالفكرة صورة ذهنية منعكسة عن الاشياء والظواهر , ألا ان انعكاسها الذهني لايعني حتمية الدمج بين العلامة والمرجع فالتغريب في مفهوم برشت يعني فقدان العلامة مرونتها , حين يقع فعل الفاعل على الفعل وعلى وفق حتمية تقود الدلالة معنياتيا الى تاكيد الصورة الذهنية المرتبطة بمرجعية ما لتفسير المعنى على قصدية سطحية ومستهلكة . ان الترابط الفيزيقي – المادي – بين الدال والمدلول في الايماءة او العلامة لايمكن ان يتحقق , بالاضافة الى عدم وجود اي شبه بينهما . على صعيد لغة النص ثمة انقلاب منطقي في لغة النص البرشتي حرر وظيفة العلامة تجاه تعددية قرائية حتمية وياتي ذلك نتيجة عدم ارتباط ( الاستبدال الاستعاري ) بوظيفة العلامة القائمة على مبدأ التشابه المفترض الذي يحقق ما يصطلح عليه علماء ( السيميوطيقا ) العلامة الايقونية .
المتلقي : وماذا عنيت بالاستبدال الاستعاري ؟
المخرج : اقصد ان ثمةاشتراك دلالي في مفهومين او داليين لاعلاقة ببعضهما البعض سوى ذلك المقوم الدلالي , كان تقول يالها من نخلة باسقة وانت تقصد الفتاة مثلا او ان يدل الصليب المعقوف على الرايخ الثالث فيما يدل البيت الابيض على الرئيس الامريكي او بالعكس .
المتلقي : وماذا يعني ذلك ؟
المخرج : يعني ذلك ان الكتابة لاتتوفر على مفهوم استبدال السبب بالنتيجة ولا يمكن ان يرتبط بصنافة علامية اخرى ( المؤشر ) ذلك ان تلك العلامات تحيل الى الشيء الذي تشير اليه بفضل وقوع فعل هذا الشيء عليها في الواقع , كما يقول ( كير ايلام في كتابه سيمياء المسرح والدراما ) كما انها لايمكن ان تكشف عن نوع من التجاور او التوازي المادي حتى على صعيد المؤشرات اللغوية الصرفة , الضمائر , اسماء الاشارة , ان العلامات الاشارية لايمكن ان تدل الى اي تشابه بنائي بين العلامة والدال المقصودة .
المتلقي : وكيف ؟
المخرج : ذلك لأن العلامة الاشارية هي الاخرى خاضعة الى الفكرة التي تنتجها ذاتها – المفسرة- الضمير في لغة النص – من وجهة نظر برشت طبعا – لايدل على الحاكي او الراوي بل يدل على المحكي عنه في سياقه التاريخي .
المتلقي : استطيع القول ان الكناية البرشتية - الاستبدال الاستعاري – تتمرد على القاعدة البلاغية على مستوى النص فحين يخضع الكل للجزء يسعى الى ارجاع الكل الى أجزاءه ليسقط مفهوم الذات او الفرد المتحد بذاته ؟
المخرج : أما التصدر في مفهوم برشت فهو آلية تقنية لغوية تغريبية تشتغل بقوة داخل النص كاستخدام لفظ غير متوقع - تعليق – يحول ويعيق الفكرة المنتجة علاميا – المفسرات – ليصبح المحول هو الغاية او القصد ذلك ان بعد العلامة عن وظيفتها المقننة تكسبها نهجا يطلق عليه علماء السيميوطيقيا التصدر .
المتلقي : استطيع القول ان برشت المخرج في اشتغاله على النص يعني البحث في المعنى المتوفر على رؤية اخراجية تحدد مسؤليته من المجتمع والمنجز الدرامي عموما الموروث منه والمعاصر ليس سوى وثيقة تاريخية تعبر عن ظرفها الذاتي والموضوعي ؟
المخرج : النص بالنسبة لبرشت المخرج مادته الاولية القابلة للصياغة المعاصرة بعيدا عن اسلوبيته وبنائه الفكري وكثيرا ما كان يؤكد في محاورات المسنكاوف , نستطيع ان نتعاطى النص كبيان لكن قابل لعدة ترجمات . ان النص غير قادر على ايصال الفكرة بمفرداته فقط , الا ان الاخراج يعني اكتشاف فكرة داخل بنية النص يعقبها السعي الى ايجاد منهجية سردية تصادر مرتكزات النص المتمثلة في دائرة العلاقات , اسلوبية المؤلف , فنه , فكره , عصره , ثقافته , كذلك لغة النص .
المتلقى : يخيل الي أن الاشتغال على النص على وفق هذه المنهجية عمليا بمثابة اعادة صياغة له , ولكن على وفق اية قاعدة ستتم تلك الاعادة ؟
المخرج : نعم هي اعادة صياغة له , الا انها تستند الى قاعدة الاحلال اي تبادلية نظم علامية او شفراتية تشكل لاحقا في خطاب العرض بنيته الكيفية وتصبح جزأعضويا من حبكته . كالفيلم والوثيقة والشريحة وألأيماءة وعلامية جسد الممثل فضلا عن معمار المسرح .
المتلقي : بمعنى انه يخضع النص للحذف والاضافة والتقديم والتأخير . وهل اشتغل على نصوصه على وفق تلك المنهجية ؟
المخرج : كذلك نصوصه يخضعها الى ذات المنهجية بل طالما وجد نصوصه مغتربة عنه فيقوم باعادة ملكيتها بمشاعية التعامل مخضعا اياها الى قراءة جديدة ذلك ان الاخراج من وجهة نظره كما الكتابة مشهدية لاتعنى بالنتيجة ليحول دون تسرب المعنى النهائي وليجعل الخطاب المسرحي قابل لتعددية قرائية . ان النص كما خطاب العرض مؤمم لديه وملكيته الشخصية مصادرة , نحن ازاء مشاعية انتاجية , اما كيف يتم له ذلك ؟ فمن خلال اشاعة الروح الجماعية وتحرير ابداع الممثل وتحريره ايضا من قسرية العلاقة بين المخرج والممثل . وهو بذلك يحيل الممثل الى مصدر بث علامي الا انه واع وخبير ومثقف ومختص ومدرك حتما لأزمات عصره .
المتلقي : وبذلك يمكنه ان يكون عارضا وراوية ومعلقا على الشخصية .
المخرج : بل هو وكما يقول ( فالنر بنجامين في كتابه برشت ) هو موضفا امام عدة اختيارات
المتلقي : يبدو لي ان ممثل برشت محترفا ؟
المخرج : ابدا , ان وعي الممثل قيمة التقييس العيارية لقدراته , فحتمية الدمج والتزاوج بين مستويات متباينة من الممثلين , كخبرات وثقافات تؤدي الى التجديد والتثوير فيما تنصب قدرات المخرج على التفسير والتاويل والتحليل والتنظير .
المتلقي : وهل ثمة شرط مسبق يفرض الانسجام او التناقض مع النص مثلا او مؤسسات العرض المسرحي الاخرى ؟
المخرج : نعم ثمة قصدية تسقط جميع الحسابات لصالحها – الوظيفة الاجتماعية – وتدعم اداء الممثل وتنهار العديد من المفاهيم أزائها , كالنجومية والممثل حامل العرض بل حتى التطابق الشكلي بين البعدين التشريحيين للمثل والشخصية ليسا من الاهمية بمكان . وامعانا في اطلاق قدرات الممثل , لايقسر برشت ممثله على حركة او ايماءة او يحدد قدراته التعبيرية الا باتجاه يشكل قيمة عيارية مؤسسة لآسلوبية مادية – البحث في المستوى الاسلوبي للنص – سمعية بصرية , تشيع الفكرة وتؤكد دور الأخراج غير المعني في بنية النص والمصادر لها على حساب انتاجية معنياتية متعددة تنتجها العديد من الانساق والنظم العلامية في خطاب العرض .
المتلقي : اعتقد ان مثل هذا الاسلوب القرائي بحاجة الى تقنيات تنسجم معه وتحقق قصديته , بمعنى آخر هل ثمة خارطة طريق لخطاب العرض البرشتي ؟
المخرج : ليس ثمة خارطة ثابتة المعالم بل ثمة تقنيات تحدث الاثر التغريبي في الخطاب وهي ليست ثابتة ايضا بل هي مبتكرة ومتجددة , منها تقنيات الممثل ذات الاثر التغريبي , تقنيات الفضاء ذات الاثر التغريبي والموجودات المادية المؤسسة للفضاء ذات الاثر التغريبي ايضا .
المتلقي : الممثل أولا .
المخرج : الممثل عند برشت عنصر مادي وحامل علامي بل هو دال حسي يبث مادته الجمالية التي تؤثر في المتلقي , الذي يشكل له الوجه العلامي الثاني – المدلول – وهو المفهوم العقلاني او الجمالي , اي ان الدال البرشتي – جسد الممثل – يمتاز بكونه دالا علاميا متحركا يفترب من مفهوم النسق اكثر من العلامة الواحدة , يتوزع دلاليا على مستويات خطابية عدة , السمعية والبصرية والحركية والتي تتوحد على اساس التناقض ولاتتوحد على اساس ان نص العرض علامة كبرى او مكرو علامة يتشكل معناها من تاثيرها الكلي - كما يقول كير ايلام في مؤلفه العلامات في المسرح , ان ثمة تبادلية لأنظمة العلامات او الاشارات تنتج وحدات دلالية حتما لايمكن ان تتوفر على مرجع جمعي لأن مرجعياتها التاسيسية او المنتجة متعددة المصادر فهي لا تسعى الى تسخير كافة قنوات الاتصال لأنتاج مركب جمالي او ادراكي يقرء من خلاله نص موحد بما يتفق مع الكودات المسرحية والدرامية التي في حوزته كما يقول كير ايلام في مؤلفه سيمياء المسرح والدراما .
المتلقي : ولماذا كل هذا الجهد اعني هل ثمة قصد معين وراء ذلك ؟
المخرج : نعم , ابتعادا عن قسرية او احادية قرائية أستلابية الاثر عند المتلقي والحيلولة دون تحقيق محاكاة المتلقي للشخصية عبر ومن خلال الممثل كي لايستعير وعي الشخصية اانفاذ الة ماهية الحدث ويعيش حالة الابعاد الذهني .
المتلقي : كيف يفهم برشت المحاكاة ؟
المخرج : المحاكاة البرشتية استنتاج للطباع المؤدية الى انتاج الحدث الا انها تشكل معارف عملية مضافة تمكن المتلقي من أطلاق احكامه على الحدث جراء العلاقة التبادلية القائمة على اساس النقد والتحليل بين المتلقي والشخصية وبوسائل فنية تؤكد عبر خطاب العرض ان سلوك وفعل الشخصية احتمال واحد وخيار واحد من بين عدة احتمالات وخيارات . الممثل شاهد على الشخصية , الممثل ( انا ) برؤيتين , رؤياه هو ورؤية الشخصية وكلاهما ينتميان الى عوالم مختلفة متناقضة . الممثل يستعير من الشخصية صوتها مشاعرها افعالها آرائها حتى يبدو يعرف النهاية منذ البداية واثناء الاداء ايضا , كما يقول برشت في المنطق الصغير في المسرح , ان صوت الممثل يتوفر على صوتين يحيلان الى سياقيين في النطق الحاضر والماضي , فاذا كان الخطاب الثاني هو الخطاب القائم على فعل التاويل فهو قادر على توجيه الخطاب الاول – النص – دلاليا ليكون كلاهما خارجا عن بعضه فتتاح للمتلقي فرصة اعادة انتاج الخطاب الثاني بتاويل جديد لايركن او يستند الى ذلك الخطاب بقدر ما يسعى الى تاسيس معنى تدعمه تناقضية الخطابين وعمق وعي المؤل الاول للخطاب , ان تصادم نبرتي الخطابين , النص / العرض عند الممثل ينتج الابعاد , كما ان منطق السرد المتحرر زمنيا والمتحرك على خطاطة آنية لايمكن ان ينسجم ومنطق التجسيد المتحرك داخل حدود ( آن ) قسرا , كما ان التصدر وكما اسلفنا احد اهم عناصره الابعادية – التغريبية – اذ عادة ما يلجا الى عنونة مشاهد خطاب العرض بجملة اوبيت من الشعر وربما بمعزوفة موسيقية تتكرر بوساطة الممثل او الموجدات المادية المؤسسة لفضاء خطاب العرض مقاطعا بها الحدث وتناميه بعد ان يجرده من مالوفيته ويبعده عن وظيفته المقننة اي تغريب الاداء الدلالي ومن عناصر تغريب سلوك الشخصية ايضا الرقص التعبيري حيث يرى برشت ان الرقص حركة تعبر عن الواقع بصيغ نسبية تغادر الدال المعنياتي المالوف لمنطقية الاشارة او الايماءة .
المتلقي : وماذا عن ايقاع ممثله , فهو لايندمج ولايتماهي ويحاور الافعال والانفعالات والمشاعر , ترى كيف يكون ايقاعه ؟
المخرج : ان ايقاع ممثله هادىء بارد لكنه لايخلو من القلق والتوتر , عمليات التفكير تحتاج مثلا لسرعة ايقاع مختلفة كليا عن عمليات الشعور , ورد ذلك في ملاحظاته حول مسرحية رجل برجل وهي من تاليفه , كما يرى برشت - على العكس من ستانسلافسكي – ان معمار المسرح المؤسس لبيئة معاشة لايمكن ان ينسجم وطبيعة قرائته , فالمعمار بوحدتيه غير ثابت وخاضع لأعتبارات عديدة , منها ان يتوفر على مشاهدة واضحة وقدرة على مراقبة المتلقي الجار لقراءة ردود افعاله , ان حتمية اللاثبات تعني ان العالم يتغير وفق قوانين لم تكتشف بعد بصورة نهائية , فالمكان وسط جمالي مستقل عن سائر الاوساط الجمالية الاخرى يتحرك على وفق علاقة تبادلية بين الممثلين والموجود المادي على المسرح وان يعبر عن المادة المروية بشكل تصويري ويعكسها باسلوب متطور جدا ,وان يكشف عن سمات العمليات الاجتماعية بدلالاتها التاريخية اي ان يشهد تصوير المكان تكثيفا علاميا يؤرخ الحدث بيئيا ليؤكد دور وفاعلية الانسان في الطبيعة كي يبدو معها العمل والنشاط الانساني الحياتي عملا مدركا واعيا وليس عملا آليا , ان برشت يكشف عن علاقة المنتج بالانتاج في ظل ظرفها الخاص وهي لاشك علاقة مغتربة .
المتلقي : وما هي سمات تصوير المكان من وجهة نظر المنهج البرختي ؟
المخرج : من حتميات أنجاز المكان قدرته على تهيئة خلق وحدة متناقضات مستمرة مع الدلالات المادية المكانية من خلال العلامات المبثوثة من قبل جسد الممثل وهذا ما يؤكد قدرة الموجود المادي المؤسس للمكان على التعليق على الحدث ويرفع اغترابه فكل مكون جمالي سيبدو محتفظا بقدرته على التعليق واستقلاليته الذاتية عن المكونات الاخرى من خلال فرضه لكوداته الفرعية في اطار الكودات الضابطة وسيكون في تناقض معها لأستثارة التفكير كما يقول دوكلاص كايزر في مقاله الجماليات الواقعية الاشتراكية عند برشت والموثق في مؤلف بيته نانسه فايبر , فالمكان مؤسس بنائي في خطاب العرض الا ان التكثيف العلامي للمكان امتلك قدرة رؤية توقعية في آن مستقبلي من خلال الشاشة / الفيلم / اليافطة / التي كان لها اثر الهامش التوضيحي في كتاب , وهي تتخذ من الحدث موقفا بين المذكر والمستفهم والمستشهد أو المهيء للحدث اللاحق , والموسيقى دال تضامني ملتصق معنياتيا بخطاب العرض ليشكل جزئا بنائيا في علامته الكبرى , ولا نعني بالالتساق سمة التابع او الطفيلي بل الازدواجية الدلالية على الرغم من الثبات . الموسيقى تؤسس معنا حسيا وشعوريا منسجما والموقف ومعلق عليه او ربما معمق له , واعتمادا على نظامها العامل على محورين محور التزامن ومحور التتابع كما يقول أميل نيفيتيش في سيميولوجيا اللغة , يكرر برشت المقطوعة ذاتها الا انها لاتشكل هذه المرة حالة منسجمة بقدلر ما ستكون حالة متناقضة جدلية مع الموقف اي انها بشكل عام تخلق مزاجا مناقضا للصورة التي تعرض لتدعم الايماءة النقيض / وتعترض طريق الحدث / فهي تعمل على اظهار المعنى الباطني الاجتماعي لمجمل علاقات الحدث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة