الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتفال بمئوية الميلاد خارج مكان المولد..

جاسم المطير

2011 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


احتفال بمئوية الميلاد خارج مكان المولد..
جاسم المطير
ذات يوم ، قبل بضع سنوات، علمتُ أن منظمة الفضاء الأمريكية (ناسا) أطلقت اسم جاليليو على سفينة فضاء تابعة لها وهي مصممة لاستكشاف كوكب المشتري العملاق وأقماره وحلقاته. جرى تسمية السفينة باسم العالم الايطالي الذي لعب دورا رئيسيا للغاية في تفنيد النظرية القديمة القائلة بمركزية الأرض. كان جاليليو أول من رأى كوكب المشتري كعالم نشيط واكتشف أقماره الأربعة الكبيرة.
بهذه الصورة أصبح العالم الايطالي جاليليو جاليلي ( 1564 - 1642) اسماً جباراً يدور في الفضاء الخارجي ، أيضاً، بعد دورانه لقرون عديدة على الأرض وعلى أنظمتها العلمية الاستكشافية التي استحق عليها تكريما .
تذكرتُ هذا الأمر حالما بدأتُ كتابة سطور مقالتي هذه مقارناً بالرؤى المعدومة في الدولة العراقية، القديمة والجديدة، في إهمال تكريم علماء عراقيين كثيرين يفخر شعبنا وشعوب العالم بهم ، وبعطائهم ، وأحلامهم العلمية. يأتي في مقدمة هؤلاء، العالم العراقي الدكتور عبد الجبار عبد الله (1911 – 1969 ) .
يستطيع أي إنسان عراقي أن يفخر بالحديث عن الدكتور عبد الجبار عبد الله ، العالم الفيزيائي العراقي في احتفالية كبيرة يوم 29 – 4 – 2011 في مدينة مالمو – السويد. يمكن للمراقب المحايد أن يقول عنه شيئا كثيراً من خلال الحديث عن الفيزياء والأنواء الجوية ومن خلال الحديث عن الالكترونات والبروتونات النشطة التي تطوق كوكب زحل . كما يمكن لرجال العلم من وزملائه وأصدقائه وتلامذته، في الوطن وفي الخارج، الحديث عن كل التفاعلات الكيمائية والفيزيائية، التي لها ضلع في خطوات أدت إلى بداية معرفة الحياة الكونية والإنسانية والى تطورهما مع الأدوات العلمية – العقلية ، الحساسة ، للتوغل في تحديد دور الإنسان الكامن في الأفعال الجبارة في العمليات الكونية منذ أفعال اينشتاين نظرياً وأفعال يوري كَاكَارين عمليا .
الحقيقة أن مساهمتي في ملف صحفي تعده مجلة تواصل ( عراقية تصدر في السويد) في هذه المناسبة الجليلة لم تجعلني قادرا على أن أجد تنهيدة ارتياح بهذا الشرف الكبير ، بهذا الواجب الكبير في كتابة مقالة عن حياة عالم كبير ، ما زالت ممتلئة حتى الآن بكثير من الشواهد، التي تحتاج إلى مزيد من البحث ، مثلما الإبحار في أعماقه يحتاج إلى الرسوخ في شواطئ عديدة، بعيدة وقريبة ، وأنا لا أملك مثل هذه العدة التي تؤهلني للبحث والإبحار، إلا من خلال شرف وجود اسمي صحفيا ، مشاركا ، بتواضع جم ، في هذا الملف الضروري الصادر بمبادرة عراقيي الغربة السويدية الرائعة. أنا شخصيا لا املك معلومات تساوي أو توازي أو ترضي فضول العلماء والكتاب العراقيين المستكشفين لنبوغ وتوهج عبد الجبار عبد الله في مختلف ميادين العلوم الطبيعية والإنسانية، النبوغ والتوهج الذي أغفلته الدولة العراقية ومؤسساتها العلمية المختلفة من دون أن تسعى لتكريمه. جاء هذا الإغفال وتكرّس وتراكم بمواقف وتجاهل الحكومات العراقية المتعاقبة تحت ضغوط إعلامية وربما دينية أهملت دوره، بينما كان اسمه مفخرة عالمية تشيد بها الجامعات العالمية . حتى انه نال تكريما مباشرا من الرئيس الأمريكي هاري ترومان بمنحه وسام (مفتاح العلوم) لكائن إنساني علمي وفر وابتكر محتوى نظريات النسبية من بطليموس إلى اينشتاين كي يضعها بمتناول التربويين العلماء ، في الشرق والغرب ، بأمانة وتقدم.
اليوم يحاول عراقيون في السويد أن يفعلوا ما لم تفعله الدولة العراقية ولسد ثغرات إهمال حكومية، حيث لم يبادر لا رئيس الدولة ولا أي مؤسسة عراقية لتحريك حجر الداما في مربع التكريم الذي يستحقه هذا العالم. اليوم يحاول عراقيون يعانون آلام المنفى والغربة ، التي عاناها عبد الجبار عبد الله نفسه، أن يديروا ، قليلا ، عجلة الإهمال والغفلة عبر القيام بموكب احتفالي بسيط ومتواضع لإضاءة تاريخ الرجل في احتفال التكريم على ارض سويدية، بإمكانيات مالية ولوجستية متواضعة، من قبل بعض المنظمات العراقية في الغربة السويدية ، بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده، انطلاقا من الرغبة في تحويل ارث علوم عبد الجبار عبد الله إلى الأجيال العراقية الجديدة كي يكون مقررا دراسيا نافعا لمجمل الواقع المستقبلي في العراق. إنها مساهمة متواضعة من قبل المغتربين العراقيين بهذه الذكرى القادرة على مد بعض جسور التواصل بين (العلم والمستقبل) محفزة على تحريك عقارب الساعة العلمية نحو إيجاد عقل عراقي نشيط في زمان تكاثرت فيه الأزمات داخل الوطن العراقي، وغاب فيه دور العلماء، الذين ظلوا متراوحين بين التطلع إلى الحرية واختصار الحياة المتخلصة من الاستغراق في الدين والطائفية .
لكن رغم صعوبة التكليف المناط بي من قبل مجموعة أصدقاء أوفياء ، من تلامذة ومحبي العلم والثورة ، من محبي عبد الكريم قاسم وعبد الجبار عبد الله، هم كل من فرات المحسن وعبد الجبار السعودي وصلاح خضير الحيدر وفلاح الحيدر فقد وجدتُ نفسي مندفعا بمناسبة مئوية الدكتور عبد الجبار لاحتضان وتأكيد إحدى الحقائق المرتبطة بهذه الشخصية العراقية الفذة كرجل (علم) تناغم مع رجل (ثورة) هو عبد الكريم قاسم في رؤية مشتركة، بعيدة المدى، لتجاوز زمن عراقي متخلف كان يواجه ، منذ حوالي القرن من الزمان الحديث، استنزالا اجتماعيا روتينيا كبيرا ضاغطا من قبل قوى التسييس الأعمى، الرجعي والقومي، المحدود الرؤى، خصوصا بعد قيام ثورة التغيير، ثورة 14 تموز عام 1958 جاعلين آمال التقدم العراقي شيئا محبطا تماما .
كان الزعيم عبد الكريم قاسم تغلـّب على (الخوف) من (العلم) كوسيلة في الزمان الجديد والمكان الجديد لتوفير القدرات الجديدة للدخول إلى المستقبل.
في ذات الوقت تغلـّب العالم عبد الجبار عبد الله على (الخوف) من (الثورة) كوسيلة، أيضا، في الزمان والمكان والقدرات، كي تتقد نهضة بلاد الرافدين للدخول إلى رحاب المستقبل الأصيل ، القريب و البعيد.
لم يكن اندماج الرؤى، العلمية والثورية، أمراً سهلا ، فقد واجهت فكرة قائد الثورة عبد الكريم قاسم لوضع العالم الدكتور عبد الجبار عبد الله على رأس أول واكبر مؤسسة علمية – تعليمية هي جامعة بغداد، عقبات كثيرة ورهبة كبيرة، أوجدها بعض عناصر الدائرة السياسية الأولى المحيطة بالزعيم عبد الكريم ، حيث ضغطوا بنوايا خفية لإبعاد عبد الجبار عبد الله عن رئاسة جامعة بغداد ، في لحظة البدء في تطويرها ، خوفا من علومه الكثيرة العارفة بكل أنواع البرق والعواصف والبراكين ذات الميل السياسي ، وكيفية اجتيازها وتجاوز مخاطرها لجعل جامعة بغداد أداة الثورة العلمية – التكنولوجية في العراق، رغم الظروف الفعلية الصعبة المحيقة بأصول ومصائر مستوى التعليم المتخلف، اللذين تلوثا بعد ذلك بأيدي الفاشيين، القافزين بقوة السلاح، إلى سدّة السلطة في شباط عام 1963 وما بعده، حيث عملوا على اهانة العلم والعلماء، وأمعنوا بالاعتداء الوحشي عليهما متهجين أسم عبد الجبار عبد الله بخطأ فادح، بارتكابهم أبشع جريمة بحق العلوم العراقية حين انزلوه من رئاسة الجامعة واضعين إياه في معتقل فاشستي كأنهم ينفذون خيال الشياطين السبعة الشريرة في الأسطورة السومرية.
كان عبد الجبار عبد الله قد استغرق وقته وعقله وجهده في استكشاف الخطط والوسائل المؤدية إلى بناء العقل المستقبلي بين صفوف الشعب العراقي وكوادره الساعية نحو القضاء على أسباب التخلف الزمني وعلى العقد الحقيقية العميقة المعيقة للتقدم العلمي والاجتماعي في بلاد الحضارة والتقدم منذ عصور سومر وبابل وآشور.
كان الهدف الأول والأخير من اضطهاد مفخرة العلوم العراقية عبد الجبار عبد الله هو توجيه ضربة قاصمة للمعايير العلمية التي أراد هذا الرجل وصفها نظريا في خططه ، وجعلها قوة ومصدرا حقيقيا فاعلا في استكشاف وتفعيل الأنظمة والوسائل الفرعية والحيوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلد غني بثرواته النفطية والمعدنية والمائية والبشرية، لجعله في مصاف الأمم المتقدمة في عصر لا يستطيع الخلاص من قلقه وتخلفه ومشكلاته الاجتماعية إلا بالثورة العلمية والتكنولوجية، التي أراد عبد الجبار عبد الله أن ينقل بعض بؤر إشعاعاتها إلى بلاد النفط والنهرين، عبر خططه المرجحة لتأسيس قواعد رئيسية قادرة على خلق كوادر عراقية تتكفل بصنع مستقبل العراق وتنميته بدرجة هائلة وتحقيق أحلام ثورة 14 تموز اعتقادا منه أن العراق لا يمكن أن يتطور إلا بتحقيق التسارع لخلق الكوادر الهندسية – العلمية الوسيطة، من خلال تشييد وتطوير المعاهد الفنية، التي عني عبد الجبار عبد الله بتأسيسها ووضع برامج تطويرها لتسريع مستوى كفاءتها، كي يتاح لها المساهمة في سرعة تنفيذ الخطط التنموية العراقية ، لاستقطاب ضوء شمس بلاد الرافدين، المنعكس عن (اندماج العلم والثورة) . كما عني عبد الجبار عبد الله بخططه العلمية المرموقة بجميع مكونات الكادر في جامعة بغداد ، ليس لتجميد أهدافه بحدود تكوين أفراد العمل الروتيني في أجهزة الدولة كما هو الحال القابع فيها حتى الآن ، بل بالأساس لجعل جامعة بغداد مكانا قادرا على خلق الكائنات الحية، الواعية ،والمتطورة بحصانة الكفاءة ، لتحويل (اندماج العلم والثورة) إلى قوة حقيقية محولة ًجزيئات الدولة إلى قدرات هائلة، متراكمة ، واستخدامها في تصنيع البلاد وتطوير زراعتها ، بجعل أراضيها الصلبة المعقدة بالخطط العلمية، بالكوادر العلمية إلى أراض معطاء مشتملة على وحدات إنتاجية أساسية لتطوير الحياة ما بين النهرين.
لقد فعل فاشيو شباط 1963 جهدهم الأول في جامعة بغداد بتحطيم اندماج الثورة والعلم، منحرفين بالجامعة الوليدة بدرجة 180 حين قتلوا زعيم الثورة عبد الكريم وحين زجوا برجل العلم في السجون.
لقد ظل ماء الرافدين جامدا منذ ذلك اليوم حتى الآن، إذ لم يحتضن أيا من الحكام اللاحقين نظرية تثوير العلم، التي أرادها عبد الجبار عبد الله لحاضر زمان العراق ومستقبله، فظلت الزراعة والصناعة العراقية تدوران في برك المستنقعات والمياه الضحلة ، حين أهملت إهمالا تاما نظرية اندماج العلم والثورة، التي أريد لها أن تتأكسد وتتلف بأيدي أعداء الثورة والعلم .
اغتيل عبد الكريم قاسم فاحترقت الثورة .
سجنوا عبد الجبار عبد الله ثم مات منفيا في الغربة الأمريكية البعيدة فاحترقت نظريته البناءة.
السؤال الأخير: هل يحمل المستقبل العراقي لقاءا جديدا لتجديد واختبار نظرية عبد الجبار عبد الله العلمية – التعليمية لاستخدامها، كقاعدة في العملية التربوية، كي تكون الجامعات والمعاهد العلمية العراقية منحتا للكوادر البناءة لعقول المستقبل في وطن ما زال يرنو لعودة عبد الجبار عبد الله إليه..؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 20 – 4 - 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة رائعه
عربي الخميسي ( 2011 / 5 / 6 - 02:12 )
الكاتب الكبير الاستاذ جاسم المطير العزيز
ليس غريبا عليكم ان تقفوا هذا الموقف المشرف مع اصحاب الحق يوم عرفتكم منذ خمسين سنة ونيف وما كتبتموه اليوم عن العالم الفيزيائي عبد الجبار عبد الله رئيس جامعة بغداد من كلام منصف يذكرني بموقفكم المشرف قبل ثلاث سنوات وانتم تقترحون على الكتاب العراقيين في تجمعهم بالاردن بتخليد اسم هذه الشخصيه العلميه المعروفه بجعل يوما مخصصا يحتفى به سنويا تقديرا وفخرا للعراق والعراقيين
ومما لفت نظري بمقالتكم القيمه هذه هو الربط الموضوعي بين العلم والثوره وتفاعل الاثنين من اجل الافاق المستقبليه الافضل للأنسان هو طرح ذا معنى عميق
احييكم ايها الصديق الفاضل وشكرا لكم مع الود والاحترام
عربي الخميسي

اخر الافلام

.. مرشحون لخلافة نصرالله | الأخبار


.. -مقتل حسن نصر الله لن يوقف مشروع الحزب وسيستمرفي المواجهة -




.. الشارع الإيراني يعيش صدمة اغتيال حسن نصر الله


.. لبنان: مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلي




.. المنطقة لن تذهب إلى تصعيد شامل بعد مقتل حسن نصر الله