الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واحد أقوى من مليون

جهاد علاونه

2011 / 5 / 5
ملف 1 ايار 2011 - تأثير ثورات العالم العربي على تقوية الحركة العمالية والنقابية


من الأشياء التي تعيب شخصية سيد القبيلة أن يكون ضعيفا وغير قوي ولا يشور على أقربائه أو أن تكون القبيلة أقوى منه في كل شيء, فدائما تعودنا على شخصية الحاكم الأقوى من شخصية جميع المحكومين, واحد مقابل ألف, وواحد مقابل 5 ملايين, أو واحد مقابل 70 مليون, ولا يستطيع الحاكم بأن يصدق بأن الملايين أقوى منه ومن إرادته, ومن الأشياء التي تعيب الرجل في قريتنا وعائلتنا أن تكون زوجته أقوى منه في كل شيء الناس في حارتنا يتهكمون كثيرا على الرجل الذي تحكم أسرته المرأة فيقولون عنه (رجل إمعة) أو (رجل محكوم), حتى وإن وجدنا عائلة المرأة فيها أقوى من الرجل تجد المرأة تخفي هذه الحقيقة عن الناس ونسمعها تقول (أنا ما بشور على جوزي جوزي صاحب القول والشور)لكي لا يقال بأن الرجل ليس رجلا تحكمه امرأة, وكذلك صورة الحاكم والشعب فلا أحد يقبل بأن يكون المحكوم أقوى من الحاكم, وهذه السلطة صنعتها ثقافة متزامنة منبثقة من نمط الإنتاج الآسيوي الاقتصادي, ولكن من يصنع الحاكم أو يجعل منه أسطورة(واحد أقوى من مليون) رغم أنه شخصية عادية كما قال شكسبير على لسان(كاسيوس) في مسرحية (يوليوس قيصر) : رغم أن كلانا يستطيع أن يحتمل من برد الشتاء ما يحتمل إلا أنك القيصر العظيم وأنا كاسيوس التعيس.

من أكبر الأخطاء التي يمارسها المواطن العربي هي أنه دائم البحث عن واحد أقوى الجميع,أي سلطة أقوى منه يحميها ولا تحميه, وينفذ لها برامجها ولا تنفذ له مطالبه, يهواها ولا تهواه يعشقها ولا تعشقه وأقوى منه في كل شيء وفي كافة المجالات , ويطعمها ولا تُطعمه ويسقيها ولا تسقيه, وهذه السلطة تتمثل في كل شيء بدء من المرأة التي تصنع الرجل أقوى منها في كل شيء اقتصاديا وسياسيا وفكريا ومعنويا , فتجد المرأة تسقي الرجل ولا يسقيها وتطعمه وتطبخ له ولا يطعمها ولا يطبخ لها , وتغسل له ملابسه وتطعم ضيوفه ولا يغسل ملابسها ولا يطعم ضيوفها, حاكم قوي وجلاد ومحكوم مسلوب الإرادة وضعيف الشخصية, وتربي بالطفل منذ نشأته على أساس تفوقه ألذكوري حتى إذا ضربت البنت الولد تضربها لتجرئها على مد يدها على أخيها, أما إذا ضرب الولد البنت فغالبا ما تنتهي القضية بفك النزاع أو بتأنيب الولد تأنيبا غير جارح ولا يمس ذكورته في شيء, وبنفس الوقت الحاكم والشعب فمن حق الشعب الانتخاب ولكن ليس له حق أن ينتخب نفسه بل أن ينتخب الحاكم, والمرأة من حقها أن تنتخب الذكر ولكن من النادر أن تنتخب نفسها لتمارس السلطة, وبنفس الوقت تربي الأنثى على أساس أنها ضعيفة ومحتاجة إلى الرجل الأقوى منها, وكذلك الشعب دائما بحاجة إلى حاكم أقوى منه لكي يحصل من خلال قوته على وظائف شاغرة علما أنه من حقه الحصول على تلك الوظائف من خلال جدارته وليس من خلال قوة الحاكم, ويحتاج الموظف الحكومي إلى رئيس عمل قوي يدافع عنه وبالتالي القانون المدني الذي يحكم الجميع غائب وتحل محل صورته صورة الرئيس والحاكم القوي الأسطوري الرجل بمعنى الكلمة للرجولة فتكون بذلك المرأة مثلها مثل المجتمع العربي بأسره الذي يصنع السلطة الأقوى منه, فكل أنواع السلطات التي أنتجها الواقع العربي القديم والحديث تكاد أن تكون سلطة أسطورية بيدها الحل والربط وبيدها حق تقرير الألوف والملايين , ونجد المجتمع العربي يعظم من دور السلطة ومن إمكانياتها ويبالغ في تقدير حجمها ويجعلها عملاقة في كل شيء ليعبدها وليقدسها, ودائما ما يكون شكل السلطة في الوطن العربي أكبر من حجم الوطن العربي ومقدراته بالكامل, فمثلا الحاكم في الدول العربية شخصيته الكرازماتية أقوى من شخصية المجتمع الذي يحكمه, وهذا هو الخطأ الفادح الذي يجعل من الحاكم العربي قصابا وديكتاتورا , وكذلك شخصية الرجل أقوى بكثير من شخصية المرأة ودائما ما تشعر المرأة العربية أنها بدون رجل صفر على الشمال ليس لها حولٌ ولا قوة ولا قدرة حتى على مد يدها لتصدي أي هجوم من قبل الرجل ولو كان بشكل دفاعي.

وهذا النوع من السلطة موجود في كافة فئات المجتمعات ومؤسساته, فمثلا مدير الشركة يكون أقوى من الشركة نفسها أي أقوى من القانون الذي جعله مدير وكذلك مدير المؤسسة تكون سلطاته أقوى من سلطة المؤسسة نفسها التي يديرها, وكل مدير وكل مسئول تكون شخصيته أقوى من الشرعية التي أوجدته وجعلت منه مديرا ورئيسا, وهذا النوع من السلطة في الوطن العربي هو الموجود وهو الذي يجتر نفسه وينسخ نفسه عبر أشكال متداخلة من الصور والأرقام, حتى أن مدراء المؤسسات يقمعون أي تحرك ما من شأنه خدمة المجتمع المحلي وذلك حتى لا يصبح المجتمع مالكا لسلطة تتقارب في القوة من حيث الشكل والحجم مع سلطته هو, والنتيجة دائما هي المعاناة في الحلقات الأخيرة.

النتيجة دائما الشكوى والتذمر فالمرأة تشكو الآن من سلطة الرجل الذي لا أحد يستطيع أن يجبره بأن يتنازل ولو بشكل بسيط أو ضعيف من صلاحياته, فالرجل بيده الحل والربط وبيده مفتاح البيت يفتحه في وجه المرأة متى يشاء ويغلقه متى يشاء, وكذلك مدير الشركة أيً شركة كانت فبيد مديرها الحق في أن يعاقب وفي أن يفصل ويستغني عن الخدمات والقانون بصفه وكل شيء بصفه والمصيبة الكبرى أن الجميع يطيعون طاعة عمياء للمدراء وللرؤساء وفي النهاية مجتمع كامل أمام أجهزة الرقابة يشكو من تصرفات المسئولين ويشكو من تصرفات المدراء ويقول بأنه لا أحد يحاسب المفسدين علما أن المفسدين جميعا والأقوياء جميعا يستمدون سلطاتهم من سلطات المظلومين والضعفاء الذين خلقوا سلطة أقوى منهم في كل شيء.

هذا النوع من السلطة كان موجودا في المجتمعات التي كانت تعجز عن شفاء نفسها وعن تلبية حاجاتها, وهذا النوع من السلطة أوجدته المجتمعات الضعيفة حين لم يكن للشعب قيمة حين كانت قيمة رجل واحد تعادل قيمة ألف رجل كقول الشاعر: وكم رجلٍ يُعدُ بألف رجلٍ وكم ألفٍ تمرُ بلا عدادِ) فأيام زمان حين كان الإنسان يكسب لقمته بتعب يده وليس بفضل الآلة كان دوما يشعر بأنه ضعيف وإنه بحاجة إلى سلطة أقوى منه تدير له شئون حياته, وبقيت المجتمعات العربية على هذه الحال حتى مع بزوغ العصر الصناعي أو الثورة الصناعية التي حسنت من حياة الإنسان فأصبح للأفراد أي للشعوب قيمة في كل شيء وأصبحوا قادة ورؤساء وبالتالي أصبح من حق الذين يعملون في النقابات أن يشكلوا الجمعيات والنقابات التي تعبر عنهم, ما عدى الوطن العربي الذي فيه الشركات والمصانع قليلة جدا فاختار العرب مثلا استيراد كل شيء بدل تصنيعه وبالتالي ضعفت الشركات والمصانع وأيضا بما أنه لا يوجد مصانع فهذا معناه أنه لا يوجد لا نقابات ولا مؤسسات مجتمع مدنية وبقي المواطن العربي تحت رحمة السلطة الأقوى منه, وما زال غالبية الناس يأخذون معاشات من الدولة دون العمل والناس في مثل هذه الحالة يدعون لرب العمل بأن يمد في عمره وعمر أولاده كما يدعون ألله بأن يمد بعمر السلطان وأولاده وبالتالي السلطان بحاجة إلى جيش يحميه وشيخ يدعو له بالصحة وبالعافية, لذلك السلطان أو شخصية الحاكم العربي لا يستطيع أن يصدق بأن الشعوب أو الشغب أقوى منه, فدائما السلطان قوي والشعب ضعيف ومسلوب الإرادة ولا حول له ولا قوة وكذلك المرأة شخصية ضعيفة والرجل أقوى منها ولا يستطيع الناس التصديق بأن المرأة داخل الأسرة (النواتية) أقوى من الرجل, ولا يستطيع شيخ القبيلة بأن يصدق بأن القبيلة أقوى منه داخل (الأسرة الممتدة) وبالنهاية قطيع من الغنم تقوده ذئاب وكلاب تنهش في لحمه , لذلك المجتمعات العربية تخلق صورة الحاكم الأسطوري الذي من بركة دعاء قلبه يسقط المطر وتزداد الغلال, ولا يقبل أحد بأن يصدق بأن للشعب إرادة, وبأن المليون أقوى من واحد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا