الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموضة السياسية عند العرب، غروب حقبة التدين - الجزء الاول

الياس المدني

2011 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


عصر النهضة
بعد مئات من سنين التخلف والظلام التي دخلتها المجتمعات العربية في اطار الامبراطورية العثمانية اتت نهاية القرن التاسع عشر لتحمل في طياتها بعضا من النور في هذا النفق المقفر. ففي مصر يحل جمال الدين الافغاني حاملا الكثير من الافكار التنويرية ليس على الصعيد الديني فحسب بل وايضا افكارا سياسية واجتماعية واقتصادية. وتعداها الى اكثر من ذلك ووصلت الامور الى ما يشبه ثورة ثقافية بكل ما تعنيه الكلمة.
كانت المجتمعات العربية في ثبات عميق في ظل الخلافة العثمانية ولم تكن مصر بمنأى عن ذلك رغم استقلاليتها الفعلية عن السلطنة. ام الدور الذي لعبته الدول الامبراطورية الاخرى في مصر فلم يكن بعيدا عن اهدافها الاستراتيجية في السيطرة على هذه المنطقة لاهميتها في الاقتصاد العالمي. لهذا لم يكن من مصلحة هذه الدول تنوير الشعوب العربية ولا قيام دولة عربية قوية مستقلة بعيدا عن فلك هذه المصالح للدول الكبرى.
لهذه الاسباب كانت افكار الافغاني وتلاميذه غير مرغوب فيها لا في مصر ولا في الاقاليم العربية الاخرى.
كان جمال الدين الافغاني وتلاميذه خاصة محمد عبده ومحمود سامي البارودي وسليم النقاش وابراهيم اللقاني وغيرهم النواة التي انتجت ما عرف بالنهضة العربية والتي حاولت محاكاة عصر النهضة الاوروبية والثورة الصناعية فيها.
ولعل اهم ما انتجت هذه النهضة في الحقيقة هو الفكر التحرري من كل القيود المتخلفة التي فرضها الدين والسياسة والتي ادت الى تقوقع المجتمع في عمق العصور الوسطى. وهذا الفكر التحرري انعكس ايضا في سياسة الحركات التي قامت سواءا بهدف التخلص من الامبراطورية المريضة وفي فترة لاحقة لنيل الاستقلال الوطني عن الدول الاستعمارية الغربية. وربما لا يختلف اثنان بان الثورة العرابية رغم عدم تحقيق اهدافها كانت واحدة من الامثلة التي قدمتها فترة النهضة آنذاك.
استمرت فترة النهضة العربية سنوات قليلة فاذا ما اعتبرنا ان استقرار الافغاني في القاهرة سنة 1871 كان بداية هذه النهضة، فان دخول القوات الغربية الى بلاد الشام عام 1918 وتطبيق اتفاقية سايكس – بيكو بعد نهاية الحرب العالمية الاولى كانت نهايتها. اذ بدأت في تلك الفترة بالظهور عقائد اخرى. واذا كانت افكار النهضة تحاول اصلاح احوال "الامة الاسلامية" ككل اخذت الافكار الجديدة بمفهوم التقسيم الامبريالي للمنطقة العربية واصبحت تطالب بالاستقلال الوطني بالمفهوم الحصري للكلمة.
عهد الحركات التحررية
قبل الحرب العالمية الاولى وسقوط الامبراطورية العثمانية لم يكن مفهوم الشعوب العربية او الشعب العربي كما يحلو للقوميين تسميته موجودا. ففي اطار الامبراطورية كان هناك عرب وليس شعوب. وقد ساهمت السياسات الاستعمارية الغربية ربما عن غير قصد ببلورة هذا المفهوم. فتحول عند ذاك الولاء من الاطار الديني البحت كما كان في العهد العثماني الى ولاء محلي، قطري فضفاض في ظل العلاقات القبيلة التي تحكم المجتمعات العربية.
واذا ما بحثنا في فترة حكم الاستعمار الغربي للمنطقة العربية، خاصة ما بين الحربيين العالميتين نجد ان حركات التحرر العربية آنذاك كانت تطالب بالاستقلال المحلي في الاطار الجغرافي الذي حددته اتفاقية سايكس – بيكو. واذا كان اهل بلاد الشام في بداية الفترة الاستعمارية قد رفضوا هذا التقسيم وشاركوا في الثورة العربية الكبرى وايضا في المؤتمر السوري الذي نادى بالشريف فيصل ملكا على سوريا (بما فيها لبنان وفلسطين) الا انهم في النهاية خضعوا للامر الواقع واستسلموا لمفهوم الدول الاقليمية الناتجة عن الاتفاقية المذكورة.
استطاعت الثورات العربية والحركات السياسية التي نشطت في هذه الفترة اضافة الى العوامل الدولية الاخرى واهمها نتائج الحرب العالمية الثانية انتزاع الاستقلال الوطني. لكنها في الواقع لم تكن تحمل برنامجا سياسيا واضح المعالم لتطوير الدول الحديثة النشأة او تطوير المجتمع المحلي. وادت الخلافات بين بكوات وباشوات السياسة آنذاك الى اضاعة فرصة استثمار الحماس الشعبي وابعاد الجماهير عن عملية بناء الدولة الحديثة واعادة صياغة المجتمع على اسس جديدة بعيدا عن الحسابات القبلية. واذا كانت هذه الحركات وتلك الطبقة السياسية استطاعت تحقيق الاستقلال السياسي، الا انها فشلت في تحقيق طموحات الجماهير وتقديم البرامج السياسية التي تقوم بتطويرها، لهذا وجدت الاحزاب الايديولوجية التي انطلفت في اربعينيات القرن الماضي ارضا خصبة للنشاط واقصاء الاحزاب التقليدية عن الحكم وابعاد الجماهير عنها.
وجاءت ثورة يوليو الناصرية في العام 1952 لتكون تتويجا لانتصار الاحزاب الايديولوجية على الاحزاب التقليدية والاساس الذي بنيت عليه المرحلة المقبلة من تاريخ السياسية العربية.
الاحزاب الايديولوجية:
لم تكن الافكار الايديولوجية الاوروبية بعيدة عن المنطقة العربية، فقد تأثرت الطبقة المثقفة بهذه الافكار سواءا عن طريق الكتب والصحف او عن طريق الاتصال المباشر. وجاءت سنوات الثلاثينات والاربعينات لتشهد نضج هذه الافكار في عقول المثقفين العرب فنشأت العديد من الاحزاب على غرار مثيلاتها في الدول الاوروبية. كما تنوعت مصادر افكارها وطروحاتها من اقصى اليسار الى اقصى اليمين ، فنجد في هذه الفترة ولادة الاحزاب الشيوعية العربية (السوري، اللبناني، الفلسطيني الذي تحول لاحقا لحزب راكاح) وايضا الاحزاب القومية مثل البعث والقومي السوري وحتى الاحزاب الفاشية والنازية مثل حزب الكتائب اللبناني.
غير ان الفكر الوحيد الذي استطاع في هذه الفترة الوصول الى السلطة والحصول على التأييد الجماهيري الحقيقي كان الفكر القومي.
ففي مصر استطاعت الناصرية خلع الملك فاروق والقضاء الفعلي على الاحزاب االتقليدية المعارضة، وانتجهت بعد صراع ايديولوجي المنهج القومي الاشتراكي. وكان للشخصية الكاريزمية للرئيس عبد الناصر دورا مهما جدا في انتشار الايديولوجية القومية. واستطاع هذا الفكر ان يحاكي عواطف الجماهير والاقتراب من حاجاتها وايضا زرع الامل في مستقبل زاهر، فقام بتأميم الصناعات الاستراتيجية والقضاء على الاقطاع ورؤوس الاموال الجشعة، كما قدم الكثير من الاصلاحات الاقتصادية التي نالت رضى واستحسان الجماهير. وحاول النهوض بالاقتصاد واستغلال الثروات الباطنية وغيرها.
وبشكل مشابه قام حزب البعث في شقيه السوري والعراقي بالعديد من الاصلاحات والتأميمات التي اسست في البداية لنهوض اقتصادي واجتماعي وما رافقه من تطور ثقافي.
هذا كله اسهم بشكل فعال في ظهور وانتشار حركة القوميين العرب التي ستلعب دورا مهما في الفترة اللاحقة.
الا ان الخطأ القاتل لهذه التجارب كان يولد في رحم الفكر ذاته. فقد اثبتت التجربة فشلها سياسيا بدءا من الوحدة المصرية السورية والاخطاء التي ارتكبتها القيادة وصولا الى محاولات اقامة وحدات ثنائية وثلاثية وغيرها. اذ اثبتت كل هذه التجارب ان الاهم بالنسبة لقيادة هذه الاحزاب هو بقائهم في مراكز القيادة وان مصالحهم وان التقت في بعض النقاط الانية الا انها تتعارض في الكثير من المسائل الجوهرية. واكدت التجربة ان الحكام الذين ينادون بالوحدة ينادون بفكر طوباوي لا مجال لتحقيقه في المرحلة الحالية بقرارات سياسية. ومن اكبر الاخطاء السياسية كان استبعاد الاحزاب الاخرى والاستئثار بالسلطة وهو ما ابعد امكانية المنافسة الشريفة وضخم الاجهزة الامنية التي اصبحت آداة لقمع الشعب بعد ان كان من المفروض ان تخدم الشعب. واصبحت الحكومات صورية والحالكم الذي حملته كفوف الجماهير الى سدة الحكم ديكتاتورا لا يقبل الرأي الاخر.
ومن الاخطاء الاخرى ذات الاهمية الكبرى في فشل هذه الايديولوجية كانت السياسات الاقتصادية المركزية المخطط لها بعيدا عن الواقع واستبعاد رأس المال الوطني واهمال دور القطاع الخاص في بناء الاقتصاد الوطني.
في النهاية لم تأت هذه الايديولوجية ولا بنصر واحد في اي من المجالات التي كانت تعد الجماهير بها. فلا امية عربية توحدت، ولا ديمقراطية سادت، ولا تقدم اقتصادي حصل. ولعل الضربة القاضية التي ابعدت الجماهير عن الاحزاب القومية كانت نكسة حزيران 1967 التي اثبتت للجماهير انه حتى وعود التحرير التي قمع الشعب تحت عنوانها وقدم من اجلها كل ما يملك والتي تنادي بها الاذعات ليل نهار ليست اكثر من كلام فارغ.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بين


.. بوتين: كيف ستكون ولايته الخامسة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد -بتعميق- الهجوم على رفح


.. أمال الفلسطينيين بوقف إطلاق النار تبخرت بأقل من ساعة.. فما ه




.. بوتين يوجه باستخدام النووي قرب أوكرانيا .. والكرملين يوضح ال