الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رهان مائة يوم ... لفساد ثمان سنين ...

حسين حامد حسين

2011 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية



رهان مائة يوم ... لفساد ثمان سنين ...

أ . د . حسين حامد حسين

مثلما كانت الشيخوخة والثروة من أعداء الانسان لإسهامهما في أسره واستعباده ، تعتبرالسلطة عدوا لدودا له أيضا . فالسلطة بما توفره من مناخ ناعم وثير ، قادرة على نفح الغرور في ذات المرء وتحبيب الشعور بالغرور والاستعلاء على الاخرين . ونظرا لان الساسة في عالمنا العربي بشكل عام يعانون من حرمان الجاه، فان السياسي العراقي قد برهن منذ 2003 على أنه من بين اكثر العرب جورا على شعبه ليس من اجل الجاه والمنصب فحسب ، ولكن أيضا من اجل الاستعداد المهين للنهب واللصوصية.

فبعد ان كشف السياسي العراقي عن وجهه القبيح مستغلا انتكاسة وطنه وما مر على شعبنا من ظروف الارهاب الدموي وشرور لا يمكن نسيانها ، وجد السياسي أن المنصب في السلطة القائمة لم يعد قادرا على منحه الهيبة والمقام السامي الذي كان يحلم به، فانه اثر ان يبني لنفسه مقاما ذاتيا من ثراء بواسطة النهب والسحت الحرام . وهكذا راحت ظروف فوضى الفساد المستشري تقدم الى السياسي وعلى طبق من ذهب، حياة من العيش الهانئ، حيث تحيطه جيوش الحمايات، ويقف مختالا بمهنية مزيفة ومسرفا في اناقته امام كامرات الصحفيين ومقابلات الفضائيات.
وحينما بدأ السياسي تدريجيا، يشعر أن مبادؤه وقيمه الشخصية كانت تحول في عدم كسبه المزيد من الثراء، وتحرمه من الوقوف في الصفوف الامامية مع زملاءه السياسيين الذين كانوا يزدادون ثراءا، اقتضى عليه ان يضحي بتلك القيم التي لم تعد نافعة أساسا في ذلك الخضم الهائل من الدجل والافترائات . وتعلم كيف يناور و يخرس أمام مطالب الشعب وما يعانيه من شظف العيش بلا كهرباء أو ماء أو مجاري ومصادر قليلة للعيش بسبب تفشي البطالة. وهكذا أصبح ابتعاد السياسي عن مسؤولياته تجاه شعبه وانشغاله في بناء ثروته، منهجا من اجل حياة تكتنفها المتع والمال الوفير . وبما ان العراق لم يعد بالنسبة اليه مكانا امنا ، فقد شد الرحال الى عمان او دمشق او القاهرة او بلدان اخرى تتغاضي عن السؤال عن مصادر ثرائه المفاجئ . فلا فرق عنده اين يقيم مادام قد اطمأن لمستقبل مضمون ، حيث لا وخز ضمير ولاهم يحزنون . فهو انسان طارئ أصلا . وماضيه لا يمت بصلة الى شعبه ووطنه. وتلك العلاقة بدأت فقط عندما ، توفرت له ظروفا شاذة صنعت له ولأمثاله حظا دنيويا من أجل النهب لا اكثر. من جانب اخر، فهو الرابح أيضا في تدوينات زيف التاريخ العراقي الجديد الذي راح يحتفى به وبأمثاله وقد خط اسمائهم العتيدة في سجل (الشرفاء) كمسؤولين للدولة العراقية، كنائب في البرلمان أو وزير، أو حتى من العسكريين أوالامنيين الذين سرقوا وفروا من قبله . فتأريخنا حافل بأمثال هؤلاء وكل من له القدرة على تدوين ما يشاء عن نفسه.
ومن تلك البدايات كان الفساد هو العنوان الرسمي لديمقراطيتنا المصلوبة. ومن تلك البدايات أيضا وعلى ما يبدوا، كانت الكتل السياسية الغازية تتمتع بحس استثنائي ويستبق الاحداث، (وإن يبقى الاحتمال ألاقوى هو ان الداعمين لتلك الكتل كانوا دول الجوار التي كانت تخطط لهم). حيث بادر هؤلاء السياسيون الى تشكيل كتلهم من كل ما هب ودب بعد ان وفرت لهم دول الجوار دعم مستميت بما يجعلهم في مواقع الصدارة كأفواه ناطقة بالافترائات ضد النظام الجديد. ومن اجل أن تتمكن هذه الكتل من الاستفراد بنهب ثروات الشعب والسيطرة على الشارع وارهاب المواطنين وفرض الصمت عليه، قامت باطلاق مليشياتها التي راحت تعيث في الارض الفساد. في نفس الوقت، اصبح لدول الجوار قدرة على التدخل في الشأن العراقي من خلال توجيه الميليشيات. وكان من شأن كل ذلك أن يحث ويغري الكتل السياسية الاخرى للتحالف مع بعضهم البعض من اجل ترصين خططهم الاجرامية ومواقفهم الارهابية واقتسام الثروات والمناصب الحكومية. وهكذا أباح السياسي العراقي لأخلاقه وقيمه ان تكون المعول الذي يحطم به أعمدة المجتمع الاخلاقية والقيم المعنوية.

وهكذا فقد استطاعت هذه الكتل السياسية من فرض نفسها لتحتل مواقع قوية داخل السلطة، وكانت قادرة على الاستحواذ على مساحات واسعة من الاعلام واختراق القوى الامنية وتصعيد الارهاب وظلت تمثل توجهات ضارية ضد شعبنا . فكيف يستطيع اي رجل وطني سواءا أكان رجل كالمالكي أو غيره ، ممن يسعى الى تطبيقات مبادئ العدل والديمقراطية والحرية من اجل الجميع؟ كيف يتمكن القيام بواجباته في التغير المطلوب بدون دعمه من قبل الشرفاء والقضاء على حالة الفساد المستشرية منذ ثماني سنوات؟ وهل نستطيع ان نتصور فعلا أن السيد المالكي باعطائه انذارا لثلاثة أشهر وعشرة أيام لممثلي هذه الكتل المتوحشة في حكومته من شأنه ان يعمد الى جعلهم ينصاعون الى مطالب الشعب؟ وهل ان هذه الكتل تعترف أصلا بأن لهذا الشعب حقوقا ؟
باعتقادي ان عدم التساهل والضرب بيد من حديد هو المفهوم الوحيد الذي يفهموه هؤلاء. فالقوة وحدها قادرة على تغير طريقة تفكيرهم لانها الطريقة التي نشأ السياسي عليها. فكما هو معلوم ، ان هؤلاء السياسيين لم يهتدوا بايديولوجية فكرية واضحة من شأنها إنضاج وتوسيع فهمهم السياسي ازاء مسؤوليتهم نحو شعبهم . فقد وجد هؤلاء انفسهم ضمن مجتمع ممزق أصلا من قبل طاغية أرعن كره العراق والعراقيين . ومع انهم كمجموعات ربما قد تضررت من حكم المقبور وحزبه الفاشي مثلما تضرر الشعب العراقي كله من ذلك الظلم والاستبداد، فأن دورهم كمعارضة عراقية ، لم يبادر أيا من الكتل السياسية قاطبة في محاولة لنبذ ختلافاتهم وصراعاتهم فيما بينهم من اجل السيطرة على السلطة في النظام الجديد . ونجدهم من خلال التجربة انهم قد ألقوا كراماتهم في احضان دول الجوار التي كانت تسعى لتجد لها موطئ قدم في الشأن العراقي من اجل ذلك الهدف . ودول الجوار لم تخيب لهم أملا، فقد قامت تلك الدول بوضع كل امكاناتها تحت تصرفهم من اجل استخدامهم في تهديم المجتمع العراقي والاسائة الى شعبنا وبالتالي وصولهم الى مراكز مهمة في الحكومة من اجل تحقيق تلك الدول أهدافها وليس من اجل سواد عيون تلك الكتل .
ثم رأيناهم عندما خرجوا في تظاهرات 2- 25- 11 وكانت أهدافهم من اجل التحريض ضد الاوضاع المزرية التي يعيشها الشعب ومن اجل القاء الملامة على تقصير حكومة السيد المالكي واستفزاز الشعب بحجة الدفاع عن مطالبه العادلة. ولم يكن ذلك التحريض حبا بالشعب ولا ولاءا للمباديئ ولا من اجل مصلحة الشعب المنكوب، ولكن من اجل محاولة اسقاط الحكومة وخلق المشاكل والعثرات امام النظلام الجديد. وعلى الرغم من ان الدستور يكفل للجميع حق التظاهر والتعبير عن الرأي كحق من حقوق شعبنا، كانت محاولات هؤلاء تهدف الى الغدر والوصولية والانتهازية فضلا من أنهم وكما أسلفنا، لاينتمون الى عالم الحداثة ولا يؤمنون بتطبيقات مبادئ العدالة الانسانية بين الجميع . وهل يؤمن اللصوص بالعدالة؟

وهكذا استطاعت تلك الكتل السياسية من تبؤ فرصا في الوصول الى قمة السلطة. وتحت ظروف يمكن وصفها انها كانت غريبة وعجيبة في حقدها ومرارتها وما تزال تتحكم بشعبنا منذ 2003. فقد نشأت في سياقات شاذة ، واستطاع هؤلاء السياسيون الذين فرضتهم ظروف المحاصصات الطائفية وضعف ألاداء الحكومي لتمارس النهب واللصوصية وتخريب المجتمع وكان شعبنا في كل ذلك هو الضحية.

واليوم ونحن نجدهم يتربعون على قمة السلطة، لا أدري كيف يمكن وصف هذه الحكومة القائمة (بحكومة الشراكة الوطنية) ؟ كيف والجميع يعلم ان المتنفذين في هذه الحكومة هم اللصوص والذين لهم ارتباطات اجنبية؟ فهل هي حكومة وطنية تلك التي تترك الشعب يعيش حياة الفقر والضياع وتفتقر الى أبسط متطلبات العيش الكريم ؟ بل وأن تعامل السياسيون مع شعبنا ما يزال تعاملا بيروقراطيا وفوقيا؟ ونريد ان نسأل من هو الوطني؟ هل هو الذي يهين شعبه ويحيا حياة اللصوص على حساب كرامته؟ أم ان الوطنية لها مفهوم جديد ، قد صاغه هؤلاء السياسيون بالشكل الذي صاغوا به دستور البلاد ليأتي على مقاساتهم؟ اين هي المواقف الوطنية والشعب ما يزال محاصرا في زاوية بينما هؤلاء الفاشلون والمخادعون والفاسدون هم وحدهم من يمتلك زمام الامور؟ وهم وحدهم من يؤذي شعبنا حيث لا رقابة برلمانية او حكومية ، ولا حتى وجود كتلة سياسية تجد في نفسها قليلا من الوطنية فتعمل لصالح الشعب؟

وفي الختام، ان شعبنا لا يجد في هذه التشكيلة الحكومية القائمة ما يجعله يفخر بمنحها ثقته. وشعبنا ما يزال بانتظار انقضاء المائة يوم ليرى ما الذي يمكن أن يتوفر للسيد المالكي من فرص للتعامل مع حالة الفساد المستشري ووجوب اقتلاعه من الجذور والقضاء عليه وتحقيق المطالب الشعبية واجراء الاصلاحات والتغيرات التي نتطلع اليها جميعا. ومع أن شعبنا يعلم ان المالكي ربما نفسه غير راضي عن ما يجري ، ولكنه يتحمل أيضا امام الشعب مسؤولية استمرار الفساد في حكومته والتستر عليه .
وكما نرى اليوم ان الشارع العربي الذي طال سباته الطويل قد بدأ يستيقظ . واستيقاظه هذا باعث على السعادة لانه يحمل معه ثورة على ظروف القهر والظلم التي خلقها الطغاة من حكامه العرب لتحطيم ارادته تماما كما يفعل سياسيونا في العراق . وكنا نأمل ان الثورة الشعبية ضد حكامه في تونس ومصر وسوريا وليبيا والبحرين واليمن ستعمد على تثوير الشارع العراقي ليطيح بهؤلاء السياسيين سواءا في البرلمان أوفي الحكومة ، ولكن ظل هؤلاء السياسيون الفاسدون بأمان وحتى الى حين .
وسنظل ننتظر ما تأتي به رحمة الله العلي القدير بعد فترة المائة يوم وبما من شأنه أن يعيد الاوضاع الى نصابها الطبيعي وينتصر شعبنا بأذن الله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ميكانيزمات الدستور والارهاب لاتساعدان الاصلاح
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 5 / 7 - 12:25 )
مقالة رائعة تزخر بالرؤية الواضحه لاوضاعنا وبالنحياز الكامل لشعب العراق الجريح الصابر ورغبة وارادة عارمه لتغيير الواقع السياسي البائس لعراق مابعد 03 الذي
سمم اجوائه الملعون بريمر ومارسخه الدستور من اليات الحكم التي لايمكن
ان يكون الا بالتوافق البدائي الرجعي الوسخ طائفيا وعرقيا ومناطقيا مما شل
اية مبادره لجعل عراق مابعد 03 عراقا مختلفا عن عراق الفاشية البعثيه
متجاوبا مع امال الجماهير الواسعه في العيش في ظل الحرية والامان والرفاه الاقتصادي والثقافي
كما وان الارهاب-بتحالفه الفعلي مع كل توجه شرير معاد لامال العراقيين
فرض نفسه مانعا للجهود الخيره ومعاضدا للبعثوهابيين في تحطيم ارادة العراقيينومنعهم من بناء تجربتهم الرائده في الدمقراطية والحياة الافضل
تحياتي الحارة للزميل الاستاذ الدكتور حسين حامد واشد على يده واهنئه على دوره التنويري هنا في الحوار المتمدن وهناك في المنتدى حيث الخليط البشري ممن هم من طينة استاذنا حسين ومن هم من حملة الفكر المتخلف عن مصلحة العراق وعن موكب الانسانية السائر قدما في البلدان الناجحه نحو الامام تاركا التعلق الاحمق بمعتقدات ماتت منذ الف ونيف مع تحيات اخوك ام


2 - تحية التقدير والاكبار
أ . د . حسين حامد حسين ( 2011 / 5 / 7 - 14:47 )


الى أخي الكريم الدكتور صادق الكحلاوي المحترم

أشكركم كثيرا على مروركم الكريم المبارك ومنحنا من وقتكم من اجل قراءة المقال والتعليق عليه. أشعر بكثير من الامتنان لتعليقكم القيم وكلماتكم الطيبة . وأرجوا قبول تقديري

أخوكم
حسين حامد

اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة