الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجبير قدم التاريخ المكسورة ..!

شوقية عروق منصور

2011 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية



في مسرح خيال الظل عند الصينيين كانت تقسم القاعة الى قسمين : قسم للجمهور العريض الذي لا يرى سوى الظلال في الغرفة المعتمة ، وجزء خلفي للخاصة الذين كانوا يشاهدون محركي الأيدي ، وهكذا نحن ، الشعب الفلسطيني الذي يصفق ويرقص ويتظاهر تأييداً للمصالحة التاريخية ، المصالحة التي ركضنا وتعبنا ونحن نلهث وراء زوابعها وضبابها واتهاماتها التي لم ترحم الشيب والشبان .
لقد رأينا ظلال العبارات والتصريحات والاحتضان ، ومن المعيب ان نخوض في التفاصيل الموجعة ، لأنها حرقت سنابل الأمل امام الشعب الذي كان ينتظر مواسم الحصاد والبيادر .
يقولون " اللي فات مات " لكن بالنسبة لتاريخنا الذي يفوت لا يموت ، يبقى شاهداً على فشلنا كقيادة وفصائل فلسطينية تختلف فيما بينها و الاحتلال جاثم على الأرض والصدور والبطون .
فشلنا في رؤيتنا ومسيرتنا وكيفية بلورة الأفكار على الأرض ، ان الذي جرى خلال سنوات الانقسام جريمة ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني ولا احد يستطيع اخفاء عاره ، وللأسف تبين في مرحلة الانقسام اننا تحت مستوى الحلم ، تحت مستوى ذلك العجوز الذي ما زال يحمل مفتاح بيته ، وتحت مستوى الام التي زغردت لأبنها عندما وصلها خبر استشهاده ، تحت مستوى الأسرى في السجون الاسرائيلية ، وتحت مستوى المعاقين الذين تشوهوا خلال الانتفاضات ، وتحت مستوى الذين صودرت اراضيهم وهدمت بيوتهم ، وتحت وتحت ...
اتفاق المصالحة ترميم للقلعة التي تعرضت للهدم ، تجبير للتاريخ الذي زلت به القدم ، ونأمل بعد فك الجبس ان تكون القدم سليمة وتعود للمشية المعروفة حتى يغنون لنا كما كانوا يغنون ( غندره مشي الفلسطيني غندره ..!) .

بقايا عظام

كنت اشعر ان العالم بلا كتابة مليء بالذل والخوف والقمع والكوابيس والبرودة الموحشة ، لكن اكتشفت ان العالم بدون كشف المستور هو عبارة عن كمين او فخ ، وإننا سقطنا داخل مصيدة وعلينا الخروج منها ، فنحن الطيور الصغيرة الساذجة التي تحولت الى نسور لها دروع وقرون.
أعيش الآن - ومثلي جميع الشعوب العربية - على نبض كشف المستور للزعماء والقادة العرب ، لأن الذي يُكشف هو حقيقة الحقائق المخبئة ، ونحن مجرد كائنات مخدوعة ، فالمثل الايطالي يقول ( الإنسان على الإنسان ذئب ) ويتبين ان الذئاب كانت تنهش كل الأطراف والنواحي ، والجلد البشري تحول إلى خارطة عربية يدوسون عليها باسم الشعب ومصلحة الشعب ، و ضاعت الطاسة وكثروا تجار الكلام والتصريحات ...!
شلالات وانهار وتسونامي من الصور والفضائح المتعلقة بالساسة والسياسين العرب ومن لف حولهم – لعن الله فعل ساسة يسوس على رأي المفكر محمد عبده - ننام ونصحو على اعترافات واتهامات وفساد وأرقام مالية خيالية ، حيث كانت تتحكم عقلية ومنطق رعاة البقر ، الذين صورتهم الأدبيات والأفلام الأمريكية بصورة المغرور المتكبر الأناني الذي يطلق النار قبل ان يناقش ، ويعتبر الآخرين عبيداً لهم اوذباباً يجب قتلهم .
وقريباً من هذه الصور التي هزتني صورة كانت من الممكن ان لا تخرج وتبقى ضمن البوم(نكسة67) لكن من جديد يخرج تقرير يظهر العظام المبعثرة في صحراء سيناء ، بقايا عظام جنود مصريين في سيناء ملقاة تحت أشعة الشمس وبين ذرات الرمل المتطايرة ، وبعض هؤلاء الجنود اسروا وتم اغتيالهم وهم أسرى ، التقرير الذي بث لكي يبين استخفاف واستهتار النظام المصري السابق بقيمة الجندي المصري ، الصور ليست لذرف الدموع على شباب مازالت أسرهم تتذكرهم ، بل قد تكون معلقة حتى الآن على جدران بيوتهم ، لكن التقرير يؤكد ان دم الجندي العربي رخيص وبقاياه أرخص ، فعندما كان الرجل الذي اجريت معه المقابلة في التقرير التلفزيوني ، يلملم العظام ويكومها ويغطيها باشواك برية ، حتى يسترها بعيداً عن الحيوانات ، كانت عشرات الأمهات والأخوات والزوجات في مصر في حالة رعب من أن تكون هذه العظام والجماجم لأحبائهن ، وعملية التحزر- ممكن او غير ممكن – انطلقت مطالبة بفتح هذا الملف البعيد القريب ، بعد ان اغلق بالشمع الأزرق والابيض وبختم الوجوه الاسرائيلية التي كانت مسؤولة ابان حرب 67 عن اغتيال الأسرى ، لكن بعد اتفاقية ( كامب ديفيد) تحولت الوجوه الاسرائيلية الى صديقة ، تدخل وتخرج وتحضن وتقبل بدون حساب او سؤال او هزة ضمير ..!
ان إعادة رفات جندي او بقايا عظامه إلى وطنه له دلالة وطنية وإنسانية عند الشعوب والقادة والزعماء ، وعلى مر التاريخ لم نجد شعباً تجاهل او وافق على بقاء عظام جنوده في اراض غريبة ،وهناك قصص كثيرة تروي عن حروب قامت من اجل جثة او عظام جندي ، لأن كرامة دفنه في وطنه من كرامة الوطن ، فكيف بعظام مبعثرة وملقاة بإهمال في ارض الوطن ، وفي ذات الوقت يكون الاحتضان والضحكات للذين قاموا بقتل اصحابها ...!
قد تمر"العظام " من تحت الإهمال الذي ارتوى من السنوات المتهدلة ، وتتورم عيون الأمهات من شدة البكاء بعد ان اكتشفن ان الابناء في حالة تبعثر وغربة وان قبورهن ليست قبوراً بل هي فضاء الفزع ، وقد ينكأ القضاء المصري قشرة الفساد المالي للرئيس المصري وزمرته ، لكن العظام ستبقى شاهدة عيان على تاريخ اطاح بكبرياء واعتزاز القيمة الانسانية والعسكرية .

بقايا رصاص

اما بقايا الرصاص فهو رصاص البغتة والنذالة والاختباء ، الوقوف بعيداً والتربص للقتل المتعمد ، جيوب هؤلاء القتلة مليئة بالرصاص ولا ندري كيف يتحركون ويتصرفون ويحقدون ويطلقون الرصاص خفية ، كيف يكونون هم القضاة والجلادين معاً ..؟! وكيف يحاسبون ويكون عدلهم القتل دون رحمة ..؟! كيف هو شكل ميزان عدالتهم ؟ !
نحن نعيش اليوم في مجتمع مفتوح على أزيز الرصاص ، واخبار تتحرك في الحارات والطرقات والبيوت (فلان قتل ) حتى تحولت المدن والقرى العربية الى ساحات قتل يوقع عليها الذهول وتبصم الدهشة ولا نجد الا عبارات الاستنكار ، وقليل من المظاهرات وكثير من الاستنكار والشجب البائس .
نضع اللوم على الشرطة وعلى فوضى السلاح ، لكن يجب ان نواجه الحقيقة المرة ؟ اين دورنا من الصمت المتجمد على الشفاه ؟ اين دورنا في التوعية ونبذ هؤلاء الذين ينشرون الرعب بيننا ؟ نحن أقلية تعاني من أمراض عديدة ، أمراض خارجية وأمراض باطنية ، ومرض إطلاق الرصاص أصبح لعنة توازي مرض العنصرية المتفشية ، لأن العنصرية تريد محو تاريخ وارادة وشخصية اقلية تتشبث في ارضها ووطنها ، اما الرصاص فهو يريد قتل قيمة الشباب وبث روح الذعر وعدم الامان والاطمئنان للغد ورؤية المستقبل .
المصيبة ان القتل المتعمد بالرصاص - أصبح للأسف - جزءاً من وجبتنا اليومية ، نفطر على مقتل شاب من قرية في الشمال ونتغذى على مقتل شاب من المثلث ونتعشى على مقتل شاب النقب ، ووسائل الإعلام تشاركنا الوجبات كضيف على مائدة اوجاعنا ، ما ان يخرج من البيت حتى ينتقل الى مائدة اخرى .
علينا ان نكسر الموائد ونصنع منها قوارب نجاة والا ابتلعنا محيط الدم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجمهوريون في فرنسا يطردون رئيسهم سيوتي بعد دعوته للتحالف مع


.. مجلة بيلد الألمانية: ماكرون حل الجمعية لإحداث -صدمة- تخلط ال




.. ما هي السيناريوهات المحتملة لتشكيل الجمعية الوطنية الفرنسية


.. تحالفات الفرصة الأخيرة في فرنسا لخوض الانتخابات التشريعية




.. ما هي الضمانات التي تطلبها حماس من أجل القبول باتفاق الهدنة