الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة العربية ومملكة الصمت السعودى

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


يبدوالملك (عبد الله ) عاهل السعودية سخيآ جدآ هذه الأيام على رعاياه , وحيث أغدق عليهم نحو 485 ( مليار ريال = 129 مليار دولار ) خلال أقل من شهرين وعلى دفعتين متقاربتين . وجاءت تلك العطايا فى شكل " مكرمات ملكية " بقيمة ( 135 مليار ريال ) فى 27 فبراير عقب عودته من رحلته العلاجية بأمريكا, ثم مبلغ ( 350 مليار ريال ) فى 17 مارس صدر به 20 قرارملكي بدعوى تحسين أوضاع المواطنيين السعوديين .

ويذهب كثيرون لتصنيف هذه المكرمات فى أطار أستراتيجية " الثورة المضادة " التى تباشرها دول الخليج ضد الثورات العربية المتلاحقة بالأقليم ,وأنها بمثابة أجراءات أستباقية هدفها شراءالولاء والخضوع ,وحصار مصادرالقلق الإجتماعى , والمطالب الداعية للديموقراطية والمؤسسية وأعمال منظومات حقوق الإنسان .

فأذا كانت رشاوى " آل خليفة " لم تجد نفعآ فى البحرين وخرج المتظاهرون إلى ساحة اللؤلؤة , فأن مليارات " آل سعود " أنتجت آثرها فى المملكة وبمدد من مقايضة غيرمكتوبة قوامها صمت وسكوت الرعايا عن المطلب السياسى والحقوقى فى مقابل حفنة من الدينارات والحصص والمزايا العينية.

ولكن وسائط الثورة المضادة السعودية لا تقتصرعلى مجرد المنح والمكرمات المالية , فالنظام الملكى يستمد قوته من طبيعة الهيكل السياسى الداخلى وتحالفه مع المؤسسة الدينية الوهابية ,ومن أجهزة أعلام وصحف وأقلام تتسترعلى بدوية مشهده , وأيضآ عبرعلاقات أقليمية ودولية تضمن له الوجود والإستمرار.

فقدأثبتت التجربة التاريخية قدرة "آل سعود"على البقاء , فقد قاوموا نفوذ وتأثيرالتيار الناصرى الثورى الراديكالى فى أواسط القرن الفائت , ثم محاولات آية الله الخومينى لتصدير الثورة الإيرانية فى السبعينات , وتمرد جماعة الجهينى فى الحرم المكى , ثم مقاومته لصدام أثناء أحتلال الكويت وحربى الخليج الأولى والثانية .

ويتمتع الوضع الإقتصادى فى هذه الدولة الريعية الكبرى بالإستقرار مقارنة بمالحيط العربى , فمتوسط دخل الفرد يبلغ نحو 24 ألف دولار, وتساهم العوائد النفطية فى تغطية كثير من النفقات ,وهناك خطة لإنفاق 400 مليار دولارعلى مشروعات البنية الأساسية حتى نهاية العام 2014 .

ولكن الفقرموجود بالسعودية وتعانى مناطق بعينها من سوء الخدمات لاسيما الشرقية ,كما أن البطالة مشكلة حقيقية ووفقآ لتقايرالبنك السعودى الفرنسى فقد أرتفعت نسبة البطالة بين السعوديين تحت سن الثلاثين بنسبة 30% فى العام 2009 , فضلآعن غياب قواعد الشفافية حيث لا يعلم أحد من أن تبدأ الموازنة العامة للمملكة وأين تنتهى خزينة نقود الملك والأمراء .

ولكن من الناحية السياسية تظل أشكالية أنتقال السلطة وتداولها قائمة.فمؤسس المملكة ( عبد العزيز ) أنجب نحو 45 أبنآ يعتقد أن 16 منهم على الأقل مازالوا على قيد الحياة , ويمثلون مع ذريتهم قلبآ يضم نحو 200 أمير متنوعى الأهداف والإتجاهات و الطموحات ويسيطرون على السلطة , ولكن ( عبد العزيز ) لم يحدد كيفية أختيار خلفائه .

وفى العام 2006 أنشأالملك(عبدالله ) جهازآ أطلق عليه " هيئة البعية " يتكون من أبناء وأحفاد مؤسس المملكة تكون مهمته تأمين أنتقال السلطة ضمن " آل سعود فقط " وتوسيع قاعدة " المشاركةالعائلية "فى هذا الإختيار .

غير أن هذا لم يقمع الصراع الداخلى بين أركان الأسرة , خاصة بين من يسمون بالجناح الجديد المنتمى( لبندر بن سلطان) والجناح التقليدى المنتمى( للملك عبد الله ) . كما أن هناك جناح يلقب " بالسديريين " يقف ضد جناح الملك الحالى من قبيلة " شمر " وفى الخلفية يحتدم الإحتراب التقليدى بين الحجازيين والنجديين.

أما " مجلس الوزراء " فيعين الملك أعضائه وهوالجهاز التنفيذى والتشريعى الأعلى – حيث لاوجود للسلطات أوفكرة الفصل بينها- وهوأداة الملك وآليته السياسية فى إدارة شئون المملكة . وتعتمد تعينات المللك فى هذا المجلس على الثقة والقرب والولاء لآل سعود ,ولا تخرج عن دوائره العائلية المغلقة وعن أصول مناطقية وجغرافية محددة بالرياض والمدنية المنورة ,بينما تنحسرعن المنطقة الشرقية والإحساء والقطيف . وتمتاز ممارسات هؤلاء الوزراء بالطابع الفردى فى ظل فراغ مؤسسى حيث تسود بينهم سمات سلوكية وسياسية تتصف بالإنتهازية والوصولية وهوالأمرالذى ينعكس على صغار المسئولين والإداريين المرتبطين والمحسوبين" شخصيآ " على الوزير.

ويوجد بجانب مجلس الوزراء مجلس أستشارى يسمى " مجلس الشورى " يتم أستطلاع رأيه فى القرارات الوزارية – ويمتازأعضائه بأنهم متوسطى العمرومن حملة الدرجات الأكاديمية وذوى معارف علمية وثقافية . ويعتبرمجلس الشورى أحد قواعد الإنطلاق لنيل حظوة الملك والمناصب السياسية والجامعية بالمللكة ,ويظل معيار الأصل المناطقى والجغرافى هو المسيطرعند أختيار أعضائه – فالأغلبية من منطقة الحجاز والرياض مع ثمثيل ضئيل للمنطقة الشرقية .

أما المؤسسة الدينية - وهى الذراع الدينى الداعم لسلطة الملك السياسية - فلها تنظيم هيراركى( تدرج هرمى ) يتم من خلاله تصنيف المشايخ : دار اللإفتاء ,هيئة كبار العلماء ,مجلس القضاءالأعلى ,محاكم التمييز ,رؤساء المحاكم ,القضاء فى المحاكم ,وديوان المظالم ,وأئمة المساجد ,والمؤذنون وخدم المساجد .

ويمتلك المشايخ نفوذآ مؤثرآ بالمملكة فهم المرجعية الدينية العليا وأداة شرعنة لممارسات الملك وتوجهاته و قراراته السياسية والإجتماعية , كماأن لهم قوة بطش بوليسية تسهرعلى تطبيق فتاويهم وأحكامهم تعرف بأسم " هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر " . ويعتبر المشايخ ( النخبة المثقفة ) فى المجتمع السعودى المغلق ,ويقفون بشراسة ضد دعاوى التمكين للديموقراطية وقيامالأحزاب السياسية والمجتمع المدنى والنقابات المهنية باعتبارها ( حرام من الوجهة الشرعية ) ,ويقيمون الحجة ضد الداعين لها بصفتهم ( مخالفين لشرع الله ) , فهى وفق رؤيتهم بدع ومستحدثات شركية ونصارية تقود إلى الفتنة وأنقسام الأمة .

وفى مقابل ركن (الشرعية) الذى يضفيه المشايخ على السلطة والممارسةالسياسية والدهرية لآل سعود فأنهم يتمتعون بسيطرة أجتماعية وسلطوية حاسمة , ويشكلون موقع قوة متقدم فى تحالف السلطة ويحظون دومآ برعاية وتقديرالملك .

وداخل هذا السياق السياسى والإجتماعى تشتد التناقضات مابين مظاهرحداثة هشة تستورد السعودية أفكارهاومنتجاتها المادية , وبين سلطة الملك الأبوية , والسلطة الدينية الروحية والأصولية التى تتسم بالرجعية والجمود, ولكنها تشكل الغطاء الدينى الحافظ والأمين لعرش آل سعود .

فضلآعن أن هناك أكثرمن مليون سعودى ذهبوا للتعليم فى أوروبا والولايات المتحدة , ويشكلون رأس حربة المعارضة السعودية الخارجية , فهم طليعة ( أنتلجنسيا ) تؤرق أفكارهم وممارساتها المؤسستين السياسية والدينية فى الداخل .

وهناك رهان على هذه ( النخبة الجديدة المثقفة ) وعلى دورها الحقوقى والمطلبى لاسيما فى مجال المرأة والحقوق المدنية والسياسية , ولكن تكمن مشكلتها فى عدم خلق أواصرشراكة مع شرائح المجتمع السعودى وأيجاد روابط للتواصل معه وتصعيد معاناته.

وفيما يتصل بالعامل الخارجى فأن الحماس الأوروبى والأمريكى لربيع الإنتفاضات العربية يعتبرلعنة بالنسبة للأنظمة المحافظة فى الخليج وعلى رأسها السعودية .

وحيث تضغط قوى بالداخل الأمريكى - وفق أجندة مصالحها الإقتصادية والبرجماتية - لهدف الحفاظ على النظام السعودى والتوصل لصيغة تضمن بقائه وأستقرارالمنطقة معآ . فالمجمع العسكرى الصناعى الأمريكى ليس على أستعداد لفقد الطلب السعودى الضخم ولا التضحية بعرش آل سعود الذى أبرم معه أكبر صفقة للأسلحة تشترى بموجبها السعودية طائرات حربية أمريكية بقيمة 60 بليون دولار . كما أن شركات النفط لن تغامربالحصة السعودية منخفضة الثمن والتى تخلق دائمآ توازن السوق ,ناهيك عن المصالح الإستراتيجية والتاريخية الأمريكية التقليدية مع آل سعود.

أخطرما فىالمشهد هوالقناعات التى تتولد فى الإدارة الأمريكية ونخبها السياسية والثقافية بأن الحفاظ على الأوضاع الداخلية فى السعودية بات مستحيلآ , وأن أهمية وحتمية التغيير ستفرض نفسها , وباختصار فأن عليها فى النهاية أن تضحى بعرش آل سعود وأن تقف على الجانب الصواب من حركة التاريخ .

وتبدوالسلطات السعودية متأهبة لإستخدام القوة مع أية حركة أحتجاجية معارضة ,ووفق ما يروه البعض فأن الأمير نايف ( وزير الداخلية ) حذرالمعارضيين السعوديين بعد جلسة للحوار الوطنى قائلآ " ما حصلنا عليه بالسيف , سوف نحافظ عليه بالسيف " .

ولكن أيا ما كان الأمر- لايمكن لعرش آل سعود أن يستمر بهذا الهيكل الملكى السياسى والإجتماعى والدينى البدائى فى ظل رياح الثورة والتغييرالعربي التى تهب هنا وهناك ,وعلي الملك والأمراء الآ يغتروا بأحساس الإستقرار ,والآ يبالغوا فى أثرالمكرمات والعطايا الملكية - فهى تظل سياسات قديمة لمجتمع جديد طامح نحوالحرية و العدالة والديموقراطية.
عماد مسعد محمد السبع .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟