الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكبار الفاسدين رب يحميهم

تيلي امين علي
كاتب ومحام

(Tely Ameen Ali)

2011 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


يحتل العراق بشهادة الجهات ذات الاختصاص مرحلة متقدمة بين الدول التي يستشري فيها الفساد الاداري والمالي ، بل ربما يمكن القول ان الفساد المنظم داخل اجهزة وسلطات الدولة العراقية لا مثيل له الا في عدد قليل من الدول المتخلفة في قارة افريقيا ، ونقصد بالفساد المنظم ، تواجد خلايا للفساد في هرم السلطات ، تعد وتخطط لابرام عقود وصفقات ، الغرض الاولي منها تعاطي الرشوة او العمولات او نسب مؤية من ارباح الشركات والجهات المتعاقدة مع الدولة العراقية ، وقد جرى الحديث عن عقود لتوريد طائرات بمواصفات رديئة وعن اجهزة لكشف المتفجرات لا تعمل بالكفاءة المطلوبة وعن دروع لا تقي الجندي العراقي وعن عقود النفط والتراخيص والمعدات الكهربائية ، لكن المثير والشنيع في صور الفساد هو ان يتجرد بعض الفاسدين عن كل قيمه الانسانية فيرضعوا اطفالنا حليبا فاسدا او ملوثا او يوزعوا علينا زيتا نافذ الصلاحية اويجهزوا المستشفيات بدواء لا يؤثر في المرض . وبالنظر الى ضخامة هذه العقود والصفقات المريبة يتم هدر ملايين وربما مليارات الدولارات من الاموال العراقية ويذهب قسط منها الى جيوب كبار المرتشين والفاسدين . لقد اتهم مصدر حكومي شخص واحد وهو بول بريمر باختلاسه مبلغ ثمانية مليار دولار من المال العراقي العام ، فاذا صحت التهمة يمكن القول ان لبريمر شركاء من مسؤولين عراقيين رفيعين والا لما كان بامكانه ان يبتلع هذا المبلغ وحده .
ما يثير حفيظة العراقيين ويدفعهم الى النزول في الشوارع والتظاهر للمطالبة بمحاسبة الفاسدين الكبار او الحيتان الكبيرة ، وما يجعلهم يصرخون بغضب ( لا نريد محاسبة الصغار بل الكبار )هو ان السلطات العراقية العليا تركز على معاقبة بعض المقصرين الضعفاء من صغار الموظفين بينما توفر الحصانة والحماية لكبار المسؤولين وكبار قادة الاحزاب بل ان البرلمان العراقي ساهم بدوره في محاسبة الضعفاء وغض النظر عن جرائم الفساد الكبيرة ، لقد اصدر البرلمان العراقي في عام 2008 قانونا للعفو العام ، اعفى المرتشين من العقوبات المترتبة عليهم واعفى المتهمون بالرشوة ، وليس خافيا ان المرتشي يكون في العادة مسؤولا بيده الحل والربط ، فيما استثنى العفو جريمة الاختلاس من احكامه ، وهؤلاء المحكومون والمتمهون بالاختلاس ليسوا الا من صغار الموظفين الذين حصلوا على مبالغ تافهة ، ونقول انهم من صغار الموظفين لان قانون اصول المحاكمات الجزائية النافذ ، وفي المادة 136 منه ، يمنح الحق للوزير بعدم الموافقة على احالة اي من موظفيه الى المحاكم وعن اية تهمة كانت عدا مخالفات المرور! ، وفي العادة يمتنع الوزير عن احالة كبار الفاسدين الذين يكونون غالبا من حزبه او طائفته او المتحالفين مع قائمته . بينما تتقتضي العدالة ان تبحث الحكومة والبرلمان عن رؤوس الفساد الكبيرة وعن طريقة لاستعادة اموال عراقية ضخمة ، وبهذه المناسبة اثني على مجلس النواب الحالي الذي اقر الغاء حصانة المفسدين وجرد الوزير من حق حماية المسؤولين بالغائه الفقرة (ب) من المادة 136 . ويبدو ان الحكومة او جهات متنفذة فيها وربما جهات حزبية مؤثرة تصر على حماية الفاسدين الكبار وتقف بالضد من الغاء مجلس النواب لحصانة السراق ، لكن هذه الجهات لم تستطع اقناع مجلس النواب بالعدول عن مشروعه فصدر القرار التشريعي بالغاء الفقرة المذكورة . ما يثير غرابة الكثيرين حقا هو اقدام السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية على خطوة غير مبررة وغير مفهومة باعتراضه على مشروع الغاء الحصانة القضائية لكبار الفاسدين مع انه يدرك ان الدستور العراقي لا يمنحه هذا الحق ، كما اوضح ذلك جليا السيد اسامة النجيفي رئيس مجلس النواب ومن غير مواربة ،وبمعنى انه ووفق احكام الدستور لا يحق لرئيس الجمهورية او اية سلطة اخرى الاعتراض على القرارات والقوانين التي يقرها مجلس النواب، وان مهمة رئيس الجمهورية تتلخص فقط في تصديقها و اصدارها بالشكل القانوني . وحتى ان لم يصادق عليها تعتبر مصادقة عليها بحكم القانون بعد مرور خمسة عشر يوما من تسلمها .
وبقدر ما يكون اعتراض رئيس الجمهورية محل استغراب ، يكون موقف السادة النواب واصرارهم على اصطياد الحيتان الكبيرة محا اعجاب .
مع ذلك ندرك الواقع العراقي والتجاذبات السياسية وما يرافقها من صفقات للتوافق والتسوية والمحاصصة وتوزيع الغنائم ، ومع ادراكنا بصعوبة محاسبة المتنفذين الكبار جدا والمحسوبين عليهم وشركائهم ، ندعو مجلس النواب الى تشريع قانون باعادة الاموال المسروقة حتى وان اقتضى ذلك عرض العفو على هؤلاء السادة الذين ارتضوا بالرذيلة فسرقوا قوت الشعب واهدروا المال العام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بين


.. بوتين: كيف ستكون ولايته الخامسة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد -بتعميق- الهجوم على رفح


.. أمال الفلسطينيين بوقف إطلاق النار تبخرت بأقل من ساعة.. فما ه




.. بوتين يوجه باستخدام النووي قرب أوكرانيا .. والكرملين يوضح ال