الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يابا هذا مصيرنا.. الشهادة أو السجن أو الحرية

هيثم مناع

2011 / 5 / 8
سيرة ذاتية


وصلني خبر فقدان الوالد، يوسف ناصر العودات، وأنا أتحدث مع الصديق خلدون الأسود في ابتكار وسائل نضال ضرورية لاستمرار ونجاح انتفاضة الكرامة. كنا في اللحظات الأولى من اليوم الثالث عشر لحصار درعا ونوى وخناق حوران ودوما وتهديد بانياس وعسكرة شمال حمص... بحيث تتقاسم مشاعر الألم كل أبناء الوطن الذين خسرناهم في اليوم نفسه، نزلت دموعي بعد الظهر وأنا أنقل أسماء أحلام وليلى وباقي النساء اللاتي استشهدن في المرقب (بانياس) من أخ من بانياس، لم يعد بالإمكان إخفاء مشاعر الحزن عندما يصل المرء خبر إطلاق الرصاص على نساء يسألن عن قريب معتقل! أما آن لصهريج الآلام أن يغلق أبوابه؟

قست علينا الأيام، ولم أر والدي مدة ثمانية وعشرين عاما، وعندما قابلته بعدها في 2003، كان قد تقدم كثيرا في العمر، ولكنه لم يكن يأخذ حتى قرص أسبرين. كان يحب اختياري الدفاع عن حقوق وكرامة الإنسان ويعتز به. الأمر الذي يعطيني قوة إضافية لشعوري الدائم برضا الوالدين عني وعن نضالي.

كانت حياته صعبة وقاسية، سُجِنَ في كل الحقب والعهود ما خلا الحقبة البرلمانية بين 1954-1958 وفي زمن الوحدة السورية المصرية، وكان ضحية لكل وسائل التعذيب عندما اعتقل في 1970، عندما خرج من آخر سجن له، بعد 16 عاما، عاد للمحاماة واختار أن يكون محامي الفقراء ولم يتابع التزامه السياسي والحزبي. وقد عبر عن ذلك بالقول: "عندما عدت إلى المجتمع بعد طويل سجن شعرت بأن المطلوب إفساح المجال للشباب". هذا الشباب لم يخيب ظنّه.

عندما اعتقل والدي في 1970، كنت أسلم الدعاوى القضائية في مكتبه لزملاء محامين أو أُعْلِم أصحاب القضايا بمآل ملفاتهم. وذات يوم دخل رجل في الخمسين تقريبا وسألني عن ملفه، فأعلمته بأنه أخذ حكما إيجابيا. دعوته للقهوة فجلس وشرب القهوة وبقي جالسا، فسألته إن أحب أن يشرب الشاي فشرب معي الشاي وبقي جالسا، سألته: هل تحتاج لشيء؟ فقال لي: الوالد، الله يذكره بالخير، كان يدفع لي أجرة الطريق. فاعتذرت منه ودفعت له أجرة الطريق."

علمني والدي الصدق، وكان يقول لي مهما اختلفت معك في الرأي من حقك أن تقول أخطأت يوما ومن حقي ذلك، ولكن ليس من حقك أن تكذب مهما كانت الأسباب.

علمني أن الإلتزام غالي الثمن ولكنه يستحق التضحية مهما كانت كبيرة

في يوم من الأيام، وقف بي على طريق دمشق القديم، كنا نزرع شتلات الزيتون تحت المطر، أخي المرحوم همام وأنا ووالدي يقول لنا أين نضعها. نظر في الأفق وقال: "الحوراني يستقبل البدو في كل ربيع يقيمون مضاربهم عنده، فيرى في البداوة والصحراء الحرية، ويفلح الأرض ليطعم الناس القمح والعدس والبعير الكرسنة والشعير، فيتأصل في أعماقه عظمة الإنتاج.. هذا الحوراني اليوم زادت عليه قصة العلم والمعرفة، كانت حوران في نوى وخربة غزالة مركز لعلماء الدين، اليوم أهلنا يبعثون بنا للجامعة ولو باعوا أراضيهم وبيوتهم. لكن لازم تزرعوا قمح وخضار وتدافعوا عن الحرية وتتعلموا حتى نقدر نوحد العرب ونحرر فلسطين ونزور حيفا مثل ما كان والدي يزورها".

علمت بأن الوالد استعاد الأمل بعد سنوات القحط والجفاف العربية بانطلاقة ثورة تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين وسورية وأيام الغضب في العراق. كان من نعم الله عليه أنه رأى انطلاقة انتفاضة الكرامة من درعا، وشاركنا لحظات العزة والفخر بهذا الشباب الذي كسر كل حواجز الخوف، وليشعر بالعزة بعد عقود موجعة.. وعندما اعتقل أخي معن، اتصلت بالوالدة والوالد أطمئنهم، فقال لي قبل أن أقول في أخي كلمة واحدة: يابا هذا مصيرنا.. الشهادة أو السجن أو الحرية.

08-05-2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اخونا هيثم
مازن العلى ( 2011 / 5 / 8 - 14:08 )
رحم الله هذه الغرسه العملاقه التى اثمرة هذه الثمار الطيبه ونعدك نحن المخزون الاحتياطى لحوران فى الغربه القسريه ان يكون لسان حالنا كما اوصكم والدكم المرحوم ان يكون مصيرنا كمصيركم اما الشهاده او السجن او الحريه والله ان مسحوا حوران عن وجه الارض لن نقبل بالعبوديه بعد اليوم ونموت كلنا شاب ورجل وشيخ وامرءه وطفل فى سبيل الحريه وان قتلونا جميعا نتركها امانه فى اعناق ابناء سوريا الاحرار وانت الهدى والمثل الراقى ليس لحوران ولسوريا فقط انما لكل من يحمل فى صدره ضمير انسانى اخلاقى فى هذا الكون الفسيح اقدم لك تعازى الحاره


2 - تعازينا الحارة
شامل عبد العزيز ( 2011 / 5 / 8 - 15:05 )
الأستاذ هيثم ,, تعازينا الحارة بفقدان والدك ,, هذه هي سُنّة الحياة ,, البركة فيك وفي اهل حوران وجميع بلاد الشام ,,
مع التقدير


3 - يللي خلّف ما مات
نارت اسماعيل ( 2011 / 5 / 8 - 17:42 )
أخ هيثم، تعجز الكلمات عن التعبير عن مدى حزني على هذه الخسارة الكبيرة لفقدانك هذا الوالد الإنسان الأصيل المحترم، وأنا أقدر مدى الألم الذي تعيشه لفقدانك لوالدك وأنت في الغربة
أتقدم إليك بتعازي الحارة وأنحني إجلالآ لما قدمته أنت ووالدك وكل أفراد أسرتك من تضحيات في سبيل وطننا سوريا، وأنا متأكد أن تلك الجهود والتضحيات لن تذهب سدى وسنرى وطننا حرآ جميلآ عمّا قريب


4 - التعازي الحارة
علي السوري ( 2011 / 5 / 8 - 19:33 )
أعزي الأخ هيثم المناع العودات برحيل والده المناضل القديم. إن حوران التي هي تربة خصية، لم تبخل على سوريا بالرجال الصناديد ممن أخصبوا تربتها بدمائهم الغالية. ستبقى درعا، مثلها في ذلك مثل حماة والقامشلي، رمزاً لمقاومة الشعب السوري للطغيان. مع تحياتي


5 - تعزية
نادر قريط ( 2011 / 5 / 8 - 21:52 )
الدكتور هيثم منّاع العودات: تعازي الحارة لك وللأسرة، بفقدان والدك إبن حوران البار المحامي يوسف العودات.. وفي غمرة هذا الحزن والفقد والإغتراب، إسمح لي أن أخفف عنك بعض الألم والأسى. فقد سرّني أنك إلتقيت الفقيد عام 2003 ، وهذا عزاء جميل .. بعكس كاتب السطور الذي مر بتجربة مماثلة قبل ثلاثة أشهر، دون ان يحالفه الحظ ..
لكم الصبر والسلوان وللفقيد السلام الأبدي


6 - أحرّ التعازي للأخ الدكتور هيثم مناع
ربحان رمضان ( 2011 / 5 / 9 - 01:04 )
الموت أصبح في بلادنا أكثر من عادة ، لم يعد قضاء وقدر وحسب ..
بل أصبح تجسيدا للسمو بعد أن أصبح بيد الشبيحة والقتلة من أجهزة القمع أداة الظلم والاستبداد ...
أقدم لك تعازي الحارة ، راجيا من الله ان يتغمد الفقيد الرحمة ويسكنه واسع جنانه
وإنا لله وإنا إليه راجعون


7 - انا لله وانا اليه راجعون
اميل امينوف ( 2011 / 5 / 9 - 04:31 )
الاخ الدكتور الناضل هيثم مناع العودات اعزيكم واعزي عائلتكم الكريمه ال العودات الاكارم وكل حوران بفقد المناضل الكبير وابن حوران البار والدكم يوسف ناصر العودات الذي ما تهاون يوما ولا كل عن المطالبه بالحريه والعداله الاجتماعيه عزاؤنا بانه خلف مدرسة في النضال والمواطنه هذه سنة الحياه ,انا لله وانا اليه راجعون


8 - احر التعازي للدكتور هيثم مناع
تمّام الرفاعي ( 2011 / 5 / 9 - 05:46 )
الاستاذ الدكتور هيثم مناع العودات، ابن بلدي درعا و حوران، بإسمي و بإسم عائلة الرفاعي بحوران كلها نقدم لك و لعائلتكم الكريمة احر التعازي بفقيدكم المرحوم، انتم فخر لهذه المحافظة الابية و الاستاذ المحامي يوسف العودات كان بالفعل من خيرة رجالات المحافظة، و لكن يلي خلف ما مات يا استاذنا الكريم، و نحن معكم ووراءكم على خط النضال في سبيل حرية هذا البلد و ديموقراطيته. و البقية بحياتك و انا لله و انا اليه راجعون


9 - التعازي الخالصة
نبيل السوري ( 2011 / 5 / 9 - 06:48 )
التعازي الخالصة للأستاذ هيثم بفقدان والده، هذا الرجل الحر مثال السوري العظيم
والتعازي يجب أن تكون خالصة، لا أن يكون مدسوس السم بدسمها كما فعل عمران ملوحي (الذي قد يكون عمران الزعبي ما غيرو) فيمرر سمومه من خلال التعزية الزائفة ويسوّق لنظام الغدر والخيانة قاتل أبناء الوطن وناهب خيراته

قليل من الحياء
لكن هذا النظام وعملاءه لم يعرفوا معنى كلمة الحياء واحترام الآخرين، وإن ممارساتهم وكتاباتهم خير شاهد


10 - عظم الله أجركم
عبدو سالم ( 2011 / 5 / 9 - 08:00 )
الدكتور هيثم
عظم الله أجركم ورحم والدكم وأسكنه الجنة
كان الله في عونك وحقق أمانيك


11 - تعازينا الحارة
monsef ma ( 2011 / 5 / 9 - 11:22 )
قاسيت بما تعانيه انت وانا في الغربة وعندا عدت الى دمشق كان سؤال رجل الجوازات لي لماذا عدت فقلت له هذا ليس بسؤال للذي يعود الى وطنه على كل حال انا عدت لادفن ابي فخجل من سؤاله لي كل العزاء لك اخي الكريم


12 - كل التعازي القلبية
طلال عبدالله الخوري ( 2011 / 5 / 9 - 14:42 )
لابن حوران هيثم مناع بوفاة والده
والى اللقاء القريب بسورية الحبيبة



13 - تعازي
محمود جلبوط ( 2011 / 5 / 9 - 20:42 )
العزيز هيثم لك مني كل العزاء بفقيدك
وفي هذه المناسبة أشعر من الواجب علي أن أنقل لك ذاكرة لي تخص فقيدكم العزيز أبو هيثم عندما كنت رفيقه في سجن القلعة , في حينه لم يكن قد مضى علينا في السجن السنتين وكنا محرومين من الزيارات فتحمل لنا والدتك الكريمة أغراضا , أنا والمرحوم الضهيد رضا حداد , من زوجاتنا لتجلبها لنا في زيارتها لوالدك , ولأني كنت أسر لوالدك عن ألمي واشتياقي لابنتي البكر التي ولدتها أمها وأنا أقبع في رفقته في سجن القلعة وعدني أن يلقاني بها وقرر أن يجلبها مع أمك في إحدى زياراتها له على أنها حفيدته وهكذا كان والتقيت بابنتي سرا على أساس أنها حفيدة والدك , لن أنسى والدك ووالدتك ما حييت.
الرحمة للوالد أيها العزيز وياليتني أستطيع حضور التعزية فيه.


14 - من خلف ما مات
عبدالمولى القداح ( 2011 / 5 / 10 - 05:25 )
أخي الدكتور هيثم
عندما يكبر الخطب ويعظم الجلل تضيق مساحات اللغة وتنتحر المشاعر والكلمات أنحني أمام حزنكم العميق وجرحكم الذي لاضفاف له واعلم أن جميع المراثي لاتكفي لرثاء ورده.
لم يكن أبوك وحدك وليس فقيدك وحدك
انه فقيد كل ذرة تراب في حوران فقيد الحرية من كان قوله يصادق فعله
للفقيد الرحمه ولكم جميل العزاء
انا لله وانا اليه راجعون


15 - اتمنى لك ان تزور حيفا حرة
محمد جمال ( 2011 / 5 / 10 - 09:35 )
تعازينا لك من فلسطين ايها الحوراني العزيز
الطريق الى حيفا كانت تمر من حوران الى امتداده في فلسطين (مرج ابن عامر)، يا الله انت تشتاق لحيفا ووالدك، وكم انا مشتاق لامر بدرعا وازرع والشيخ مسكين والكسوة وكفرسوسة حتى اصل الى دمشق، هي ثلاثون عاما مرت على اخر نظرة على دمشق التي طالما احدث ابائي عنها واتمنى لو ازورها مرة قبل ان يكون مستقري جبال الخليل.
سنبقى نناضل ، ان جعنا فحشيش الارض مطعمنا، وان عرينا فورق الشجر ملبسنا، وان بردنا، فنار القلب موقدنا.


16 - تعازينا القلببيه الصادقه
ستفان كلاس ( 2011 / 5 / 10 - 13:54 )
تعازينا القلببيه الصادقه ومؤازرتنا للاخ الكريم المحترم الدكتور هيثم المناع و لجميع أفراد أسرته و عائلته الكريمه النبيله . لقد فقدت سوريا واحدآ من نبلائها و شرفائها الوطنيين الاحرار.
دمت سالمآ أخي هيثم.


17 - تعزية
مريم نجمه ( 2011 / 5 / 11 - 12:22 )
الأستاذ الفاضل الأخ هيثم المناع .. تحية

أقدم تعازينا الأخوية الحارة لكم دكتور هيثم .. ولكل أفراد العائلة والأصدقاء وأهل حوران الأباة بوفاة الوالد , الرحمة والذكرى الطيبة لروحه والصبر لعائلته .. ودمت سالماً .

محبة

اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران