الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في السعودية ..الحرب على الصورة .. الطريق إلى-طاش ما طاش

يحيى الأمير

2004 / 10 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


"طاش ما طاش" أشهر مسلسل تلفزيوني سعودي على الإطلاق .. رغم أنه دوري حيث لا يعرض إلا في شهر رمضان من كل عام ..مع أنه بات يعرض بشكل متواصل في العديد من الفضائيات العربية طيلة أيام العام، وطاش من طاش ليس أول مسلسل تلفزيوني سعودي .. من حيث الإنتاج والممثلين .. فقد سبق بأعمال عديدة ومتنوعة وبالتحديد في الفترة التي ينشط فيها الإنتاج التلفزيوني السعودي مناطقياً حيث ظهرت أعمال من فناني جدة وأخرى من الشرقية وأخرى من الرياض ..، لكن أكثر تلك الأعمال كانت تعتمد في شكلها ومضمونها على ما هو قائم عربياً .. وحتى وإن سعودت الأفراد واللغة والأمكنة إلا أن النمط القائم نمط عام .. وكان معظم تلك الأعمال أن لم يكن جميعها وصفياً لا نقدياً ..، ذاهباً إلى إقامة الدراما وفق سننها الشائعة مضمونياً ،،، فلم تكن تلك الأعمال لتختلف كثيراً عن القائم في مختلف الأقطار العربية ،، إلا لهجة وأمكنة .. وحتى "طاش ما طاش" كان في بدايته أقرب ما يكون إلى تلك الحالة . إلا أنه تطور باتجاه الملامسة الحقيقية للمجتمع والداخل السعودي. فبات عبارة عن صورة ناقدة .. كاشفة .. متداخلة مع كل تفصيلات الداخل ..، وحتى لو اختلفنا مع آليات تلك العملية النقدية أو الكشفية
سواء في مضامينها أو في فنياتها إلا أنها في النهاية ربما تمثل أبرز الصور التلفزيونية حضوراً وإثارة للجدل ..، وبدأت الصورة تقوم بدورها من كشف وفضح ومواجهة للسائد .. وبدأت الكثير من التيارات التي اصطدمت بطبيعة الحال مع الصورة التلفزيونية التي يقدمها طاش ما طاش ،، وبدأت المواجهة في أشكال متعددة وبلغت ذروتها قبل أربع سنوات حين نشرت هيئة كبار العلماء _ أعلى سلطة دينية في السعودية _ فتوى تحرّم فيها مسلسل طاش ما طاش وتحرم بثه وإذاعته وإنتاجه

وسأتوقف هنا عندما يمكن تسميته بالملاحظات المأخوذة على مسلسل (طاش ما طاش).. حسب المواجهة التي قامت معه؛ حيث تمت تسمية تلك الملاحظات بما لاحظه الناصحون والمستفتون.. وتم تلخيصها في عدة نقاط:
- السخرية بأهل الخير والصلاح وإلصاق المعايب بهم.
وهنا برزت إحدى نقاط المواجهة.. في وصف المنقود بصفات جاهزة لا تحتمل النقد وهي رؤية متوارثة تقوم على التصنيف وتوصيف الأفراد بصفات تجعل نقدهم نوعاً من الاقتراف لأنه نقد لمن يمتلك أوصاف الصلاح والخير.
-خروج المرأة مع الرجال الأجانب وما يتبع ذلك من اختلاط وتبرج وسفور وخضوع بالقول وغير ذلك..
وهذا التوصيف ناتج عن اشتباك بين ما هو حقيقي وما هو تمثيلي وهنا نقطة بارزة في الخوف من الصورة.. التي تقدم غير الحقيقي وفق ظروف وملابسات الحقيقي، ثم إن هذه النقطة وغيرها تقتضي القول بتحريم جميع المسلسلات التلفزيونية لأنها بأكملها تحوي نفس الملاحظة، ولكن بعد المسلسلات الأخرى عن الأرضية المحلية هي التي باعدت بين ما تطرحه وبين مواجهتها، ولكن حين كان المسرح الذي تخرج منه تلك الصور مسرحاً محلياً فقد دعا ذلك إلى الاشتباك معها لأن الصورة مارست دورها الكشفي لدى وسط دأب على التغطية وأن تكون متلقياً للصورة أمر يختلف عن أن تكون أنت مادة للصورة ومتلقياً لها في نفس الوقت.
- العمل على توهين الأخذ بأحكام الشرع المطهر والترغيب فيما نهى عنه كترك الحجاب وإبداء الزينة للأجانب وقيادة المرأة للسيارة والسفر إلى بلاد الكفر التي تشتهر بالرذيلة وتحارب الفضيلة ولمزه المتصفين بالغيرة على محارمهم ونسائهم.
وهذا أيضاً يقع تحت طائلة الاشتباك بين ما هو حقيقي وما هو تمثيلي وهي أيضاً كلها مظاهر يعج بها التلفزيون السعودي وغيره من القنوات طيلة العام، وهنا تبرز مواجهة الصورة حين تكون حالة وصفية ونقدية أيضاً.. حيث لا يعلق نقدها للسائد بالوضع الاجتماعي، وإنما يتم نقدها وفق الخلفيات ووفق الوازع الذي يحرك الأصوات الرافضة.
- إثارة الشهوات في مشاهد بشعة تقتل الحياء وتقضي على العفة، وهذا الوصف الذي يشنّع ويستخدم ألفاظاً غاية في الإدانة.. هو أيضاً إحدى أدوات المواجهة مع الصورة مع العلم أن التلفزيون السعودي من أكثر القنوات حشمة وتحفظاً وهو بعيد تماماً عن أي ما يمكن أن يوصف بقتل الحياء أو إثارة الشهوة.
وكما سبق الحديث عن استقبال العامة المزدوج للصورة.. فانهم كذلك يستقبلون المواقف التي تحاربها استقبالا مزدوجاً.. فرغم أن البيان السابق قد انتشر ولاقى رواجاً كبيراً ووزع منه مئات الآلاف من النسخ وما زالت توزع سنوياً مع بداية كل رمضان إلا أن البرنامج يحقق أعلى نسبة مشاهدة في الخليج.. أو في العالم العربي حسب توقعات بعض المصادر.
ولم تقف مواجهة الصورة - (طاش ماطاش) عند هذا الحد بل تجاوزته إلى خطب ونشرات وفتاوى أكثر حدة ومواجهة.. ويكفي ان تلغي نظرة على بعض مواقع الإنترنت أو تستمع لبعض تلك الأحاديث فقد انتشرت مثلاً لأحد الفقهاء ما باتت تعرف ب "كلمة حق في سفهاء طاش ما طاش" وتبدأ الكلمة المبثوثة صوتياً في عدة مواقع على الإنترنت وفي بعض الأشرطة بأن هناك من أخبره ذات ليلة بأن بعض الناس لم ينم ليس سهراً، وإنما تأذياً لأن البرنامج حسب رؤيته "يستهزئ بالدين" ويسمى البرنامج بالفاسق والماجن، بل ويصف القائمين عليه بأنهم فسقة وأصحاب فسق، وتبلغ المواجهة حدتها حين يربط صاحب الكلمة بين المسلسل وبين الغلو والإرهاب.. ويدعو إلى الإرسال والمناصحة للقائمين على وزارة الإعلام".
هذه الرؤية الحادة دليل على حالة من الخوف التي تركها هذا الكشف الذي تؤديه الصورة، خاصة إذا نظرنا إلى أن المسلسل، إنما يتناول بالنقد ظواهر اجتماعية.. ولم يحدث منه وليس له أن يقوم بالاستهزاء بالدين خاصة وانه يمر عبر وزارة عرفت بأنها تحرص على أن تكون قنواتها من أكثر القنوات التزاماً وابتعاداً عما يخدش الحياء فكيف بما يستهزئ بالدين وهذه شهادة حصدتها القنوات السعودية من الخارج فضلا عن الداخل..
وفي رمضان من كل عام تثور حالة المواجهة تلك وتمتلئ المجالس وصفحات الإنترنت واللقاءات الوعظية بتكرار نفس الموقف والتشديد عليه.. حيث أصبح (طاش ما طاش).. علامة على الصورة المتجاوزة حسب تلك الرؤية، وشهدت الساحة ولأول مرة ما يمكن تسميته بالمسلسل الحرام، في دلالة على ما تحدثه الصورة من تحريك لأوساط وتيارات متعددة، فالصورة حالة من الكشف أو النقد أو المواجهة التي تقع خارج دوائر المواجهات التقليدية وتمثل ثورة فيما يمكن تسميته - باللغة الجديدة التي تحتاج إلى نحو جديد لقراءتها والتعامل معها .. ،
إن تحريم مسلسل ما هو قمة ما يمكن أن تبلغه هذه القوى الفقهية والدينية من تشدد وابتعاد عن روح الحاضر ، وأكثر أنماط التوجيه الديني ضررا وتخوفا في حالة توشك معها مثل هذه المؤسسات أن تفقد صوتها أكثر إضافة إلى حالات الفقد التي مرت الرؤى الشرعية في مختلف أنحاء العالم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو