الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


درس فرانكو...

محمد المراكشي

2011 / 5 / 8
كتابات ساخرة


كان جنرال إسبانيا التاريخي القوي انسانا استثنائيا ، غير عادي.. ببذلته البيضاء الأنيقة التي تجعله ذكر حمام بشانب ، وقفازاته التي تحمي يديه من عرق الآخرين حين يصافحونه ،وحذائه الأبيض الناصع الذي أتساءل إلى الآن بأي معجون تلميع كان يلمعه ! حكم اسبانيا كإله وتوفي في سلام !
ودعته شعوب الإسبان المسكينة وهي مجمعة أنه لم يكن إنسانا عاديا..كان ديكتاتورا !!
لم تكن الفرانكوية دينا لا يموت ،أو نهج حياة و سياسة لا ينتهي ..بل كانت مرحلة و إن طالت فإنها فسحت المجال أمام التاريخ كي يصنع طقوس تحوله إلى المسار العادي..
المدافعون عن الفرانكوية ،يتبجحون بالأمن الذي عاشته إسبانيا حيث لم يكن من الممكن إطلاقا أن ترى جريمة في البلد إلا نادرا..كان بإمكانك أن تنسى حقيبة سفرك في محطة القطار بمدريد ،وحين تتذكرها في اليوم الموالي تجدها في مكانها لم تمسسها يد إنسان.. !حتى عمال النظافة ينظفون محيطها فقط !
حين استيقظ فرانكو في أتون الحرب الأهلية ذات صباح ،قرر ان يكون حاكم إسبانيا باسم الملك ،فاقتاد من أراد من أعتى جنوده في المستعمرات ومنهم كثير من المغاربة ليحتل عرش اسبانيا.. عاث في الأرض قتلا و تدميرا إلى أن جعل الإسبان يعتقدون أنه قدرهم الإلهي العظيم..استعان بكنيسة بدائية لم تصلها بعد ثورات الإصلاح الديني ،وأناس كثر رأوا في الجمهوريين خطرا محذقا يمسهم في دينهم و دنياهم !
فاصبحت اسبانيا بثلاثة شعوب ! شعب في الداخل فرح لفرانكو الملكي و انتصاراته الهائلة التي أعادت الأمن لبلادهم تحت أعقاب البنادق ..و شعب في الخارج فر بجمهوريته و شيوعيته إلى بلاد أخرى في انتظار موت الإله ! وشعب من جنود المستعمرات خاض حربا يهتف فيها لفرانكو ظانا أنه جمهوري حارب الملك !
غريب عالم فرانكو العجيب ، فقد حارب بجيش يعلم عكس ما يريد .. فنصبه حاكما بأمر الملك المرحل المغيب ! وبذاك اصبح الحاكم بأمر الله على طريقة الكاستيان ! صار أكثر ملكية من الملك !
اسبانيا تحمد تاريخها صباح مساء ..فبعد أن كانت لا تعلم أن جنودها في مستعمرات المغرب و غيره يسرقون البيض و الشعير للبدو ، و بعد أن كانت تظن أنها قدر على تلك المستعمرات العنيدة ،و بعد أن ظنت أن فرانكو شخص لا يموت ،فجأة اصبحت في يوم و ليلة دولة تتحول بسرعة البرق من سرقة البيض و الأرانب إلى قوة إقليمية هائلة !
والفضل في ذلك لفرانكو الحكيم !
لم يكن فرانكو أبدا يقول أنه رئيس اسبانيا ، ولم يتبجح يوما بأنه صانع التغيير فيها ،و لم يترك مجالا أبدا للحديث عن ابن الملك ! دعاه في عشاء ربما ،و سلمه الأمانة التي أخذها غصبا عقودا من الزمن ! كان يشعر بنهايته ، ونهاية نسخته من اسبانيا ! وقبلها ترك مستعمراته خلف ظهره ، وترك البدويين في إفني و الريف يتمتعون بأرانبهم و بيضهم !
فرانكو اسباني قح أصيل ،لم يدع لنا مجالا للشك بأن أصله فيه دم عربي يعود لما قبل ليلة سقوط غرناطة ! فهو لم يهيء ولدا أو اخا أو مقربا لحكم إسبانيا بعده ! ولم يكتب كتابا أخضر أو اصفر كي يحفظه تلاميذ المدارس عن ظهر قلب ! ولم يترك مجالا لمن بعده بأن يذكروا خطاياه أكثر من سنوات قليلة !
ربما اعتبر فترة حكمه مرحلة لا بد منها للوصول إلى الديمقراطية ! و ربما اعتقد بشدة أن اسبانيا التي قتل فيها حس الكلمة لا يمكن أن تبقى صامتة إلى الأبد !
نجح فرانكو في شيئين :استطاع أن يعيد بنفسه الأمور إلى نصابها ووضع اسبانيا على عتبة الدخول للديمقراطية ، و استطاع أن يضمن موتا هادئا مرتاحا وقبرا لا يمقت النظر إليه الآخرون !
وفي كلا الأمرين مارس فرانكو ديكتاتوريته حتى في لحظات موته الأخيرة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر