الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطيبات للطيبين في زمن الثورة السورية

نارت اسماعيل

2011 / 5 / 9
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


عندما يتزوج أحدهم في سوريا، يهدونه لوحة مزخرفة مكتوب عليها هذه الآية القرآنية (الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات)، أنا أهدوني لوحة مثلها وكانت كبيرة وفاخرة، وكانت من جار ثري، كنت أكره تلك اللوحة ولكني اضطررت لتعليقها في بيتي لبعض الوقت إكرامآ للرجل واستجابة لرغبة زوجتي الطيبة التي كانت كلما جارت نفسي الأمّارة بالسوء قليلآ عليها، تشير لي بطرف عينها إلى اللوحة لتذكرني بالعهد الذي بيننا بأن أكون طيبآ معها إلى آخر العمر، ولكنني تخلصت من اللوحة في أقرب فرصة بدون أن تتراجع طيبتي تجاه زوجتي قيد أنملة.
لا أدري ما الذي جعلني أتذكر تلك اللوحة وتلك الآية في هذه الأيام العصيبة التي نمر بها في سوريا؟ تخيلت لو أن الآية كانت (الطيبون للطيبين والقميؤون للقميئين)، فما يحدث في سوريا هذه الأيام هو نوع من الفرز ما بين القميئين والطيبين.
القميؤون يتهافتون على كل ما هو قميء من كذب وتضليل إعلامي واحتيال ونفاق ومنع لكل وسائل الإعلام العربية والعالمية من تغطية الأحداث حتى يتفردوا هم وحدهم بنقل الأحداث وتفسيرها على قياسهم وكل من لا يصدق روايتهم مهما كانت غبية ومضحكة يصبح خائنآ وعميلآ لأمريكا أوالحريري أوالقرضاوي أوالأمير بندر بن سلطان، بينما الطيبون يبحثون عن كل ما هو وطني وشريف ويعزز الوحدة الوطنية بين فئات الشعب وأطيافه المختلفة، القميؤون يحاولون زرع الفتنة والطيبون يحاولون تجنبها وإبعادها عن البلاد.
القميؤون يلاحقون كل شخص معروف، كاتبآ كان أم ممثلآ أو فنانآ معروفآ ليحرجوه ويجبروه على البوح بكلام قميء حتى لو خالف فيه كل ماضيه وكل أعماله ومواقفه السابقة، والطيبون صاروا يفرحون لكل وسيلة إعلامية عربية أو أجنبية، وكل إعلامي أو فنان أو شخص معروف يبدي دعمه وتأييده لمطالب الشعب السوري بالتحرر وبناء دولة القانون والعدالة والمساواة.
نجد الوحشية والهمجية عند القميئين من قتل للشباب العزّل، وتعذيب الأطفال وقلع أظافرهم، وحديثآ قتل للنساء كما حدث أمس في بانياس لنساء خرجن للمطالبة بمعرفة مصير بعض المعتقلين من ذويهن، وكذلك التعذيب في السجون والدعس على المعتقلين في الشوارع، ونجد الإهانات والبذاءات والعبارات التي لا يستعملها إلا حثالة البشر.
مقابل ذلك نجد الطيبين للطيبين، نجد ذلك التلاحم بين المسلم والمسيحي، بين العربي والكردي، بين السني والعلوي والدرزي، كل الأطياف وكل المذاهب ينادون بالحرية وببناء وطن جديد جميل يحلمون به منذ زمن طويل.
من أمثلة التلاحم الأخرى بين الطيبين ما رأيناه عندما تم فصل عدد من طلاب الجامعة لأنهم شاركوا بالمظاهرات السلمية فتنادى زملاءهم بالاعتصام والتظاهر حتى يعود زملاؤهم المفصولون.
أكثر ما يحز بالنفس هو تحول أناس معروفون وكنا نحبهم من صنف الطيبين إلى صنف القميئين كما حدث للفنان دريد لحام الذي كنا نعتبره رمزآ من رموز سوريا، فعندما كنا أطفالآ كنا ننتظر مسلسلاته الكوميدية الشعبية مثل (حمام الهنا) و(صح النوم) و(مقالب غوار) على أحرّ من الجمر، وكانت مسرحياته الشهيرة التي ألفها المبدع محمد الماغوط مثل (غربة) و( ضيعة تشرين) و( كاسك يا وطن) وكذلك فيلمه الشهير(الحدود)، كانت أعمالآ جريئة ناقدة مبدعة ، كانت متنفسآ لجيلنا في زمن الصمت الرهيب الذي كان يميز زمن حافظ الأسد، الآن خرج علينا دريد لحام بمقابلة تلفزيونية عجيبة ليقول فيها : ليست مهمة الجيش تحرير الجولان بل مهمته المحافظة على السلم الأهلي!!
إذن من سيحرر الجولان يا سيد لحام؟ هل سنحضر مرتزقة من موزمبيق ليحرروا لنا الجولان؟ وهل يحتاج الحفاظ على السلم الأهلي إلى أكثر من مليون جندي ورجل أمن ورجل مخابرات وإلى 17 فرعآ مختلفآ من فروع المخابرات؟ هذا العدد يكفي للمحافظة على السلم الأهلي في قارة آسيا كلها، وهل يحتاج تحقيق السلم الأهلي للتعذيب والقتل وقلع الأظافروالتفنن بوسائل امتهان كرامة الناس؟ عجيب مدى القماءة التي وصل إليها فناننا الذي اعتقدناه من الطيبين!
تخيلوا هذا المشهد الواقعي الذي يحدث في سوريا هذه الأيام، طالبة طب في السنة الرابعة، أفنت نفسها وسهرت الليالي أثناء المرحلة الثانوية وخلال سنوات دراستها الجامعية لكي تحقق حلم حياتها وحلم أهلها بأن تصبح طبيبة، تعود هذه الطالبة إلى البيت باكية منهارة، تسألها أمها عن السبب فتجيب: لقد فصلوني من الجامعة لأنني لم أشارك في المظاهرة المؤيدة للرئيس! هذا مثال على ما يفعله القميؤون في سوريا، يحطمون مستقبل مثل هذه الفتاة المتفوقة ويدمرون حلم حياتها لأن ضميرها منعها أن تصبح قميئة مثلهم.
وصل الفرز بين القميء والطيب إلى كل المستويات، ووصل حتى إلى البيوت وصرت تجد قميئين وطيبين في بيت واحد، وصل الفرز إلى العلاقات الأسرية وإلى العلاقات بين الأصدقاء وزملاء الدراسة والعمل ووصل حتى إلى المخادع الزوجية فصرت تجد زوجآ قميئآ يعيش مع زوجة طيبة والعكس بالعكس، ولكن والحمد لله لم يصل ذلك الفرز إلى بيتي بعد، فمازلنا كلنا طيبين، على ما أعتقد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل