الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية سمكة

إبراهيم رمزي

2011 / 5 / 11
كتابات ساخرة


إشكالية سمكة
جاء في كتاب: حياة الحيوان الكبرى، للدميري:
حكى القزويني، في عجائب المخلوقات عن عبد الرحمن بن هارون المغربي، قال: ركبت بحر المغرب، فوصلت إلى موضع يقال له: البرطون، وكان معنا غلام صقلي، معه صنارة، فألقاها في البحر فصاد بها سمكة - نحو الشِّبْر-، فنظرنا فإذا خلف أذنها اليمنى مكتوب: لا إله إلا الله، وفي قفاها: محمد، وخلف أذنها اليسرى: رسول الله. اهـ.

بمجرد الاطلاع - من جديد - على هذا الخبر الهام، انقسمت نقابات الصيادين إلى فريقين: فريق يدعو إلى تعميم الخبر عالميا، وفريق يدعو إلى التستر عليه لتقليل فرص المزاحمة ...
الصيادون في المراكب التقليدية أو على البواخر الحديثة في أعالي البحار، جميعهم أصابتهم حمى الرغبة في الظفر بالسمكة. وبدأ النقاش عمن يؤول له الحق في الانفراد بالغنيمة، أم سيكون الأمر مشاعا بين مالك الباخرة والعاملين عليها؟
ونظرا لكون أغلب البواخر في ملك الدول المتقدمة، ويشتغل عليها مواطنوها الذين لا يفقهون شيئا في اللغة العربية، فقد بدأوا في تعلم العربية - عن بُعد / بطريقة المناظرة التفاعلية - كل ذلك حرصا منهم على عدم الخلط بين المكتوب بالعربية وأي نمنمات قد تكون على السمكة.
وبدأت وتيرة العمل على البواخر الضخمة تتراجع، وبدأ أربابها يضجون من قلة المحصول، لأن الصيادين كانوا مضطرين إلى فحص آلاف الأسماك - واحدة واحدة - لعلهم يعثرون على السمكة العجيبة. وبدأ الإرهاق أيضا يتسرب إلى الصيادين لأنهم كانوا يضحون بوقت راحتهم في سبيل تعلم اللغة العربية.
وعندما بدأت المشاكل تتفاقم على البواخر، أصدرت مجاميع علماء المسلمين نداء - عاجلا - إلى علماء التكنولوجيا الغربيين تدعوهم فيه إلى الإسراع بصنع كاشف آلي يعوض الفحص اليدوي، ويحملونهم مسؤولية كل تلكؤ في تنفيذ ندائهم، وإلا أسقطوا من تسميات شوارعهم وميادينهم أسماء المخترعين من أعلام الغرب، وعوضوها باسم السمكة.
وبعد توجيه النداء/ الأمر، بادر العلماء المسلمون إلى تشكيل خلايا تدبير الأزمات والطواريء، وكلفوها بالمتابعة اليقظة لتطورات الموقف لحظة لحظة. بينما الناطق الرسمي باسمهم تمنى لو لم يكونوا علماء دين وكانوا مجرد صيادين، حتى يكتب لهم الفوز بمكرمة العثور على السمكة.
هل لهذه السمكة كل هذه القيمة والأهمية؟
والجواب لا يحتاج إلى تأكيد، ولا يجادل فيه إلا مكابر معاند أو جاحد جاهل.
يكفي أن تعرف أن الدراسات المستقبلية صارت تتوقع عاصفة اقتصادية عالمية ستحدث اضطرابا كبيرا في المؤسسات المالية عبر العالم، وستشتعل الحُمى في أسواق التداولات المالية حين عرض السمكة للمزايدة، بعد العثور عليها إن شاء الله.
أما من كان من أصحاب المراكب الصغيرة، فباصطياده لهذه السمكة سيحصل على ثروة خيالية أكبر بكثير من ورقة اليانصيب الرابحة للجائزة الكبرى.
طائفة من العلماء المسلمين تسلحت بالأسانيد الدامغة والحجج القاطعة - التي لا يأتيها الباطل - وشرعت في تدبيج صحفها حول منافع هذه السمكة: عقديا، وصحيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وبيئيا.
آخرون سطروا كتبهم حول منافع رأس السمكة دون باقي جسمها، وتأثيراته العجيبة في زيادة الفحولة، وضمان مصير أخروي باسِم لمن يأكل منه.
وخائضون خاضوا على الفضائيات في أحاديث التنبؤات - الواردة في الأثر - والتي سبقت إلى الإعلان عن وجود هذه السمكة، والإرهاصات التي تقترن بتوقيت ظهورها، والاحتياطات التي يتعين التمسك بها لتلافي الانقلابات التي ستحدث للناس في معيشهم اليومي. وحثوا الحكومات المحلية على وضع صورة السمكة على العملات. ووجهوا تحذيرات شديدة اللهجة تعد بالويل والثبور لكل من ينظر إلى عورة السمكة. كما أفتوا بجواز تسمية الأولاد باسم "سمكة" أو أي اسم آخر مرتبط بالسلالات السمكية، أو بلوازم الصيد.
رؤساء مجاميع علماء المسلمين دعوا إلى عقد قمة طارئة، لاستباق الأحداث بإصدار فتوى، يتكرم فيها العلماء المسلمون بالإجازة - لعلماء الغرب - استنساخ السمكة، وللإجابة على عدد من الأسئلة المصيرية:
هل أكل هذه السمكة حرام أم مباح أم مكروه؟
هل يجوز بيعها والانتفاع بثمنها؟
هل يجوز تحنيطها وعرضها في متحف؟
هل هذه السمكة ذكر أم أنثى أم خنثى؟ وهل تحيض أو تبيض أم تلد؟ وهل لها نسل وعقب؟ وإذا كانت السمكة أنثى، هل يجوز نكاحها - قياسا على الزواج من الجن -؟
هل بإمكان الإنسان الاحتفاظ بها في حوض سمك منزلي؟ وهل يجوز للنساء - وهن في بيوتهن - الظهور أمام حوض السمك هذا، أم يضربن بخمرهن على وجوههن - مخافة تخبيب السمكة لهن-؟
هل هي سمكة مسلمة وتدخل في حِمى المسلمين؟ أم هي سمكة غير مسلمة وتجب استمالتها وتأليفها، وإلا خيرت بين الجزية والقتل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال


.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس




.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-


.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت




.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً