الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة من »الملدوغ« السوداني إلي »المخدوعين« المصريين!

سعد هجرس

2011 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


زيارة الوفد الشعبي المصري بقيادة الدكتور السيد البدوي ـ رئيس حزب الوفد ـ إلي السودان الشقيق، شمالاً وجنوباً، مبادرة مهمة تستحق الرصد والتحليل، وقد كان لي شرف الانضمام إلي هذا الوفد الذي ضم ممثلين عن أحزاب التجمع والوفد والناصري والغد وشخصيات مستقلة من رجال الفكر والإعلام والأعمال والمجتمع المدني، ورصد الزملاء الصحفيون الذين رافقوا الوفد تفاصيل التحركات التي قام بها والانجازات الايجابية التي استطاع تحقيقها أثناء لقاءاته مع المسئولين الرسميين وجميع الأحزاب السودانية قبل أن يقطع زيارته ويعود إلي مصر بسبب تراجيديا إمبابة.
وكان من اللافت للنظر أن كل هذه الأحزاب، علي اختلاف مشاربها الفكرية ومدارسها السياسية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار، اتفقت علي الإشادة بثورة 25 يناير المصرية.
لكن المفاجأة المثيرة للتأمل جاءت في سياق مداخلة فرعية علي هامش لقاء بمركز دراسات المستقبل، فبعد عدد كبير من الخطب الرنانة التقليدية والاحتفالية، طلب الكلمة أحد كبار المصرفيين السودانيين المرموقين، وهو الدكتور أبوالحسن الشاذلي، وتوقع الحاضرون منه تعليقا مقتضباً أو سؤالاً يتعلق بسبل توطيد العلاقات بين مصر والسودان، فإذا بالرجل يلقي بعدد كبير من القنابل من الوزن الثقيل.
أولها إلقاء اللوم علي الإعلام العربي الذي لم يتوقف عن كيل المديح لثورة تونس وثورة مصر باعتبارهما بداية ثورات العرب، وقال بغضب: »المثل الشعبي السوداني يقول: (الملدوغ من الثعبان يخاف من الحبل) والمثل الشعبي المصري يقول: (اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي)، والشارع السوداني هو صاحب أكبر تجربة عربية وإفريقية في إسقاط النظم العسكرية الديكتاتورية بالثورة الشعبية وقبل ما يقارب الخمسة عقود من الثورة الشعبية في تونس ومصر، وذلك في أكتوبر 1964م ثم أعاد الكرة قبل عقدين من الزمان في أبريل 1985م حينما خرج الشارع السوداني في ثورة شعبية لإسقاط نظام نميري.
الإعلام العربي كعادته في إهمال قضايا السودان لم يقدم شيئاً للثورات الشعبية بالسودان بل إن من المضحك أن معظم العرب يعتقدون أن نميري أسقطه سوار الذهب ثم تنازل عن الحكم »طواعية« وأصبح صاحب شهرة غير حقيقية، وإن جاءت عليه بالخير والبركة علي المستوي الشخصي.
الإعلام العربي يتحدث عن التجربة التونسية باعتبارها أول ثورة شعبية عربية ضد النظم العسكرية، وذلك لسنا ضده ولكنها ليست الحقيقة. يفوت علي تلك الثورات دراسة التاريخ والاستفادة من التجارب السابقة، إن هذا الموقف من الإعلام العربي هو موقف جهل لا قصد فالإعلام العربي إعلام »فاقد الذاكرة«، ومن خلال تجربتنا في السودان ومشاركتنا في الثورتين وكشهود للتاريخ رأينا أن نعكس تلك التجربة للشعوب العربية لكي تضع نتائج تلك التجربة أمام أعينها وهي تمارس تجربة ما بعد سقوط النظم الديكتاتورية علي الواقع.
وإذا أردنا نجاح تلك الثورات الشعبية في العالم العربي فيجب أن ندرس أسباب سقوط ثورتي أكتوبر 64 وأبريل 85 بالسودان ونأخذ منهما الدروس.
ففي ثورة أكتوبر ضد الديكتاتورية العسكرية الأولي »عبود«، تعمدت الأحزاب العقائدية وهي التي كانت أكثر تنظيماً بعد الغياب الطويل للأحزاب الديمقراطية عن الساحة السياسية والذي أصاب تلك الأحزاب بالضعف والوهن (لاحظ التشابه هنا مع الحالتين المصرية والتونسية) إضافة إلي غياب قيادة موحدة قادرةلتلك الثورة الشعبية العفوية فقد تم خلط أوراق الثورة وإفراغها من مضمونها ثم إسقاطها بعد توفير عوامل السقوط الحتمي لها.
بعد سنوات قليلة قام انقلاب مايو 1969م وقضي علي النظام الديمقراطي الجديد الذي أتت به ثورة الشعب ولكنها عجزت عن حمايته.
وفي الثورة الشعبية »الثانية« لم يستطع النظام الديمقراطي الجديد الصمود علي الرغم من الانتخابات الحرة والأخيرة التي لم تتكرر منذ ذلك الوقت وبالرغم من مشاركة الإسلاميين لأول مرة بعد 50 نائبا محرزا المركز الثالث في البرلمان، وعلي الرغم من حرص معظم الأحزاب علي توقيع ميثاق الدفاع عن الديمقراطية منعا لأي انقلابات إلا أن ذلك كله لم يمنع الجبهة القومية الإسلامية من الانقلاب علي الديمقراطية بفصيل صغير في الجيش ومستغلين كل العناصر المسرحة في القوات النظامية وأمن الدولة والذين كانوا هم أول المنادين بحلها واستغلوا حاجتهم وحقدهم علي الديمقراطية التي أبعدتهم واستغلوا معلوماتهم وقدرتهم التنظيمية بل سخّروا حتي كل مساوئهم كالقدرة علي التآمر والقهر والتعذيب فكونوّا الكوادر التي قامت بدعم الانقلاب الهش وكانت سبباً في تثبيتهم.
وقد نادي البعض بعد قيام ثورة أبريل أن يحافظ علي جهاز أمن الدولة بعد إعادة هيكلته وإبعاد الفاسدين والمشبوهين منه وتدريبهم علي التعامل مع الوضع الديمقراطي الجديد ولكن صوت الحل بعد الثورة كان عاليا جدا لا يمكن مقاومته، خاصة مع سوء سمعة وأداء جهاز أمن الدولة والكراهية لهم نتيجة القهر الذي مارسه الجهاز علي الأفراد والجماعات في مسيرة الجهاز لحماية النظام بكل السبل المشروعة وغير المشروعة فكان أن حل الجهاز فتحولت كوادره إلي مرتزقة مدربة ومكدرة وجاهزة عمليا و نفسيا للتجنيد في أي غرض وهذا ما كان عندما تم استغلالهم في انقلاب يونيو 1989م من قِبل التيار الإسلامي.
وقام في السودان نظام ديكتاتوري مارس جميع صنوف التعذيب والقهر والسجن والقتل للمعارضين بل وباسلوب يجعل من النظم الديكتاتورية في مصر وتونس طلابا مبتدئين في مدرسة سلطة الفساد والتزوير والقهر.
> الجزيرة والإعلام العربي والسودان:
وقبل أكثر من عشر سنوات انقسم فصيل مهم وأساسي من الإسلاميين ناقدين أنفسهم في القيام بذلك الانقلاب ومطالبتهم بالعودة للديمقراطية والمحاسبة علي الأخطاء التي صاحبت التجربة ومحاربة الفساد الذي استشري في البلاد وايقاف القتال في إقليم دارفور وايجاد الحل السياسي للمشكلة ومعالجة الآثار الخطيرة الناجمة عن انفصال النكبة الذي حدث في تقسيم البلاد إلي دولتين الذي كانت السلطة الحاكمة السبب الرئيسي والمباشر فيه.
والشعب السوداني هو أكثر الشعوب العربية تضررا من الانقلابات العسكرية الثلاثة خاصة الانقلاب العسكري العقائدي الأخير والذي بلغت فيه الخسائر البشرية من أبناء الشعب السوداني في الشمال والغرب والجنوب والشرق أكثر مما خسره العرب في جميع حروبهم وثوراتهم منذ حرب 1948 وحتي الآن بما فيهم ثورة المليون شهيد في الجزائر، وإذا كان موقف النظم العربية مفهوما مما يجري في السودان لأن كلاً منهم يبكي علي ليلاه وإذا كان موقف الجامعة العربية منطقيا حيث انها جامعة حكومات ولا تقدير لها لمصير الشعوب.
فإن ما لا نستطيع أن نفهمه هو موقف الإعلام العربي والإسلامي الذي يدعي الحرية والوقوف مع الشعوب حتي قناة »الجزيرة« التي كان لها دور مقدر شعبيا في ثورات تونس ومصر، والآن في ليبيا مما سيحفظه لها التاريخ حتما ولكن حينما يتعلق الأمر بالسودان تلتزم الصمت، حتي لا نقول التجاهل المتعمد، فما سجلته قناة الجزيرة بالندوات والتظاهرات ومواقف الاحتجاج للمعارضة لو نشرت لكشفت علي الأقل حقيقة الوضع في السودان و حتي لا نسير وراء تفسير البعض أن الجزيرة أسيرة خط مراكز القوي الإسلامية بداخلها بزعامة الشيخ القرضاوي الذي رغم مواقفه المتقدمة من القضية الفلسطينية والموقف المعلن في ثورة الشعوب العربية فإنه حينما يتعلق الأمر بالسودان يكيل بميكالين منذ تورطه مع الانقلاب في بدايته بوصف تلك الجماعة التي استولت علي السلطة بليل وقضوا علي النظام الديمقراطي بأنهم ـ أي الانقلابيين ـ يذكرون بصحابة رسول الله (صلي الله عليه وسلم)..هكذا.
وإذا اعتبر البعض أن ذلك الموقف كان زلة لسان دفعتها إليه الشعارات الإسلامية للسلطة فإن ما يثير عجب الشعب السوداني الإصرار حتي الآن علي دعم ذلك النظام بالطرق المباشرة وغير المباشرة وإرسال أفراد لهم وزنهم بمجلس علماء الإسلام أو الحكومات الإسلامية كان آخرهم الشيخ الغنوشي والشيخ القرضاوي نفسه وفي الشهر الماضي المفكر الإسلامي فهمي هويدي، لا لنصح الحكومة الديكتاتورية التي يعتبرها الشعب أسوأ بكثير من نظام مبارك وزين العابدين في مجال القهر والتزوير في الانتخابات والفساد لكي يعودوا إلي رشدهم ولكنهم ـ كما قلنا ـ هم حضروا للتوسط بين الإسلاميين الذين اكتشفوا حقيقة النظام الذي شاركوا فيه ورأوا بأعينهم الفاحصة محليا بأن مركب النظام لا محالة غارق وأنه لا يجب أن يغرق الجميع معه يريد القرضاوي ومن معه التوسط لكي يدعم هؤلاء طغمة السلطة تحت شعار »وحدة الإسلاميين ضد الآخرين« وهذا كيل بمكيالين فالقهر والتسلط والفساد لا دين لها.
قضية الشعب السوداني ليست قضية الشعب الفلسطيني توحيد فصائل المقاومة يساعد علي حلها لأن التنظيمات الإسلامية في السودان، وإن اختلفت لا تمثل أغلبية أهل السودان.
حتي لا نذهب وراء هذا الرأي بالنسبة لقناة الجزيرة فإننا ذهبنا وراء رأي حسن النية بأن الجزيرة لا تريد إظهار المواقف الحقيقية في السودان حتي لا تؤثر علي دور قطر في اجتماعات حل مشكلة دارفور في منبر الدوحة ولكن قضايا الشعوب لا تتحمل الكيل بمكيالين والحل لكل مشاكل السودان هو تغيير النظام و»الشعب يريد تغيير النظام«.
ونصيحة لعلماء الإسلام وعلي رأسهم الشيخ الوقور القرضاوي والغنوشي وكل الأعمال العربي والإسلامي وعلي رأسها الجزيرة تأييد نموذج السودان هو أكبر ضرر يصيب الحركة الإسلامية حتي في البلدان التي قامت فيها الثورات الشعبية.
وفي مصر عندما هبت الثورة في 25 يناير اتصلت بأبناء أخي وهم مصريون ويشاركون في ميدان التحرير استفسرت منهم عن موقف الإسلاميين قالوا لي لم يشاركوا إلا في اليوم الثالث عندما رفع أحدهم المصحف وهتف »الإسلام هو الحل« اسقطناه فورا من أكتافنا وحذرناه من هذا النوع من الهتاف الذي يؤثر سلبا علي الثورة، ومنذ تلك الحادثة لم يرفع شعار مشابه في كل ثورة مصر وكان ذلك بمثابة إشارة واضحة لوعي الشباب الثائر في مصر.
> الخطر علي الثورات العربية:
كيف لشباب الثورة في مصر وتونس أن يطمئنوا علي ألا تتكرر تجربة السودان، خاصة أن الإخوان المسلمين في مصر والجامعات الإسلامية فيها كانت ومازالت تؤيد ما جري في السودان وأن الشيخ الغنوشي دعم الانقلاب في السودان ومازال، بل أنه حينما غادر تونس أقام مع نظام الخرطوم فترة ليست بالقصيرة بل كان يتحرك بجواز سفر سوداني دبلوماسي.
هل المطلوب أن يصدقوا مجرد قول الإخوان في مصر أنهم لا يسعون إلي السلطة كيف وهم استجابوا فور أن منحت السلطة لهم فرصة الحوار معهم لإجهاض الثورة »دون مشاورة« من قاموا بالثورة طمعاً في المشاركة في السلطة وتراجعهم بعد ذلك لا يعيد الثقة المفقودة، هل المطلوب أن يصدقوا أن الغنوشي الذي عاد من أوروبا مؤمنا بالديمقراطية والنظام المدني وفي الوقت نفسه في ندوته يوم الخميس 2011/3/10 بالخرطوم حول سؤال عن الكيل بمكيالين فيدين ضرب الديمقراطية في الجزائر ويهرب من إدانة الذين انقلبوا علي الديمقراطية في السودان لجمرد أنهم تنظيم إسلامي، هل يصدقون مجرد قول الغنوشي إنهم عادوا مؤمنين بالديمقراطية التعددية والدستور ودولة المجتمع المدني ألم يقل ذلك الإسلاميون في السودان ثم انقلبوا علي الديمقراطية فيها.
إن الحل في مواقف حقيقية علي الأرض وأولها إدانة الوصول للسلطة عن طريق الانقلابات مهما كان لون من قام بالانقلاب.
والضمان لذلك يبدأ بإدانة انقلاب الانقاذ في الخرطوم دون التوقف عند التدثر بالشعارات الإسلامية، يجب أن نعلم أن ما يجري في الخرطوم ليس نموذجاً إسلامياً ودون ذلك تظل الشكوك المضرة بالحركة الإسلامية قائمة في كل الوطن العربي«.
واختتم المصرفي السوداني المرموق أبوالحسن الشاذلي مداخلته الرائعة بالإعراب عن قلقه الشديد علي مستقبل الثورة في كل من تونس ومصر، والتحذير من مغبة الوقوع في شرك التعويل علي أنظمة استبدادية انتهي تاريخ صلاحيتها بعد أن جلبت لبلادها الخراب.. وفي مقدمتها النظام القائم في الخرطوم مرتدياً عمامة الإسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيه للشعب السودانى
حسنى عرفى ( 2011 / 5 / 12 - 23:28 )
استاذ هجرس
لقد لخص هذا المصرفى الرائع الخمس سنين القادمه فى مصر , ولقد كنت اجيب كل من يسالنى متى تؤتى ثمار الثوره وتقطف؟كنت اجيب بأن عليكم الصبر خمس سنوات اخرى بعد ان يستنفذ الاسلامين تجربتهم المحكوم عليها مسبقا بالفشل الزريع ومن ثم يعترفوا بالفشل ام لم يعترفوا فبالضروره سوف يسقطون ولن يسمح لهم شباب التحرير الساذج سياسيا بالاستمرار ومن حسن الحظ انه لا يوجد لدينا (ولاية الفقيه)التى ضمنت بقاء النظام الايرانى الى الان.مشكلة الثوره المصريه انها ثورة ,مجموع وليست ثوره لها منظريها ومفكريها وللأسف هى فقط احلام شباب جميل اراد التغيير ولكنهم لم يعرفوا ان ثورتهم سوف تسرقها خفافيش الظلام وكواسر لا تصطاد ولكنها تعيش دائما على ما يصيده غيرها.
بالفعل لم يعطى الاعلام العربى للسودان حقه.وشكرا

اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر