الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تصبح الديمقراطية وبالا على شعبنا...؟

حسين حامد حسين

2011 / 5 / 12
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لو قررنا مرة ان نتحدى طباعنا التي غشاها الخنوع وعشعشت عليها العناكب حتى أصبح للصبر مذاق العلقم في أفواهنا، وقمنا مثلا باحصاء ما تكشفه لجان الأمن والدفاع البرلمانية منذ 2003 ، عن عدد السياسيين والقادة الكبار والوزراء وغيرهم من المتورطين في حوادث الارهاب او في دعمه او لحالات الفساد المستشري بين كبار المسؤولين في الدولة وخصوصا في وزارتي الداخلية والعدل (حاميها حراميها) ، لأصبح ممكنا اثبات أن هذه الديمقراطية التي ندعيها وندافع عنها ، لا تعدوا ان تكون إلا موضع احتقار من قبل شعبنا . فيا ترى ما قيمة ممارسة ديمقراطية لا تحكمها القدرة على لي اذان من أستهتر بحق شعبه من القادة السياسيين بعد ان أصبح سلوكهم يتسم علانية بالاسفاف والصلف والاستهتار؟ وحتى بلغ استهتارهم أنهم عمدوا للتوسط من اجل اطلاق سراح الارهابيين والمجرمين والقتلة من السجون بعد ان تمت ادانهتم ؟ وهنا نريد ان نتسائل عما اذا كانت تلك المحاولات في منح الارهابيين فرصة العودة الى الشارع لتحطيم اركان المجتمع وتدمير الشعب والعودة الى حكم البعثي - الفاشي ، قضية فيها وجهة نظر لكي تمتنع الحكومة في انزال القصاص بهم؟

فقد أشار النائب السيد حاكم الزاملي عن كتلة الأحرار الممثلة للتيار الصدري، عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب، إلى امتلاكه "ادلة تؤكد أن بعض القادة يتوسطون لهؤلاء المجرمين القتلة"، كما ووجه النائب نفسه إتهاما الى القيادي في القائمة العراقية المرشح لمنصب نائب رئيس الجمهورية السيد طارق المشهداني"الهاشمي " في ضلوعه في عملية هروب أمراء تنظيم القاعدة من السجون العراقية . وانه "يمتلك أدلةً ثبوتيةً عن هذه القضية". وأضاف الزاملي: "هناك مجرمين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين وتم الحكم عليهم بأكثر من إعدام دون أن تنفذيها" !!!.

فنحن ما عدنا نحتاج الى من يجعلنا ندرك لماذا يعمد السيد طارق الهاشمي بالاعلان عن صلافته هكذا متحديا مشاعر شعبنا بدعم الارهاب ، إلا لانه يعلم جيدا أنه قد أمن العقاب . فالسيد طارق الهاشمي أو السيد محمد سلمان من نفس الكتلة وغيرهم كثيرون ، قد استوعبوا شروط اللعبة وباتوا يعلموا جيدا من خلال عشرات التجارب المخزية في الماضي والحاضر، من انهم ناجون من أي عقاب مهما كانت قذارة جرائمهم تلك . ويأتي ضعف الحكومة وخنوعها في ردع تحديات هؤلاء ووضعهم وراء القضبان ، سببا رئيسيا في تشجيع هؤلاء في المضي في استهتارهم .
فاذا كانت حكومة بهيبتها ودستورها وعلمها وجيوشها غير قادرة على ردع هؤلاء فما الذي يرجوه شعبنا من حكومة كهذه؟ ثم اذا لم تكن الحكومة قادرة على الردع ، فلماذا تستمر في تحمل المسؤولية أمام الشعب؟

وبالمناسبة ، لمن لا يعلم بعد كيف تتصرف الولايات المتحدة مثلا ، وهي بلد يتوارث الديمقراطية في أرقى صورها وممارساتها ، تجاه من يحاول ألاسائة الى ديمقراطيتها ، أوالمساس بأمن شعبها وسلامته ، أنها تقوم باستخدام القسوة المفرطة مع المجرمين ممن تثبت ادانتهم في ضلوعهم في الارهاب، وكذلك أيضا مع اؤلئك المجرمين ممن يتعذر اصلاحهم . إذ لا تقوم السلطات بسجن هؤلاء المجرمين في السجون العادية ، بل يتم سجنهم في ألاقفاص الحديدية المستخدمة في ايواء الحيوانات المفترسة بحيث يوضع السجين في القفص في وضع مقلوب " راسا على عقب" ، وتظل رؤوسهم الى الاسفل وأرجلهم الى الاعلى هكذا وبدون أدنى رحمة.

أما من يرتكب جريمة قتل شرطي أمريكي , فالويل والثبور له . حيث يطلق عليه حراس السجن لقب (قاتل الشرطي ) ، Cop killer
من اجل تمييزه عن سواه بهدف التعامل معه باقصى قسوة ممكنة من قبل ادارة السجن . وفي كل ليلة ، يقوم حراس السجن بجلب ذلك السجين من زنزانته ليشبعوه ضربا حتى يغمى عليه ، ثم يعيدونه ثانية الى زنزانته. فبهذا فقط يمكن للأمن ان يستتب . وبهذه الطرق والوسائل من البطش تتمكن السلطات الامريكية من لي أذان من يحذوا حذوا السيد طلرق الهاشمي أوغيره . فأين الثرى من الثريا يا حكومتنا الوطنية؟

ولكن لا بأس ان نتسائل : هل أن العيب في مبادئ هذه الديمقراطية نفسها ، أم أن الخلل في ظروف التطبيقات الشاذة والتساهل مع المجرمين والعابثين بأمن شعبنا؟
فديمقراطيتنا العليلة هذه ، وما تم تطبيقه من مبادئها ، من حرية الانتخاب وحرية الرأي، باعتقادي قد جعل شعبنا يعاني من نتائج تلك التطبيقات بعد ان اقترنت ممارستهما بتفاقم ظروف الارهاب والقتل حتى أصبحت الديمقراطية مجرد نقمة حلت عليه .

فلقد برهنت الانتخابات على انها وبالا على شعبنا بعد ان جلبت معها ولدورتين انتخابيتين واقع خطر لقوى مهووسة لا يمكن ان توصف باستهتارها في أذى شعبنا ، حتى بين اكثر شعوب خلق الله كراهية لشعوبهم وأوطانهم . فقد جاءت تلك الكتل السياسية لتعمق النعرات الطائفية والمحاصصات والفساد الاداري واللصوصية وتفجير الازمات السياسية ومزيدا من القتل والارهاب وعدم الاستقرار وبث الرعب والخوف والقلق في النفوس . وكان كل ذلك ، بهدف الاجهاز على القيم الاخلاقية والدينية والاسائة الى العدالة السماوية ومحاولات القضاء على التحضر والحداثة وجعل قيم الباطل بديلا للحق والعدل والمساوات بين فئات شعبنا. حيث حاول هؤلاء السياسيون وبدعم خارجي من نشر ايديولوجية الفكر الارهابي بهدف تمزيق المجتمع . وكانت نتيجة ذلك السلوك المدمر ان اختفت مظاهر السلطة الحكومية تحت امواج الفوضى والصراعات المريرة في مجتمع كان يغرق في ظلام دامس ، فأنساها ذلك واجباتها تجاه شعبها ، مما جعل الشعب ينظر اليها من زاوية ضعفها العريض فقط . وكان من بين الامور التي تؤاخذ عليها الحكومة ، ان الاستاذ المالكي استمر في اهمال مسؤوليته تجاه الشعب ، ولم يلتفت الى المطالب الملحة لشعبه حتى بعد زوال الكثير من أسباب الفوضى وخصوصا بعد فرار ارهابي القاعدة وتركهم العراق . و استمر ذلك النهج السلبي تجاه المطالب الحياتية لشعبنا ، الى ان اندلعت تظاهرات 2-25-11 وما جلبته معها من هزة كبرى راحت تهدد الكيان الحكومي ، وان كانت ما زالت النتائج لم تحسم بعد .

من جانب اخر ، نجد أن لحرية الرأي والاعلام رغم كل محاسنها كمبدأ عملي من اجل احترام الفكر الانساني وتشجيع ابداعاته ، لكن هذه الحرية أصبحت وللاسف نقمة اخرى من خلال تسلط وهيمنة فضائيات البعثيين وكتل الاسلام السياسي والدعم المباشر من دول الجوار وما اكتسبوه من خبرات في تسويق الافترائات والدجل على أوضاع شعبنا بعد ان تم عزل اعلام الحكومة الضعيف والهيمنة عليه بحيث تم خنقه وعرقلته والتشويش على الارادة الشعبية من خلال كل محاولات تيئيس شعبنا.
كما وكان فتح ابواب الرأي أمام الجميع بحرية ، قد اتاح الفرصة للاقلام الحاقدة والمأجورة من الاسائة الى المناخ الديمقراطي العام والطعن فى الشخصيات الوطنية وتخوينهم .

وعليه أصبحت محاولات الاصرار على تطبيقات المبدئين في الحقيقة رحمة كبرى لخونة وأعداء العراق ولكل من يستطع الانتفاع بشكل مباشر او غير مباشر من استثمار كراهيته لشعبنا والاسائة اليه وارهابه وقتله وسرقة المال العام ، وبأقصى ما يمكن ان توفره مساحات عدم استخدام الوسائل المضادة من اجل هذه الديمقراطية العليلة. فضلا عن كل محاولات استغلال بنود الدستور التي تمت صياغتا وفق مقاسات هذه الكتل السياسية ومن ينتمي اليها من هؤلاء أو من ساهم في كتابتها تحت ظروف الارهاب والفوضى حينذاك.

وهكذا ظلت الحكومة عاجزة حتى عن تقديم تطبيقا صحيحا للقانون من شأنه أن يثبت ارادتها واستمرارها في تحمل مسؤوليتها وفي كثير من الوجوه ، حتى صار الاحجام عن تطبيقها للقوانين أمرا يبعث على الاعتقاد ان الحكومة غير متمسكة أو معنية في ذلك ألالتزام الرسمي . وإلا فكيف تستطيع الحكومة مثلا تبرير بقاء الارهابي بدون تنفيذ الحكم به بعد ان حوكم وادين ؟ ومالذي يجعلها تحجم عن تنفيذ الحكم في قاتل فجع اطفالنا وترملت نساءنا من جرائمه؟ وما الذي يجعلنا نحاول الترفيه عن الارهابي المجرم في السجن من خلال جعله يمتلك (تلفون خلوي) بحيث يستطيع إدارة العمليات الارهابية من مكانه في السجن وتمكينه من الاتصال بمجموعته أو أغراءه للبعض من اجل الارتماء في احضان الارهاب؟ وهل بالامكان أن نرى دليلا على بلد يمارس الديمقراطية ويفعل ما تفعله حكومتنا المنتخبة وقد نكون قد اتخذنا من ذلك البلد مثلا نحتذي به في مارسة ديمقراطيتنا ؟

ثم هل يمكن تحقيق الديمقراطية في مجتمع يخضع بقوة الى ظروف لا تسيطر فيها الحكومة تماما على زمام الامور ، ولا تمتلك ما يمكن التنبوء به لكتل سياسية تتصارع فيما بينها من اجل تحقيق مصالحها الذاتية في المقام الاول ؟ ثم تسعى هذه الكتل من اجل جعل مسألة توفير ألامن والاستقرار للشعب أمرا مستحيلا ؟ فنجدهم يستغلون الفرص من اجل تفجير الصراعات ومطالبة الحكومة بتقديم التنازلات وحينما لا يحققون أهدافهم نجدهم يعمدون الى التهديد باعادة الانتخابات أوالانسحاب من العملية السياسية ؟ فهؤلاء هم شياطين الفساد والافساد . وهؤلاء هم من يستغلون مواقعهم في السلطة للقيام بعمليات شراء المعدات التالفة والعاطلة عن العمل من الخارج ، وهم من يختلق الشركات الوهمية وصرف المليارات من الدنانير اجل وجودها الكاذب وتأخذ تلك الاموال طريقها الى حساباتهم في البنوك الخارجية بينما لا يجد شعبنا ما يسد به رمقه.

وفي الختام ، باعتقادي أن ما تجلبه علينا ممارسات وتطبيقات الديمقراطية الخاطئة من مصائب سواءا من خلال فسحة حرية ألرأي الذي يستغل ضدها ، أومن خلال الاحجام أو التساهل عن المحاسبة تحت ذريعة لوائح حقوق الانسان أو غيرها . أو عند حصول الخروقات الامنية أو عند هروب الارهابيين والمجرمين المتكرر من سجونهم أوفي التوسط لهم لاطلاق سراحهم أوفي تواطئات القادة السياسيين وقوى الامن مع الارهابيين ، انما كل ذلك هو نتائج ما تبديه الحكومة في تساهلها مع الفساد ، وكذلك نتيجة للممارسة الخاطئة لمبادئ الديمقراطية في ظروف غير مناسبة في توقيتاتها .

ولكننا نعتقد أيضا أن الوقت ما زال جديرا باستغلاله من اجل الاصلاحات التي من شأنها أن تعيد لهذه الحكومة المنتخبة باكثرية تحالف كتلها ، توازنها وهيبتها من اجل ان يكتب التاريخ ولا أول مرة ، وبعد اربعين عاما من الفساد والارهاب ، ان العراقيين عاشوا اخيرا في ظل اراداتهم .
[email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة