الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة كأمر واقع .. الحالة المصرية

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 5 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الثورة كأمر واقع .. الحالة المصرية
قد تتعجب من عنوان المقال.. ولكني لم أجد خيرًا منه للتعبير عن فكرتي.. وأقصد بذلك أن الثورة المصرية فرضت نفسها على الثوار قبل أن تفرض نفسها على قوى الثورة المضادة. وهذه من الخصائص المميزة للثورة المصرية..
فقبل الثورة بأيام.. ولا أقول بساعات.. لم يكن الشباب الثائر، ولا القوى السياسية المعارضة، ولا أساطين الحزب الحاكم، ولا قادة القوات المسلحة ينتظرون أو يتوقعون أن يكون الآتي ثورة سياسية كاملة.. فقد كان الأكثر توقعًا ألا تتعدى تظاهرة أو اعتصامًا كبيرًا..
صحيح أن الجميع كان يشعر بأن حالة احتقان وغليان شديدة تجتاح المجتمع.. ولكن سادت عند من في السلطة فكرة أن البوليس والإعلام كفيلان باستيعاب الاضطراب القادم..
كما سادت عند بعض المحللين التقدميين فكرة فحواها أن تمرد الشارع السياسي (القديم ممثلاً في الأحزاب الشرعية وغير الشرعية، والجديد ممثلاً في الحركات الاحتجاجية والتجمعات الشبابية في الفضاء الإلكتروني) قد يساعد على انفجار ما أسموه "ثورة جوعى في العشوائيات" ستلتهم الأخضر واليابس، وستكون أفضل مبرر لمزيد من القمع..
ولكن الذي حدث يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011 قلب كل الحسابات النظرية رأسًا على عقب.. فالقمع البوليسي الدموي استفز الجماهير فنزلت بمئات الألوف لتحمي شباب مصر الباسل، كما حسمت بعض القوى السياسية المعارضة ترددها (وفي مقدمتها الإخوان المسلمون) فانضموا إلى الحركة في الشوارع والميادين، حتى دون ا تعليمات من القيادات.
تطورت الثورة مثل كرة النار، ولكن دون أن يكون لدي الثوار خريطة طريق واضحة.. غير أن الفطرة الثورية السليمة جعلت الجماهير تدرك أن الثبات في الميدان (رمزيًا ميدان التحرير وكافة الميادين الرئيسية بالمدن المصرية) هو وحده الكفيل بانتزاع المكاسب الثورية المتتالية.
ومنذ تولي الجيش إدارة الأزمة، بدلاً من الشرطة التي أعيتها السبل وارتكبت من الجرائم ما لم يسبق له مثيل في التاريخ المصري الحديث، وبدلاً من أجهزة الدولة "المدنية" والحزب الحاكم اللذين أثبتا فشلاً ذريعًا في التعامل مع تحدٍ ضخم ومفاجِئ.. أدرك المجلس العسكري أن الشعب لم يعد يطيق أن يُحكَم بنفس الطريقة، وأن النظام السابق قد سقط فعليًا- خاصة بعد فضيحة التفريغ الأمني والبلطجة- ولا مناص من التخلي عن أوراق النظام الاحتياطية واحدة بعد الأخرى.. فاحترقت ورقة عمر سليمان، وورقة أحمد شفيق..
لست بصدد سرد أحداث يعرفها القارئ جيدًا.. ولكن السمة أو المفارقة الواضحة للتفاعلات السياسية حتى الآن هي أن الثوار ليسوا في السلطة، وأن المجلس العسكري هو الذي يلبي بعض مطالب الثوار على مضض أحيانًا.. وهو أمر طبيعي لأن المجلس ليس من قام بالثورة، ولأن القوى الثورية ليست منظمة بما يكفي لأن تأخذ الأمور كاملة بيديها..
بل إن التشققات بدأت للأسف تحدث في صفوف الحركات الشبابية الجديدة، خاصة مع عمليات الاستقطاب الهائلة المدعومة بالأموال الخارجية والتلميع الإعلامي والغزل الحكومي.. كما أن هذه الحركات قامت أساسًا بهدف هدم النظام القديم، وهذا هو ما وحدها.. ولكن بعدما تهاوى النظام اكتشفت هذه الحركات أن ليس بين أيديها خطوة موحدة للبناء بعد الهدم.
لا يزال المجلس العسكري يتصرف بذهنية إدارة الأزمة وليس التغيير الثوري.. بمعنى أنه مثلاً لا يريد أن تتطور الثورة السياسية (المنادية بالحريات السياسية والمدنية) إلى ثورة اجتماعية تهدد بتغيير جوهر النظام الاجتماعي في البلاد.. وهذا يفسر العصبية التي يتم بها التعامل مع ما أسموها "المطالب الفئوية".
كما أتصور أن المجلس العسكري في حيرة من أمره حول طبيعة النظام القادم، هل يكون رئاسيًا أم برلمانيًا، وحول موقع المؤسسة العسكرية في أي نظام قادم وإلى أي مدى يمكن أن يكون هناك تدخل مدني في شئونها.. ثم السؤال المحير الكبير حول من سيكون رئيس مصر القادم.. وهل لدى المؤسسة العسكرية مرشح من العسكريين السابقين..
أصدق أن المجلس العسكري لا يريد للأزمة (أو الثورة) أن تصرفه عن مهامه الأساسية في حماية الأمن القومي.. ولكنه لا يستطيع مثلاً تجاهل أن صعود بعض التيارات السياسية والدينية سيكون له أثره على إدارة وفهم طبيعة العلاقات مع الغرب والكيان الصهيوني.. كما أن موجة الثورة في الأقطار العربية تعيد ترتيب الأوضاع الإقليمية، ومن بينها التفاعلات الأمنية..
عمومًا هناك مجموعة من المهام أو التحديات التي ستواجه المجلس العسكري في الشهور المقبلة، سيكون عليه أن يحسمها بحكمة وحزم في آنٍ.
أولاً، هناك مهمة الحفاظ على وحدة المؤسسة العسكرية بحيث لا تؤثر فيها الأنواء السياسية، والتأكيد على أن الدور السياسي الذي يلعبه المجلس (مضطرًا) الآن لا يعني أي تغيير في الطابع الاحترافي للجيش المصري.
ثانيًا، إعادة بناء مؤسسة الأمن الداخلي لاستعادة الشعور بالأمن في المنازل والطرقات والأعمال، مع وضع هذه المؤسسة تحت إشراف مدني ومساءلة قضائية. كما أنه لا يتصور إمكانية إجراء انتخابات نيابية أو رئاسية في ظل شحوب دور المؤسسة الأمنية، أو عودتها مثقلة ببعض عيوبها القديمة وخاصة اهتمامها بأمن النظام الحاكم وليس أمن المجتمع.
ثالثًا، بناء نظام ديمقراطي مدني يقوم على تداول السلطة عبر انتخابات دورية ونزيهة لكل مستويات السلطة المركزية والمحلية، وإطلاق الحريات الكاملة للجماعات المدنية والسياسية.
رابعًا، حماية مصر من الوقوع في براثن الفتنة الطائفية، من جراء تصاعد نفوذ الحركات السياسية الدينية، ونفوذ المؤسسات الدينية والفضائيات الطائفية. وهي مهمة شاقة ومتناقضة تتطلب إطلاق الحريات السياسية مع عدم السماح للطائفية بتخريب قواعد الدولة المدنية أو تهديد المواطنة.
خامسًا، تحصين الاقتصاد المصري من "تسونامي" اقتصادي بسبب اضطراب الإنتاج وتضخم الأسعار وتفشي البطالة وركود السياحة..الخ. فضلاً عن الضغوط المالية التي سيمارسها الغرب وبعض دول الخليج التي تخشى تغير التوجهات الاستراتيجية والأمنية للنظام الحاكم في مصر. ومن الطبيعي أن يكون للأخطار الاقتصادية المتوقعة والتي نرى نذرها الآن، نتائج اجتماعية وسياسية خطيرة.. يصل البعض إلى حد تسميتها بالفوضى.
سادسًا، حماية الأمن القومي المصري من تبعات أزمات إقليمية تأتي من غرب البلاد وجنوبها وشرقها، أي من ليبيا والسودان وغزة على التوالي. أضف إلى هذا احتمال اندلاع حرب في الخليج، إلى جانب مخاطر السقوط "غير الآمن" للنظام السوري، والنتائج المحتملة لهذا في لبنان والأردن.
أعود فأقول.. إن الوضع الحالي في مصر يتصف بالسيولة، أي أنه مفتوح على احتمالات كثيرة.. وسيظل هكذا إلى أن تنجح قوى الثورة في تنظيم نفسها في أحزاب وجبهات ونقابات مستقلة. وأن تتفق فيما بينها على قوائم موحدة للترشيح في الانتخابات الحاسمة المقبلة.
وعندئذٍ يمكن أن نتحدث عن تحول حقيقي في السلطة بأن يعود الجيش إلى ثكناته حاميًا للعملية الدستورية، ومن ثم التحول من ذهنية إدارة الأزمة إلى ذهنية التغيير الثوري الشامل والديمقراطي.. وهو ما يتطلب المزيد من تماسك ووحدة الثوار، والعمل مع ملايين المنضمين الجدد للحياة السياسية في مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ