الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو إعادة ترتيب وبناء البيت الفلسطيني

عبدالله تركماني

2011 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أنّ الفلسطينيين قد أدركوا أنّ الربيع الديمقراطي العربي قد دشن عصراً عربياً جديداً، يفتح الأفق واسعاً لعودة القضية الفلسطينية إلى حاضنتها العربية الدافئة، بعد عودة الروح إلى العرب، خاصة بفعل ثورة مصر المجيدة، التي تعتبر بمثابة عامل قوة لشعب فلسطين وقضيته، وبمثابة فرصة لاستنهاض أوضاعه، وفتح خياراته السياسية.
هكذا قدم التغيير في مصر، المحمول بقوة الثورة الشعبية، فرصة جديدة، لإعادة الحيوية للقضية الفلسطينية، ولاستنهاض الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، لكنّ المهم أن يحسم الفلسطينيون أمرهم في إعادة بناء أوضاعهم، قبل فوات الأوان.
لقد جاءت الثورة المصرية لتغيّر كثيراً من المفاهيم والرؤى حول القضية الفلسطينية، فلم تعد الورقة الفلسطينية مثار مزايدات لدى القادة المصريين الحاليين, بل بدا واضحاً أنهم ينظرون إلى دور مصر الإقليمي والدولي في هذه القضية أكثر من حرصهم على الاصطفاف إلى جانب فريق فلسطيني دون آخر.
ومن دون التقليل من أهمية العوامل الذاتية الفلسطينية الضاغطة من أجل المصالحة، والمتمثلة بالحركات الشبابية والضغوط الشعبية وإدراك قيادات حركتي " فتح " و " حماس " لواقع انسداد مشروعيهما، فإنّ العوامل، وبالأحرى الضغوط، الموضوعية الخارجية هي التي حسمت في اتجاه المصالحة وإعادة ترتيب وبناء البيت الفلسطيني الداخلي. ففي الواقع أنّ قيادتي الحركتين، بالنظر إلى انسداد الأفق أمامهما، ما كان بإمكانهما تجاهل الارتدادات الناجمة عن الثورات الشعبية العربية على ساحتيهما في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا تجاوز التغيّرات النوعية الحاصلة في البيئة السياسية الإقليمية، وضمنها استعادة مصر لدورها العربي والحراك الشعبي في سورية من أجل التغيير، والتحول الأمريكي الاضطراري لمواكبة الربيع الديمقراطي العربي، الذي ربما يدفع نحو تحرر نسبي للسياسة الأمريكية الشرق أوسطية من ضغوط اللوبي الإسرائيلي.
وعليه، لن تستطيع " فتح " و" حماس "، خاصة بعد أن أضحى الشباب الفلسطيني قوة ضغط فاعلة، مواصلة سياسة التلكؤ واحتكار صناعة القرار الفلسطيني بحسب ما تمليه المصلحة الحزبية الضيقة. إذ أنّ شعاري " فلسطين أكبر من الكل " و " الشعب يريد إنهاء الانقسام "، اللذين صدح بهما شباب فلسطين منذ 15 مارس/آذار الماضي، كان تأثيرهما كبيراً على الوجدان الفلسطيني. ومعنى ذلك أننا بصدد تحوّل كبير في طبيعة التسييس الفلسطيني وأجياله وتوجهاته الأساسية، إذ أنّ أهم ما حملته حركة الشارع الفلسطيني يكمن في شعار إنهاء الانقسام فوراً ومن دون تلعثم واشتراطات أضرت بالشعب وبقضيته ووحدته وخدمت عدوه.
وهكذا جاءت الفرصة التاريخية كي يسارع الفلسطينيون إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس برنامج سياسي ونضالي مشترك، قادر على استنهاض وتوحيد الشعب الفلسطيني مجدداً، داخل الوطن وخارجه. ومن هنا أدركت قيادتا " فتح " و " حماس " أنّ تفعيل هذه المعطيات، الذاتية والعربية والإقليمية والدولية، تقتضي منهما إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وإحياء منظمة التحرير الفلسطينية وتجديدها وإعادة بناء مؤسساتها ومنحها شرعية جديدة أصبحت تفتقدها بعد تآكل برنامجها الوطني. كما أدركت القيادتان أنّ بناء الإجماع الوطني الجديد هو الطريق الذي يؤدي إلى توحيد الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال.
إنّ المصالحة الوطنية هي القاعدة الأساسية التي من دونها لا يمكن انطلاق أي عمل فلسطيني جاد وفاعل لمواجهة السياسات الإسرائيلية المتعنتة، أو لكسب التأييد للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، أو التعامل مع أية أطروحات أو أفكار للسلام يمكن طرحها خلال الفترة المقبلة.
وإذا كان صحيحاً أنّ الاتفاق المعلن عنه يقتصر على جوانب إجرائية تتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تضم مستقلين تكنوقراطيين، وتتولى التحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية خلال سنة والاهتمام بالأمور المعيشية وبإعادة إعمار غزة وبالتنسيق الأمني بين أجهزة السلطتين في الضفة وغزة. فإنّ هذا الاقتصار ليس من دون حمولة سياسية تؤهله، في حال ما صدقت النيات واستُجمعت الشروط، لأن يكون برنامج طريق لإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية على أسس مختلفة مستوحاة من مناخ الربيع الديمقراطي العربي. كذلك يرتسم في أفق المصالحة الاستعداد للاستحقاق المتوقع في سبتمبر/أيلول القادم، حيث يُفترض أن تعلن دول كثيرة في الأمم المتحدة عن اعترافها بالدولة الفلسطينية بعدما شقت دول من أمريكا اللاتينية وجهة الاعتراف هذا. إذ سيكون صعباً ومربكاً أن تتعامل السلطة الوطنية الفلسطينية مع الاعتراف الدولي بالدولة في ظل الانقسام الذي يشطر المجتمع الفلسطيني نصفين متقابلين.
إنّ الفلسطينيين أحوج ما يكونوا لإعادة الروح إلى مشروعهم للتحرر الوطني، لاسيما على ضوء وهج الربيع الديمقراطي العربي، وإعادة صوغ البنى الوطنية الفلسطينية على قاعدة مؤسسية وديمقراطية وتعددية وتمثيلية. مما يشير إلى عدم كفاية التوقيع على اتفاقية المصالحة لتجديد المشروع الوطني الفلسطيني وإنقاذه من حالتي الضياع والتمزق، ولا لتعزيز وحدة الشعب الفلسطيني حول مصيره المشترك، في الخطابات والبنى والوسائل، ولا لمواجهة التحديات الإسرائيلية في هذه المرحلة. لأنّ الاتفاقية تلحظ إيجاد نوع من التقاسم الوظيفي بين الفصيلين المهيمنين على المجالين المجتمعي والسياسي للفلسطينيين، بعيداً عن المعطيات الديمغرافية والسياسية والحركية المتشكلة في الساحة الفلسطينية، وهي معطيات لم تعد تخضع للخريطة الفصائلية التي تآكلت واستُهلكت خلال ما يزيد عن أربعة عقود.
ومن ثم فإنّ الطريق ما زال طويلاً ومليئاً بالعثرات، إلا أنّ الاتفاق تطورٌ يجب أن يُحتفى به، وأن يُحضَّ الفلسطينيون على الحفاظ عليه والتعاطي المجدي مع صعوبات تنفيذه، وهو خير دليل على أنّ التطور الإيجابي في الأوضاع العربية يصب في صالح النضال الفلسطيني والوضع العربي في معادلة الصراع مع إسرائيل. ويبقى الموقف الفلسطيني هو الأساس في المصالحة، فلا يجوز أن يبقى الصراع على السلطة متحكماً بحركتي " فتح " و " حماس ". ورغم الإحباطات السابقة، ثمة ما يستدعي الأمل بأن يستقر الاتفاق الحالي ويتطور، أو يرسو على حد أدنى، أقله تجنّب المهاترات الإعلامية، وخاصة تجنّب الاحتكام إلى السلاح، وأن يسود منطق السعي الدائم إلى تحديد الأولويات الوطنية الفلسطينية وإلى تغليب الأساسي على الثانوي. بمعنى أن تولد قنوات للحوار وتبادل الرأي والتوصل إلى تسويات تاريخية بين أطياف الشعب الفلسطيني، بدل حالة التنافس البشعة التي كانت قائمة. فما لم يتجسد الاتفاق بإعلان سياسي مشترك، يمنع الانقسام مرة أخرى على برنامج الحكومة الفلسطينية القادمة أو السلوك السياسي لقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، فيكون الطرفان، قد أجّلا الانقسام لمرحلة حرجة لاحقة قد تنتهي إذا استمر الانقسام في الرؤية والبرنامج السياسي إلى إجهاض مشروع الدولة الفلسطينية. ولا يقل أهمية عن ذلك أن تتفق " حماس " و " فتح " على تحكيم الخيار الديمقراطي والرضوخ لقرار الأغلبية، مهما كانت النتائج، لأنّ ذلك كان مبعث الاختلاف والانقسام في المرحلة السابقة، أي ضعف الممارسة الديمقراطية.
إنّ المصالحة الحقيقية هي الطريق لإعادة تجميع وترتيب أوراق القوة الفلسطينية، ومن أجل إعادة النظر في المنهجية السياسية القائمة، ورد الاعتبار إلى العمق العربي لقضية فلسطين، على ضوء التحولات العميقة الجارية في البيئة الإقليمية المحيطة. مما يستوجب أن تكون المصالحة وفق رؤية تؤسس لعقد سياسي جديد بين فئات وتيارات وقوى الشعب الفلسطيني وتجمعاته، على أساس استمرار النضال والمقاومة بكل أشكالها الممكنة، وإعادة الاعتبار لحركة التحرر الفلسطينية ولمشروعها الوطني.
وفي سبيل نجاح مسيرة المصالحة، كحاجة ومصلحة فلسطينية بالدرجة الأولى، من المؤكد أنّ التحديات الراهنة تولّد إدراكاً فلسطينياً عميقاً لضرورة الاستفادة من دروس التجربة السابقة التي بيّنت أنّ الاتفاق على الخطوط العامة لا يحل الخلاف، وهو ما يستدعي تحريم العودة إلى الاقتتال، وتجاوز مفهوم المحاصصة، والارتقاء فوق المكاسب الحزبية الضيقة.
ومما يسهم في إعطاء الزخم للحركة السياسية الفلسطينية القادمة أنّ المهام التي حُددت في اتفاق المصالحة للحكومة المؤقتة لا تتضمن أية مهمة سياسية. وبانتظار استحقاق أيلول/سبتمبر القادم، ازدادت القناعة بأنّ المصالحة تنطوي على أهمية بالغة حين تطلب السلطة الفلسطينية اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين على المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، من موقع الوحدة والتمثيل الكامل للضفة الغربية وقطاع غزة، ووأد ذريعتي " الانقسام " و" التمثيل الناقص " اللتين كانتا ترفعان في وجه الفلسطينيين، للتهرب الإسرائيلي من عملية السلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة..


.. مفاوضات الهدنة.. ضغوط متزايدة على نتنياهو لقبول الاتفاق




.. الناخبون الفرنسيون يصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات ال


.. اعتراض صواريخ في سماء جبل ميرون أطلقت من لبنان




.. قوات الاحتلال تقصف مدرسة العائلة المقدسة في غزة