الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمبابة .. بدلاً من إريتريا

سعد هجرس

2011 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


كنت فى زيارة إلى السودان، الشمال والجنوب، ضمن الوفد الشعبى المصرى بقيادة الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد. وهى الزيارة التى تندرج تحت ما يمكن تسميته بـ "الدبلوماسية الشعبية"، التى تحاول مساندة الدبلوماسية الرسمية "الجديدة" فى إصلاح ما أفسده النظام القديم داخليا وخارجياً.
وغنى عن البيان أن السودان، بشماله وجنوبه، قد تحول فى السنوات الأخيرة من عمر النظام السابق من "عمق استراتيجى" لمصر إلى "جرح" نازف يستنزف قدرات البلدين ويهدد إمكانياتهما الهائلة ويوظفها لمصالح أنانية وشخصية ضيقة. وبدلاً من تعميق العلاقات التاريخية بين القاهرة والخرطوم وتعزيز التعاون بين الشعبين الشقيقين تم تسميم الآبار وزرع الهواجس والشكوك، التى إختلقها الحكام ودفع ثمنها الناس فى شمال الوادى وجنوبه على حد سواء.
ومن هنا .. عولنا على هذه الزيارة "الشعبية" التى ضمت من الجانب المصرى ممثلين عن أحزاب الوفد والناصرى والغد وشخصيات عامة من المفكرين والمثقفين ورجال الأعمال، واستهدفت إجراء لقاءات وحوارات مع الطبقة السياسية السودانية بكل مكوناتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
وقد أثبتت التجربة العملية مدى أهمية هذه اللقاءات "الشعبية"، وكيف انها استطاعت فى غضون ساعات معدودات أن تحقق إنجازات لا بأس بها، ولا يجدر التهوين من شأنها. وهذا موضوع سنعود إليه فى مقال قادم للحديث عنه بالتفصيل.
***
المهم .. أنه بعد قطع شوط معتبر من تلك اللقاءات المثمرة فى السودان الشقيق، وبينما كنا نتأهب لحزم حقائبنا وشد الرحال من الخرطوم إلى جوبا، عاصمة الجنوب، ثم إلى أسمره عاصمة إريتريا لاستكمال مهمة الوفد الشعبى.. باغتتنا الأنباء السوداء عن الأحداث المرعبة التى جرت وقائعها المفزعة فى إمبابة. ورأينا على شاشات الفضائيات تلك المشاهد البشعة لاضرام النيران فى الكنائس والاقتتال المجنون بين المصريين بلاقضية، اللهم إلا إذا اعتبرنا مهزلة "عبير" وذيول مهزلة "كاميليا".. قضايا.
ومع ذلك فإن هذه التوافه من الأمور – بكل ما تحمله من خلفيات ثقافية متخلفة ومنحطة .. فضلاً عن أنها مريبة – وجدت من ينفخ فيها حتى تضخمت وتورمت وتوحشت وأصبحت تمثل خطراً على الوطن والأمة.. ليس فى رأينا فقط وإنما باعتراف وزير العدل المحترم المستشار محمد عبدالعزيز الجندى الذى قال فى تصريحاته المتعلقة بهذه الأحداث المأساوية أن "مصر أمة فى خطر"!
***
وبالتالى .. فإن الوفد الشعبى قرر قطع مهمته الخارجية بعد التشاور بين أعضائه حول هذه التطورات المصرية المفزعة. وعدنا مساء الأثنين الماضى لنتابع تفاصيل وتداعيات وتوابع هذه التراجيديا المخيفة التى وضعت بلادنا فى مرمى الخطر.
والتفاصيل كثيرة ومتضاربة، لكنها كلها مقرفة ومحبطة، خاصة وأنها تكاد أن تكون تكراراً حرفياً لكوارث سابقة.
وهذا يعنى أن أسلوب معالجة الحوادث السابقة، ذات الصبغة الطائفية، لم يفشل فقط فى علاج ماسبق، وإنما هو قد مهد الأرض أيضاً لإعادة إنتاج نفس الأزمات رغم ما تحمله من مخاطر "وجودية".
***
والأسلوب الذى استخدمته الحكومة فى الحالات السابقة هو أسلوب المسكنات الوقتية، دون الاهتمام باستئصال الورم الخبيث من جذوره، وأسلوب "التسويات" التى تمسك العصا من المنتصف وترفع شعار "عفا الله عما سلف"، ولا تطمح إلى ما هو أكثر من "التصالح" بين الأطراف المتناحرة ليس على أرضية القانون بل على أرضية "العرف". ولهذا لم تجرى – مثلا – محاكمة من قاموا بالهجوم على كنيسة "صول" وهدمها وتسويتها بالأرض، كما لم تجرى محاكمة من قاموا بالاعتداء على مواطن فى قنا وقطع أذنه بدعوى "إقامة الحدود"، كما لم تجرى محاكمة من قاموا بقطع سكك حديد مصر هنا وهناك رغم مخالفة ذلك للقانون.
والأخطر أن حكومتنا الرشيدة لجأت إلى الزعامات "الروحية" لتلك الجماعات التى تتذرع بإقتدائها بـ "السلف" الصالح وغيرتها على الدين الإسلامى الحنيف، لتبرير الاعتداءات الهمجية التى تروع خلق الله وتهز السلم الأهلى .. فضلاً عن أنها تمثل فى التحليل النهائى أقصر الطرق لاغتيال ثورة 25 يناير.. دون لف أو دوران.
***
وقد سئمنا من تكرار إسداء النصح إلى الحكومة بضرورة الحسم والحزم مع الأفراد والجماعات التى تضع بلادنا فى هذا الوضع الخطر.
ولم نطلب بهذا الصدد أكثر من احترام القانون وتطبيقه على الجميع دون تمييز ودون انتقائية.
وسئمنا من تذكير المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة الدكتور عصام شرف بأن المتربصين بالثورة كثيرين، أكثر من الهم على القلب. وأن هؤلاء يضمون خليطاً من فلول الحزب الوطنى المنحل والجزء الفاسد من رجال الأعمال المستفيدين من "رأسمالية المحاسيب" والجزء المنحرف من جهاز مباحث أمن الدولة الذى استمرأ الاستبداد والتربح من تحالف الاستبداد والفساد.. ولا يستبعد أن يكون هناك أكثر من ظهير إقليمى ودولي لهذه الثورة المضادة.
وأن هذا الوضع يتطلب أعلى درجة من درجات اليقظة والحزم وضرورة اجتثاث أقطاب وذيول النظام السابق الذين مازالوا فى مواقعهم فى شتى المجالات.
***
لكن التردد والبطء والرخاوة استمرت هى الغالبة، وكانت النتيجة هى تكرار هذا التحدى للدولة، ومدنيتها، المرة تلو المرة. وفى كل مرة لا يحدث شئ سوى صدور بيانات إنشائية لا تحل ولا تربط.
فى حين أن المطلوب أفعال لا أقوال ، وقرارات حاسمة لا كلمات ناعمة ومراوغة وحمالة للأوجه.
***
والأفعال المطلوبة معروفة ومحفوظة عن ظهر قلب.. ولذلك لا داعى للت والعجن فيها. والجريمة واضحة والجناة معروفون وتحريضهم على اقتراف جرائم إمبابة مسجل بالصوت والصورة ومعروض على مئات مواقع الانترنت وشاشات الفضائيات. ومع ذلك فأنهم أحرار دون حسيب أو رقيب ولا أحد يقول لهم "ثلث الثلاثة .. كام".
وهذا ليس أمرا مرفوضاً فقط .. بل إنه مريب أيضاً.
***
ولهذا فإن الكرة الآن تعود إلى المربع رقم واحد، أى إلى ساحة الثورة التى تريد هذه الأطراف اغتيالها. وإذا كانت الحكومة عاجزة أو تقف مكتوبة الأيدى، فإن من فجروا شرارة ثورة 25 يناير وأجبروا الرئيس السابق حسنى مبارك بكل هيله وهيلمانه على التنحى والرحيل عن قمة السلطة، قادرون على حماية ثورتهم من هذه الأعمال غير المسئولة، وغير المقبولة، من أشخاص وجماعات متخلفة لا تتورع عن إحراق البلاد من أجل أجنداتها البالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مرات
يوسف ابراهيم حنا ( 2011 / 5 / 19 - 12:19 )
سيدى الكاتب تحية طبة
لقد كتبت تعليق على احدى مقالاتك وكتبت فى تعليقاتى على مواقع كثيرة ولزلت اكتب اين القانون
1 -من هاجم دير الانبا بشوى واطلق رصاص حى على الرهبان العزل لماذا لم يستخدم ذلك الرصاص ضد الذين هدمو كنيسة اطفيح
من المسؤل عن مذبحة المقطم فى اى دولة نقدم الجانى
اين عقاب قاطع الاذن فى قنا ام انه فلت من العقاب ونال شهرة لانه البطل فقد طبق حد الله
اين الجيش والشرطة واحداث امبابة طبقا لرواية الشهود استمرت 6ساعات ولماذا لم يتم القبض على المحرضون ففى الدول المتقدمة التى تؤمن بالحرية هناك قانون اسمه التحريض على الكراهية
ماذنب انسان عاش حياته يبنى منزل وفجاة يهدم ويحرق علشان واحد بيؤمن انه كافر وما ذنب حارس كنيسة يذبح لانه وقف على دار كفر وما ذنبى ان اعيش رعب ان يقوم شخص فى اسوان بمعاكسة فتاة مسلمة فيقتلون اقبط القاهرة او انسان ينام فيحلم فيخرج اشاعة قد تكون نتيجتها قتل وحرق ويهرب من العقاب لان القانون فى مصر اسمه قبطى وخليه يتحمل ..والمشكلة كل مرة يقولون سنضرب بيد من حديد على مثير الفتنةولانجد غير الجزم على راس الاقباط هل ياسيدى انا كشخص اجيب بندقية الى ةادافع عن نفسى

اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه