الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثنائية القبلية والتمدن

محمد لفته محل

2011 / 5 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ظاهرة القبلية والتمدن الموجودة في فئات كبيرة من المجتمع العراقي الذي يعيش في المدن التي رصدها عالم الاجتماع العراقي الدكتور (علي الوردي) منذ الخمسينات من القرن الماضي مستخدما مصطلح الازدواجية بدل الثنائية على هذه الظاهرة، والازدواجية مصطلح نفسي أكثر منه اجتماعي وهي تعني التناقض بين فعلين أو سلوكيين، لكن هذا التناقض هو في حقيقته توازي بين فعلين متوافقين في الجوهر؟ لهذا استخدم مصطلح الثنائية لأن السلوكيين متوازيين معا دون أن يتصارع احدهم مع الآخر لا نهما منقسمان من مصدر واحد ألا وهو القبلية لكنها تتخذ أشكالا مدنية! وتتغير أدوار هذه القبلية، والقبلية المتمدنة بحسب البيئة والموقف، فمفهوم التمدن عند المجتمع العراقي هو قبلي المحتوى، فهو ُيقبل على المدنية للتفاخر بأنه صار متحضر وللضرورات المعيشية كتوفر الماء والكهرباء والعمل والخدمات الأخرى، كما كان يتنقل في الصحراء بحثا عن الماء، ويبقى قبليا في تفكيره وفي بيته على أسرته ومتحضرا في ملبسه؟ وينظر للمرأة كقطعة أرض يزرعها موسميا(1)، لهذا يُنجب الأطفال سنويا، ويستثمرهم كالماشية له أي كأيدي عاملة! ويبني بيته الكبير ويعلق على جدرانه صور الخيول وتماثيل النسور والأسود كما كان يربط قرب خيمته الكبيرة الخيول ويجمع النسور للصيد، وُيقبل على سيارته الجديدة كما يُقبل على فرس أصيلة ويسير بها بسرعة جنونية في الشارع كأنه يسير لوحده في الصحراء أو كأنه في سباق خيول، ويعلق عليها ذات التمائم السحرية التي يعلقها على دوابه خوفا من الحسد! فهو يتعلم القيادة كضرورة ذكورية مثلما يتعلم الفروسية، دون أن يتعلم أخلاقيات ألسياقه وقوانين المرور كالالتزام بالإشارة الضوئية، وارتداء حزام الأمان، والتقييد بقوانين السرعة، وعدم استخدام المنبه في الأماكن السكنية، لكنه يلتزم بكل أخلاقيات القبيلة كحضور المآتم والأفراح واجتماعات العشيرة وعدم مقاطعة شيخها أو عصيان أوامره واحترام أبناء عمومته ومناصرتهم ضد الغرباء حتى لو كانوا معتدين الخ، وهذا ما اسميه بالقبلية المتمدنة. فكل شخص يريد أن يمتلك أحدث سيارة وتلفاز وكمبيوتر وهاتف وانترنيت ليتباهى بها أمام الناس دون الاعتبار لوظيفة التكنولوجيا الاجتماعية التقدمية، فهي وجدت لتطوير وتغيير علاقة الإنسان بالإنسان والطبيعة، فالهاتف والانترنيت والساتلايت الذي وجد للانفتاح والاتصال وتبادل المعلومات وتقليص الهوة الثقافية بين الأمم، يستخدم عندنا للصداقات العابرة، وقتل الفراغ، وإشباع الغرائز الجنسية، والترويج للتعصب والتطرف الديني! والشهادة الجامعية لا تعني في مجتمعاتنا أكثر من لوحة تعلق على الحائط ومجرد وظيفة! ومفهوم الثقافة هو ثقافة السلف والتراث القبلي والديني وترديده شعرا وخطابة وقصة كالببغاء، لا زالت الثقافة الدينية هي مثال العلم والمعرفة! ومازال اقتناء السلاح الناري مصدر للتباهي والرجولة والتفاخر ووسيلة لحل المشاكل، وأداة للتعبير في الأفراح والإحزان بإطلاق الأعيرة النارية في السماء التي تقتل الأبرياء عند سقوطها، بدل استخدام الألعاب النارية الملونة كما في المجتمعات المتحضرة، وهذه قيم التفاخر والتباهي هي أساس العقلية القبلية التي لا ترى الأشياء إلا بهذا المنظور، في حين أن قيم التسامح والمساواة والحوار والمواطنة والالتزام بالقانون المدني والنظافة العامة، كلها لا تعني شيئا له؟ فهو يستورد من الغرب التكنولوجيا فقط دون أن يستورد القيم الأخلاقية والمدنية، بحجة موقف الغرب من مساواة الرجل بالمرأة؟ لأن المجتمع العربي بصورة عامة لا يرى في المرأة إلا عورة وجسد مثير، فنحن نرى يوميا رجل يلبس الموضة العصرية مع زوجته التي تلبس العباءة البدوية! فهو ُيطبق القيم القبلية على زوجته فقط أما هو فحر في تقليد الموضة المعاصرة؟ وهذا الانحياز الاجتماعي للرجل بسبب ذكورية المجتمع التي لا ترى في المرأة إلا حيوان للتفريخ ولخدمة الرجل في البيت وإشباع رغباته؟ لهذا مازال القانون العشائري القائم على وحدة الدم، فوق القانون المدني عند الفرد العراقي، حيث قيم الثأر والفصل والدية وإهداء أو تبادل النساء كزوجات، مازالت العشيرة لها دور في اختيار السكن والزوجة والمرشح في الانتخابات، وحتى الجامعي فهو مازال يفكر بعقلية القبيلة، لأن المعرفة لديه هي مجرد معلومات نظرية أو عملية ليس لها علاقة بواقعه الاجتماعي! والمرأة كذلك رغم أنها الضحية الأولى فهي ُتفضل الرجل على المرأة، والولد على البنت، وتتباهى بإنجابها للذكور ولا تهتم ببناتها إلا بتزويجها بأسرع وقت، وتحتقر المرأة التي لا تنجب الذكور وتسمح للرجل أن يتزوج من امرأة أخرى في هذه الحالة؟ رغم أن الرجل هو المسؤول علميا عن تحديد جنس الجنين! وهذه حقيقة علمية يتغاضى عنها المجتمع بكل قباحة حتى لا يدان الرجل! وهناك بعض النساء تقبل الزواج من رجل متزوج لمجرد أنها كبيرة في السن أو مطلقة أو غير جميلة بسبب نظرة المجتمع الذكورية للمرأة التي بلا رجل؟ فالرجل المُتعدد الزوجات ينظر إليه برجولة واحترام وتباهي وحتى ُمتعدد العشيقات والصديقات يُنظر إليه كذلك، بسبب النظرة الذكورية للرجل كملك والنساء جاريات حوله يخدمن حاجاته ورغباته ونزواته.
لهذا أرى أن القبلية مازالت هي التي تحرك معظم فئات المجتمع العراقي خصوصا المناطق الشعبية والفقيرة، حتى وإن اتخذت أشكالا مدنية تبقى عنصر تخلف وتثبيت نفسي نكوصي على الماضي يعيق التقدم الاجتماعي، لكن هناك صراع عند بعض الأفراد للتخلص من هذه الثنائية لصالح المدنية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ من الملاحظ لغويا أن تسمية الأرض والمرأة كلاهما ُتسمى بالعرض ما يعكس وحدة الدلالة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسل الجزيرة يرصد توافد حجاج بيت الله الحرام إلى مشعر منى ل


.. مقترح لحظر بيع السجاي?ر للمولودين بعد عام 2009 في تركيا مدى




.. مناسك الحج.. الجزيرة ترصد توافد الحجاج لرمي جمرة العقبة في أ


.. تفاصيل عملية اغتيال القيادي في حزب الله -أبوطالب- في مدينة ج




.. تقرير استخباراتي أميركي يكشف حجم الخسائر المادية بالبحر الأح