الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرتان بمناسبة ايام الثقافه المندائيه في ستوكهولم

رزاق عبود

2004 / 11 / 1
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


بمناسبة ايام الثقافه المندائيه في ستوكهولم
الف تحيه، و خا طرتان
ألأولى : الصابئه = اصاله

اصدقاء الطفوله، جيران احبه، اساتذةالمدرسة، رفاق درب النضال، والغربه الطويل... هكذا يمكن ان اختصر تعريفى بالصابئه.

عبدالجبار عبدالله، أبن شيخ الطائفه، جاء الى بغداد من الجنوب، ليصبح رئيسآ لجامعة بغداد. نذر نفسه لخدمة ارض الفرات الذي نشأ على ضفافه. ولكن فاشيي 8 شباط القتله، لجهلهم، وكراهيتهم للعلم، وحقدهم على رجاله، احتجزوه في المرافق الصحيه للنيل من مكانته. جاهلين، ككل ألأوباش، انه ينحدرمن قوم يتعاملون، ومنذ الطفوله مع واحد من انقى المعادن " ان لم يكن انقاها" وجوهره النقي لا يصدأ ابدآ. وهكذا بقي عبدالجبار عبدالله علمآ شامخآ، وعالمآ، فيزيائيآ كبيرآ. رمزا وطنيا بارزآ، وصرحا عراقيا عا ليآ ، مربيا، وانسانآ رائعآ. في حين انحدر زعيم القتله الى حفر الجرذان.

قوم تولعوا بالفلك، وبرعوا فيه حتى ظنهم الناس عبدة نجوم. عرفوا مواقع النجوم، والكواكب، وتعاملوا مع الفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، وبقية العلوم كما يتعامل الناس يوميا مع ابسط ألأشياء. وكأن هوايتهم حل الصعاب، وفك المعضلات، وفهم اسرار الكون.

بين فتره واخرى يظهر فنان يطلق عليه "فنان فطري" لعدم دراسته الفن اكاديميآ، ولكنهم شعب فنانين بالفطره. محلات صياغتهم تكشف عن مهارات اصابعهم، ورحابة عقولهم، وسعة خيالهم. تمر في سوق الصاغة في اي مدينة عراقيه فتجد نفسك بين صفين من المعارض،الرائعة التصميم، الباهرة التزيين،البارعة التنظيم. يخلبك بريق الذهب، ويأسرك دمث أخلاق صائغيه. فلا عجب ان أوصى الجاحظ شعراء عصره: "تعلموا الشعر من صاغة العراق".

في محلاتهم ألأنيقه تجد كهولهم، وكوفياتهم الحمراء، وعقالهم، وكأنهم سلاطين الف ليله وليله، او بحارة سفينة نوح...أو الهة سومريه في متحف عريق. يجمعون بين الوقار، والحكمة، وألأبداع ، وهم يعكفون على تحويل المعادن الصلبه، الى تحف ناطقه، وتطعيم الفضه بالمينا. تذكرك لحاهم الوقوره، بعلماء، وفلاسفة، وحكماء اليونان، والفرس، والسريان، والعرب، والهند، ورواد عصر النهضه. وكأنهم شهود على تاريخ طويل يمتد منذ اول لبنة، لأول مدينة، في اول حضاره، معروفة في العالم.

تعلقوا بالفرات، ودجله، والكرخه، وكارون، والطيب، وشط العرب، وماءها العذب الصافي، حد القداسة، وتعمدوا(الصبغه)، وتوضوا(الكرخه) بالماء الجاري، وكأنهم يرسمون مسيرة، ومجرى التاريخ في وادي الرافدين. يحملون نقاء النفوس، وكرم الأخلاق، وعلو الهمم، ورجاحة العقل، وصفاء القلوب، ونظافة الجسد، وطهارة الروح، وعذوبة اغاني الفرات، وانغامه المشهوره.

الماء احد اركان الحياة، أو اصلها عند البعض، ومعهم بداية الحياة، ادم أب الخليقه، وأول النبيين، ويحيى المعمدان، كمؤمنين، والحياة لا تنتهي، ولا هم، مادام ملك النور، ومندا د هي، يحميهم. بصماتهم، عاداتهم، تقاليدهم،أعيادهم ( البنجه، دهفه ربا ، دهفه ديمانا، وغيرها). شعائرهم "الكرصه" ، و النحر "الذبح ألحلال" ، وطيور الماء، والتعميد ،والمندي . كتبهم المقدسه، ولغة طقسيه مقدسه، وخالدة رغم قلة من يجيدوها. رجال دينهم بملابسهم الناصعة البياض" الرستا"، و"التاغه" الحريريه تتوج روؤسهم، وعصا من شجر الزيتون"المركنه"، في اليد اليسرى، وخاتم من الذهب الخالص لملك النورفي اليد اليمنى. طهارة، صفاء قريره، ونزاهة موقف، وصفاء روح لأول دين توحيدي في التاريخ.

في بيئة قاسية، وظروف معاديه، واضطهاد ديني. عاصروا اديان، وحضارات شتى، صمد المندائيون منذ فجر التاريخ بأصالتهم!
فماذا اقول،بعد، غير تقصيري بحقكم. ولكم اعتذاري!!

ألثانيه: الصابئه المندائيه، والمجتمع العراقي

انا لست باحثا اجتماعيا، ولا عارفا بشوؤن ألأقوام، ولست مؤرخآ، ولا جازمآ بشئ. ما ادونه افكار بسيطه واراء اعتقد بها. قد تكون صحيحه، او قد لا تكون. ولعلها تحث ألأخرين على تناول هذا الموضوع الهام. كما أن الأفكارالبسيطه ادناه، لا يمكنها ان ترقى لأيفاء حق عنوان الموضوع الطموح، والواسع، والمتعدد الجوانب. فالصابئه لهم دور، وتاثير، وانجازات، وقيم، واسهامات فنيه، وتاريخيه، وادبيه، وعلميه واجتماعيه، وسياسيه وغيرها. وكل جانب يحتاج الى دراسات، وبحوث، وكتب،وتعمق، وليس خواطر عابره كالتي ادونها ألأن.

لآ ادري، متى وصل الصابئه الى اراضي وادي الرافدين. وربما قد تواجدوا فيه قبلنا جميعآ. ولكني متأكد انهم وصلوه(ان كانوا قد جاؤوه من خارجه) هربآ من ظلم، او مطاردة، طلبآ للأمان في ارض التسامح. فسكنهم ألأصلي ـ حسب البعض ـ هو وادي نهر ألأردن. وربما رحلوا بسبب الغزو العبراني. سكنوا في المناطق القريبه من ألأنهر، وألأهوار ليتمكنوا من اداء شعائرهم، وطقوسهم الدينيه التي تتمحور حول الماء طلبآ للنظافه، والتطهر. هناك في اطراف ألأرياف، ربما، كانوا الحرفيين ألأوائل، حيث لا تستقيم زراعه، أو صيد، ولا يقوم ري دون الحاجة الى مهارات ايديهم البارعة، وحرفيتهم المتقنه.

ومع تطور الحياة، وانتقالهم الى المدن، صاروا ألامهر في صناعة الذهب، وتفننوا فيه وابدعوا. وصار ابناءهم لذكاءهم الفطري اساتذه، وعلماء، ومختصين في الفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، وكان انبه الدارسين، واقدر المدرسين، واشهر المعلمين، في هذه المواد المذكوره، وابرع لاعبي الشطرنج من بين ابناء الطائفه (كل اساتذتي في المرحلتين المتوسطه، والثانويه في مادة الفيزياء كانوا من الطائفه).

والمقام، أو طور (الصبي) في الغناء العراقي، معروف للمختصين، وقد اعجب به رائد المقام العراقي (محمد القبنجي) وغناه. كما غناه أب الغناء الريفي العراقي جبار ونيسه(متزوج من صابئيه)، ثم المبدعين حسين نعمه، وستار جبار(امه صابئيه). وهو يعكس لوعة هذا القوم، وعذاباتهم، ويلخص مرارة الشعب العراقي عامة. وهناك الكثير من الشعراء، وألأدباء، ومؤلفي ألأغاني، وألأبوذيه، والمغنين من الصابئه وهم اسماء لامعه، وليست عابره ولهم ثقلهم. ولا يستقيم تاريخ، ولا تقييم، او دراسة للأدب، والفن العراقيين دون ذكر مساهمتهم.

وفي الحياة السياسيه، ودروب النضال الوطني، برع قادة، ومناضلون من ابناء الطائفه، وارتصفت اسماء ابناءهم، مع نجوم عديده لشهداء الوطن، والحريه . في النقابات، والأحزاب، والصحافه، وفي الحياة ألأجتماعيه. كانوا روادآ، وأبطالآ، وقاده. كانوا عراقيين حقيقيين ولا زالوا. يحملون معهم روح العراق اينما حلوا.

وهناك امور قد تكون حساسه. او مختلف عليها، او ربما تفسر كمجامله، او تحوير، فيجري تجنبها، ولكني اعتقد انها صحيحه. فكثيرا ما يقال مثلآ في الحياة اليوميه العراقيه (جنه وجه صبي)، أو (عبالك وجه صبي). وهذه ليست اهانه، او ازدراء كما قد يتصور البعض .بل امر يجب ألأعتداد به كنوع من ألأعتراف بالشخصيه المميزه، بالهويه الخاصه. فسحنة الصابئي، وشكل جمجمته، ولهجته، ودينه، وطقوسه تختلف عن محيطه المسلم، او المسيحي. لكنهم قادرون على التجانس، والتعايش مع محيطهم مع ألأحتفاظ بخصوصيتهم. واحيانآ تشير تلك العبارات الى مهارة الصابئي، واتقانه لعمله، واجادته لحرفته فيقال لمن اتقن عمله(يشتغل عبالك صبي)، او (صبه صبابه). او (شغل صبي) وهكذا.

هذا لا يعني ان كل شيئ كان دهن ودبس، كما يقال، فمجتمع فلاحي متخلف لابد ان تظهر فيه المواقف المناسبه مع مرحلة تطوره ألأجتاعي، والا بالغنا في حديثنا. لكن احدآ لم يطارد الصابئه كونهم صابئه في العراق كما يقتل الكاثوليك، والبروتستانت بعضهم بعضا، مثلآ، في ايرلندا، رغم ألأدعاء، بالحضاره والمدنيه. نحن نتحدث عن تعامل العراقيين السمح، والودي، ولكننا لا ننسى ما تعرض له الصابئه المندائيين في القرون المتأخره من اضطهادات على أيدي الحكام الفرس، والولات العثمانيين لأجبارهم على ترك دينهم، واعتناق ألأسلام.

المعروف ايضا ان الصابئه يحضون برعاية خاصة من الشيعه، الطائفه ألأسلاميه ألأكبر في العراق،استنادآ لرواية تاريخيه تقول ،ان ألأمام علي بن ابي طالب، دافع عنهم، وحماهم كونهم من أهل الكتاب. ربما ،امتنانآ لهذا، يرفع الكثير من الصاغه صورة الأمام علي في محلاتهم في جنوب العراق.

كانت نوادي التعارف في المدن العراقيه ملتقى ألأدباء، والشعراء، والعلماء، والفنانين، ووجوه المجتمع من كل دين، وسياسه قبل ان يداهمها الطغيان البعثي. وتحولت منظمات، ونوادي، وجمعيات، وصحف الصابئه خارج الوطن بعد ان هربوا، كما فعل ألأخرون، من ايناء شعبنا، وطوائفه المختلفه استمرارآ لذلك ألأنفتاح الرائع، وألألتصاق الشديد بالوطن، وحمل همومه، وذكر اسمه، والتغني به، والحفاظ على، ونشر تراثه المتعدد الجوانب .

مع ألأعتذار مرة اخرى

ملاحظه قد تكون ضروريه: نشرت هاتين الخاطرتين، مع قليل من التعديل، في مجلة "مندائي" التي كانت تصدر في مينة لوند السويديه، قبل حوالي 10 سنوات.

رزاق عبود
ألسويد/ ستوكهولم
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يؤيد قصف منشآت إيران النووية: أليس هذا ما يفترض أن يُض


.. عاجل | المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: هذا ما سنفعله مع إيران




.. عاجل | نتنياهو: لم نستكمل تدمير حزب الله وهذا ما سنقوم به ضد


.. قصف مدفعي إسرائيلي وإطلاق للصواريخ أثناء مداخلة مراسلة الجزي




.. نائب عن حزب الله للجزيرة: الأولوية لدينا حاليا هي لوقف إطلاق