الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلافات العاطفية فى زمن التحول الثورى

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 5 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


تشكل الثورة كحقيقة يحتمها التطورويحكمها قانون يعود إلى الظروف الموضوعية لحياة البشرأحد الحظات التى تفجرطاقة المشاعروالعواطف الهادرة والفوارة فى تاريخ الأمة.

ويبدو المشهد مزدوجآ فى الحالة الثورية ,أذ بجانب قوة الدفع والأمل والطموح وأمارات النشوة والتدفق التى تحرك الثوارتكون هناك على الطرف الآخرمشاهد السقوط وقسوة الإستبعاد ومحنة زوال السلطةوالسلطان .

وبوجه عام فأن ثمة ندرة فى المكتبة العربية بشأن البحث النفسى والسيسيولوجى الخاص بتحولات سلوك وعلاقات البشر الناتجةعن حدث الثورةوالتغييرالإجتماعى .

معطيات الجمود والتكلس فى واقعنا السياسى والإجتماعى العربى هى ما يفرض ذلك , فضلآ عن قناعة بأن الإبداع الفنى والأدبى يظل هوالحاضنة الرئيسية للتعبيرعن المعانى الإنسانية الإستثنائية .

مصدرالتدفق العفوى والتلقائى لمشاعرالجمهور يصل لذروته القصوى أثناء الفعل الثورى كنتاج لتلاشى الحدود الفاصلة بين دائرة ما هو"عام"وما هو"خاص " .

ففى الأوضاع الإعتيادية تبقى ممارسة الفعل السياسى حكرآ على نخب تتساوق أوتتفوق عندها دائرة الإهتمام بالشأن العام مع دائرة الشأن الذاتى والخاص .

ولكن فى الحالة الثورية يتماهى العام مع الخاص ويتم تحريرالنقاش السياسى من الأطرالنخبوية والبرلمانية ,ويصبح " الهم الديموقراطى والعدالى "مباشرآ ومطروحآ للنقاش وسط الجمهوروفى الشوارع وبالساحات العامة .

فالإلتزام ببنود القضية الوطنيةوالقومية يتجاوزفى تلك اللحظات أولويات الأجندة الخاصة /الحياتية ,وحيث يتخذ هذا "الإلتزام الجديد" أشكالآ ومضامنين متنوعة فى حياة هذا البشرالثائر.

ومن هنا يمكن أستيعاب الرابطة التى جمعت فئات شعبية تتباين فى منابتها وجذورها الإجتماعية والثقافية ضمن مايسمى "باللجان الشعبية لحفظ الأمن "أثناء الحدث الثورى فى مصروتونس.

فالهدف لم يكن حماية الممتلكات الخاصة -التى كان يمكن أن تتخذ صيغآ فردية جادة وفعالة فى ظل السقوط الأمنى –وأنما واقعة " الكفالة التضامنية الإجتماعية "التى حررت الناس من إساردائرة الإهتمامات وقيود الأولويات الفردية .

وتقطع المشاهدات العينية والتحليلية بأن ما كان ساحرآ فى ميدان التحريرأثناء ثورة مصرهوبساطة وعفوية قواعد التواصل والتعارف والتداخل الإجتماعى بين موزاييك واسع من البشر يقارب المليون شخص وضمن سياق حياة شبه يومية.

فأعراف وقواعد اليمين المحافظ التى تصون ( التواصل العاطفى والتعارف الإنسانى وعلاقات المصاهرة ) وفق مراسيم تراتبية وبروتوكول محدد سلفآ لم تحظ بأية تقديروأعتداد فى ضوء"وعى ميدان التحرير "المباشروالناضج والممتد .

ويدعم ذلك أن المصريين تلقوا أنباءعقد زواج وخطوبة عدد من المعتصمين من شباب وشابات الميدان ودون أبداء أية ملاحظات حول ملابسات وظروف العلاقة التى نشأت وتطورت فيمابينهم.

كماصمت السلفيون -على غيرالعادة -عن التنديد بواقعة " الإختلاط بين الجنسيين " التى كانت تطل برأسها من مشهد الميدان. ولم يجرؤأحد من رموزهم على أبداء الرأى أوالفتوى بشأن حرمة تواجد النساء بالتجمعات والتظاهرات ,كما لم يهتم الحضورباحترام مخزون الأرث الدينى الخاص بفتنة المرأة وغوايتها وأن حجابها قبل حسابهاوأنها ناقصةعقل ودين .

وكان لافتآ أختفاء التحرش الجنسى والتعرض للإناث والمعاكسات الخشنةوالفظة,فى وقت كانت فيه هذه الوقائع سمة بارزة ومشتركة لسلوكيات الشباب المصرى بالأعياد والعطلات وأمام دورالسينما وفى الحدائق العامة منذ عدة شهورقليلة ماضية !.

هذه الظواهركان يرصدها كثيرون ضمن حلقات السقوط الأخلاقى والقيمى المستمر فى عهد مبارك .غيرأن ميدان التحريرقدم نموذجآ مضادآ لها وبما يدعم نظرية أن حوادث الإغتصاب والتحرش ليست نتاجآ لكبت جنسى وطاقة ليبيديوفردى , وأنما هى فى التحليل النهائى نتاجآ لكبت أجتماعى وصيروة أزمة جماعية.

وبالتأكيد لا يمكن تصورأن عالمآ قديمآمن القيم والمثل أنهارفجأة ودفعة واحدة فى سياقات العلاقات الإجتماعية والنفسية وأن عالمآ آخرجديدآ نشأ من رحم الثورة .ولكن بالطبع فأن متغيرآ ما قد نشأ , وأن (عقدة الخوف والخصاء Complexe de Castration ) فى تمظهراتها السياسية والإجتماعية وجدت طريقها الأخيرإلى الحل.

كما أن معانى التجربة الإنسانية والإكتشاف والإيمان بالوجود المستقل للعالم الخارجى تطل أيضآ من بين ثناياوتضاعيف التحولات العاطفيةوالنفسية داخل هذا الحدث الثورى . فأذا كان المبدأ المادى الجدلى البسيط أن العالم الخارجى موجود وأنه لاوجود لعالم الخوف والأشباح والأرواح ,فقد أدرك المصريون من واقع خبرتهم الميدانية الثوريةالحيةوالمباشرة حقيقة هذا المبدأ .

فممارسة فعل الثورة والتغييردفعت نحوشحذ وأرهاف الملكات الإدراكية والمعرفية بمفردات العالم الخارجى ,فأسقطت حذرالأفكاروقامت بتحريرالناس من الداخل ومكنتهم من أستيلاد قدرة على فعل أى شيىء وبتوقيتهم الذاتى.

وفى واقع الأمرفأن التطورالإيجابى فى شكل ومضمون العلاقات العاطفيةوالإنسانية أثناء الثورة المصرية لم يكن ليحدث فى ظل توافرالحدث الثورى وحيدآ ومجردآ .

فالأمركان يستلزم ما يمكن تسميته ( بالبنية الأسياسية للسعادة والفرح ) لتكون رافعة لتفاعل ونمو هكذا علاقات -وهذا ما نجح المصريون فى تحقيقه .

فعلى مدارثمانية عشريومآعمدوا لإنشاء منصات مسرحيةومدرجات مزودة بمكبرات صوت وأدوات موسيقية ومقاعد خشبية بهدف أذاعة الخطب والأغانى والبيانات والقصائد الشعرية ووفروا بذلك " دعمآ لوجيستيآ " للتواصل والحشد البشرى/الإنسانى فى قلب الحدث الثورى نفسه .

هذه الأنشطةالفنيةالمتجددة بميدان التحرير–وكانت لها نظائرفى بعض محافظات مصر–قدمت حوافزلرفع الروح المعنوية للمعتصمين وإشعارهم بأن وشائج الصلات والعلاقات والروابط المشتركة فيما بينهم أكبرمن مجرد هدف أسقاط مبارك ونظامه السياسى.

والثابت أن التعاون فى تنظيم هذه الإحتفاليات/الثورية ونمط التواصل الفنى والإنسانى كان له دورفى تخفيض معدلات التوتروشعورالكآبة بين الحضور ,بل وكان فرصة لإبرازبعض المواهب الشابة فى الخطابةوالشعروالغناء.

وممالاشك فيه أن ظاهرة ضموروتراجع العلاقات الإنسانية والعاطفية فى عهد مبارك تعود فى قاسم منها لواقعة ( تأميم بنيةالفرح والتواصل الشعبى ) بين المصريين.

وحيث عمد إلى الضغط على العصب الإقتصادى العارى للقاسم الأعظم من سواد الشعب ,فضلآعن أن الإحتفالات والأعياد القوميةكانت تتسم بالطابع الإستعراضى و الخشبى وكانت حكرآ على زمرمن حلقات السلطة الضيقة وفى أماكن مغلقة وبتكاليف باهظةوأستفزازية.

ثمةحاجة ماسة لتعريف الجمهورالعربى بالمتغيرات الدالةوالإيجابية فى نمط العلاقات الإنسانيةوالعاطفية لحياة البشرالثائرفى مصروتونس .

لقد سألوا شابآمصريآعن الصورة الذهنية التى كانت عالقة بذهنه عندماخرج للثورة فأجاب بأن : مشهد الفتاة التونسية التى كانت تعلتى كتف صديقها وتهتف ضمن علاقة ( ثورية–عاطفيةحميمة )كانت حافزه نحوالخروج والإنتفاضةضدالأوضاع السياسيةالقديمةوالبالية.

هدف الثورة (أية ثورة) ليس تغييرالدستوروالسلطة وتشييد أبنية ومرجعيات سياسية جديدة , فهذه مجرد " وسائل" نحوهوتحقيق سعادة وحريةالبشر,وهذه أهداف تحمل قيمآ أنسانية وعاطفية يتعين الإنصات لها.

لحظات التغييرالإجتماعى والثورى تفرض أثرها على الحياة الشخصية والمهنية,وتترك بصماتهاهناك على الوجوه والجباه فى مناخ من الحرارة الإنسانية والعاطفية ,وهذا مايجب أن تدركه شعوب العرب الطامحة لمجتمع جديد ديموقراطى ومنفتح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طرح جميل عزيزي عماد
مكارم ابراهيم ( 2011 / 5 / 14 - 22:30 )
عندما راى الشاب الذي يصرخ في الشارع مناديا بسقوط النظام ولايبالي بالرصاص الذي سينال صدره عندما راى الى جانبه الفتاة السافرة و المحجبة و المنقبة جنبا الى جنبا تصرخ معه بسقوط النظام ولاتبالي هي ايضا بالرصاص وبالموت بل تستمد هي قوتها من قوة الشاب وهو يشعر ب قوة وشجاعة يستلهمها منها هي وكلاهما يشعر بانهما يعرضان حياتهما للخطر ولاول مرة و لهدف كبير جدا هو الوطن ولاجل الحرية والوقوف امام النظام القمعي المسبد الذي لايرحم فهذا يجعل المشاعر تاخذ منحى عميقا تجاه بعضهما البعض وبالتالي سيحميها من الاعتداء اذا تعرضت له وهي ستدافع عنه اذا تعرض للاعتداء فالثورة تثير مشاعر عميقة فعلية لانها تكشف للمرء ان هناك حب كبير يضحون بانفسهم لاجله وهوتتطلب قوة النفس والارادة وتمنح المرء الجرءة والاستمرار في التضحية وحب الوطن وهو مايقرب الشاب اوالشابة لبعض وتمتزج مشاعر حب الوطن والتضحية بمشاعرحبهم لبعضهم وتقوي الاواصر بينهما لانهما اكتشفا ايضا ان كلا منهما قوي ويستطيع ان يواجه الموت من مجرم ليس سهلا

اخر الافلام

.. بعد الحالة الرابعة لنزع حجاب المتظاهرات.. هل تتعمده الشرطة ا


.. استشهاد طفلين وإصابة آخرين إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا




.. طلاب جامعة بيرزيت يطردون السفير الألماني من المتحف الفلسطيني


.. نتنياهو: سنواصل الحرب حتى تحقيق أهدافها كافة بما في ذلك تنفي




.. باتيل: إذا لزم الأمر سنحاسب مرتكبي الجرائم بقطاع غزة