الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الأناركيين فى الثورة المصرية وإعادة إنتاج فشلهم التاريخى

سامح سعيد عبود

2011 / 5 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



"فعلوها الفوضويون"! يقصد الأناركيون هذا ما حدثنى به أحد قيادات الماركسيين من جيل السبعينات فى مصر حين قابلنى أثناء الاعتصام فى التحرير، ويمكنا أن نأخذ هذا الحديث على ثلاثة أوجه كالتالى
الوجه الأول أن ثورة 25 يناير المصرية كانت نموذج أناركى للثورة، أى ثورة بلا قيادات ولا زعامات وبلا أحزاب سياسية، بل كانت نتيجة استخدام وسائل فى الحشد والتنظيم والتعبئة تتجاوز تلك الوسائل العتيقة التى عرفتها بعض الثورات السابقة، وهذا لا ينفى المحاولات المستمرة، من الساسة المحترفين وأحزابهم بدءا من هؤلاء الذين لم يشاركوا فيها من البداية بل وحتى من وقفوا أمام شرارة الثورة الأولى مستهزءين بها، أو كانوا محايدين إزاءها، أن يقفزوا على موجة الثورة و رقاب الثوار، فارضين زعامتهم وقيادة تنظيماتهم ورؤاهم عليهم، وامتلئت شاشات الفضائيات بأمثال هؤلاء، مصورين أنفسهم كزعماء للثورة وقادتها ومنظميها وملهميها. ومن هنا سوف تنتهى الثورة إلى تجسيد أحد مشاريع هؤلاء سواء الدولة الإسلامية أو الدولة الديمقراطية الليبرالية أو الدولة الاشتراكية سواء على الطراز الناصرى أو السوفيتى أو الاشتراكى الديمقراطى، أو أى مشروع سلطوى آخر يحقق حدود دنيا من مطالب الثورة الأساسية، و لا يحقق الحد الأقصى الممكن من مطالبها فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية كما يسعى إلى ذلك الأناركيون دون جدوى.
الوجه الثانى هو تحقيق اعتصام التحرير على مدى ثمانية عشر يوما نموذجا ناجحا لمجتمع أناركى لاسلطوى بلا قيادات ولا تنظيم قسرى أو هرمى، بل نجح المعتصمون فى تحقيق أهدافهم عبر عملهم التطوعى المشترك وتعاونهم وتضامنهم، ووفروا لأنفسهم الأمن والطعام والمأوى بعيدا عن الدولة والبقرطة، وقد لمس المعتصمون حالة من السعادة أصبحوا يحنون إليها الآن بعد زوالها، وطالب بعضهم بالعودة لأخلاقيات وسلوكيات اعتصام التحرير التى زالت بمجرد زوال شروطها، وهى غياب السلطة الهرمية المتعالية على البشر، فتلك النوعية من السلطة تفسد الناس وتصيبهم بأمراض العقل والنفس، سواء أكانوا متسلطين فتصيبهم بالسادية أو متسلط عليهم فتصيبهم بالمازوخية، ولأن الثورة هى التمرد على وضع الخضوع وعلاقات التسلط، فأنها تفجر أفضل ما فى البشر ليعودوا أصحاء، وهذا ما لمسناه جميعا فى اعتصام التحرير، و لكن ما إن تعود علاقات السلطة مرة أخرى، ويعود الناس لوضع الخضوع، حتى تظهر مجددا عند قطبى المتسلطين والمتسلط عليهم أعراض أمراضهم السابقة
الوجه الثالث الذى شكل مفاجأة سارة لى هو استمرار اكتشافى عبر الخمس شهور الماضية لأعداد متزايدة من الأناركيين فى مصر، لم اتعرف عليهم من قبل، مبعثرين عبر محافظتها المختلفة، ومنتمين لاتجاهاتها المتنوعة، يعملون بشكل جماعات صغيرة أو كأفراد، هم دائما فى فعاليات الثورة و تنظيماتها المختلفة، كمجرد أفراد مشاركين، ولكنهم غير متمايزين عن باقى من فى الحشود، و هم غالبا ما لا يعلنون عن أنفسهم، ولا يفصحون عن انتمائهم الفكرى والسياسى على نحو صريح، ليست لهم مطبوعات ورقية، أو رموز معلنة غير أن مجموعة صغيرة منهم رفعت العلم الأناركى فى عيد العمال بميدان التحرير، ذلك لأن الأناركيين فى الممارسة عالميا ينقسمون لاتجاهين فهناك من يفضلون العمل الدعائى فى مجموعات منظمة، تشكل اتحادات محلية واقليمية وعالمية فيما بينها، أو يفضلون التأثير الفردى بالانخراط فى الأعمال الاحتجاجية أو المنظمات الاجتماعية كالنقابات العمالية والمهنية واللجان الشعبية والتعاونيات وغيرها أى ملاحين غير مرئيين للسفينة الثورية، وينقسم الأناركيون فى مصر إلى من ينتمون إلى جيل أكبر سنا، وهم غالبا مروا فى أحدى فترات حياتهم بانتماء ماركسى فكريا وحزبيا، وترى بعضهم يفصح عن تحوله الفكرى، والبعض الآخر لا يفصح عن انتماءه، فضلا عن القريبين من الأناركية فكريا وعمليا والمتأثرين بها من اليسار الراديكالى، غير أن هناك جيل أصغر غالبا فى العشرينات من عمره، لم يتكون فى منظمات ما، ولم يتبنى أيديولوجيات سابقة، عبر عمليات تجنيد وتثقيف أيديولوجى ، ولكنهم ونظرا لإجادتهم كل من الإنجليزية والتعامل مع الأنترنت، تأثروا بتلك الرؤية للعالم، وهؤلاء تتكاثر مدوناتهم و تتنوع صفحاتهم على الفيس بوك، وأحد أكثر صفحاتهم شهرة هى الأناركية المصرية التى بلغ اصدقاءها ما يقرب من 400.
تجد فى كل هؤلاء تنوعات بتنوعات من يطلقون على أنفسهم أناركيين فى العالم، فهناك قلة ينتمون لما يسمى باليمين الأناركى وهم رأسماليون ليبراليون متطرفون لا أكثر،وهناك طبعا الفرديون، وهناك من يتخذون الأناركية نوع من الموضة التى تبرر تمردهم الفردى وتحللهم الاجتماعى لا أكثر ،وهناك من لايعنيهم التغيير الثورى للعالم بقدر ما يعنيهم تحرير أنفسهم والمجموعات الصغيرة التى ينتمون إليها داخل المجتمع القائم، وكل هؤلاء لا يعنونا فى هذا المقال بالطبع، أما من يعنوننا فهم المنتمين لليسار الأناركى الثورى باتجاهاتهم العملية المختلفة المجالسية والتعاونية والنقابية. ومن ناحية ثانية تتفاوت مستويات الثقافة والوعى والفهم بين هؤلاء، ومن ناحية ثالثة يتفاوتون فى مدى نضاليتهم والتزامهم وفى مدى عمليتهم وفعاليتهم الاجتماعية والفكرية والسياسية والثقافية.
ومن هنا فليس معنى تلك الكثرة العددية أن هؤلاء مؤثرين فى تطور العملية الثورية فى مصر بما يتوافق وحجم انتشارهم لأنهم غالبا أفراد بلا تنظيم، فعاليتهم فعالية جنود فى الحشود، يحصد نتاج نضالهم و تضحياتهم الجنرالات من الساسة المنظمين، أى أنهم يوظفوا أنفسهم وبإرادتهم لصالح إعادة إنتاج مجتمع سلطوى على عكس أهدافهم، ويعيدون إنتاج فشلهم التاريخى المتكرر، فى كوميونة باريس والثورة الروسية والحرب الأهلية الأسبانية والموجة الثورية العالمية فى مايو 68 وأخيرا حركتى مناهضة العولمة والحرب واللتان انتهيتا إلى الفشل، و الحقيقة أنه فى كل تلك الأحداث التاريخية كان الأناركيون يتواجدون بقوة ولكن بلا تأثير فى النتائج النهائية.
فى حوار جمع بين مجموعة من الأناركيين المصريين وأحد الرفاق الأناركيين من شيلى نقل لهم خبرته من تطورات الوضع فى أمريكا اللاتينية، أن نفس المشكلة تتكرر فى كل موجة ثورية، نضال عاتى وحضور مكثف فى الفعاليات والاحتجاجات الثورية، ولكن الثمار غالبا ما تقع فى أيدى سلطويين مختلفين، وهذا يشير بوضوح لخطأ لابد من تداركه، حتى نتوقف عن إعادة إنتاج الفشل.
تدارك الخطأ يكمن فى انتظام الأناركيين فى منظمات للدعاية والحشد والتعبئة والتنظيم،مختلفة تماما عن التنظيم اللينينى بأسسه المعروفة التى سببت الكوارث التاريخية
راجع بهذا الصدد الأناركية عكس الفكر الماركسى اللينينى فى تنظيم المجتمع
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=237579

كما يجب أن تكون هناك رؤية برنامجية للتغيير الاجتماعى وفق الممكن والمتاح باعتبار أن الهدف النهائى أبدى لكن الأهداف المرحلية تجاهه ممكنة، لكى يتم النضال لتحقيقها وفق الظروف الواقعية وهناك محاولةبهذا الشأن
راجع برنامج التيار اللاسلطوى
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=193608








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المشكلة فى آليات التنفيذ
عادل العمري ( 2011 / 5 / 15 - 09:25 )
عزيزى سامح:
أنت لاحظت ما يلى:-ومن هنا سوف تنتهى الثورة إلى تجسيد أحد مشاريع هؤلاء سواء الدولة الإسلامية أو الدولة الديمقراطية الليبرالية أو الدولة الاشتراكية سواء على الطراز الناصرى أو السوفيتى أو الاشتراكى الديمقراطى، أو أى مشروع سلطوى آخر يحقق حدود دنيا من مطالب الثورة الأساسية، و لا يحقق الحد الأقصى الممكن من مطالبها فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية كما يسعى إلى ذلك الأناركيون دون جدوى-..
كان من الضرورى أن تفسر ذلك حتى نستفيد من تحليلك.وقد فهمت فى نهاية مقالك أن افتقاد التنظيم هو سبب فشل الأناركيين المتوالى.المشكلة هى هنا بالضبط:التنظيم:فالتنظيم هو خلق لسلطة لا شك فى ذلك..هنا المعضلة فعلا وقد سبق أن قلت تعليقا على أحد مقالاتك أن القذافى طبق مبادئكم حرفيا وكان لابد من حكومة سرية لإدارة هذا المشروع..أنا لم أكن أسخر بل هذا ما حدث فعلا،بل أعلن القذافى ذات يوم أنه يتبنى الفوضوية فعلا.
أنا أطرح هذا مطالبا إياكم بالتفكير فى طريقة تنفيذ مشروعكم دون أن ينتهى إلى نظام تسلطى..أنا طبعا لا أجد حلا لهذه المشكلة وكل ما أريده أن أفجرها حتى نستفيد ونصل إلى أفكار أكثر قابلية للتنفيذ .


2 - الحل فى التنظيم
سامح سعيد عبود ( 2011 / 5 / 15 - 13:22 )
طبعا الحل فى التنظيم لكن بشرط أن يكون تنظيما قائما على الديمقراطية المباشرة والطوعية والتعاون فيما بين أعضائه وقد انحاز الأناركيون لتنظيمات اجتماعية من هذا الطراز كالتعاونيات التحررية والنقابات الثورية واللجان العمالية أو الشعبية والتى اثبتت التجربة أنها تحتاج لتنظيمات أخرى للدعاية و التحريض والتنظيم ولكن ليس على الطراز اللينينى المركزى والهرمى وإنما تنظيمات سياسية تقوم على الأسس الأناركية نفسها فضلا عن احترام فكرة التطور التدريجى والبناء من أسفل والتخلى عن وهم الخلاص النهائى التى اتقد أنها فكرة تجد جذورها فى الأديان الإبراهيمية والتى تأثرت بها الماركسية إلى حد كبير، يمكن فقط أن نهدف إلى مزيد من الحرية والمساواة فى حدود ما هو متاح وممكن إذا شئنا فقط تغيير العالمأما إذا شئنا اجترار الأحلام فعلينا أن ننتظر الخلاص النهائى م


3 - هل اعتبر نفسي اناركي إذا كنت ليبرالي
محمود الفرعوني ( 2012 / 1 / 7 - 17:16 )
هل اعتبر نفسي من الاناركيين إذا كنت ممن يدعون إلى الخلاص من دور الدولة وانتمي إلى التيار الليبرالي الثوري
برجاء قراءة هذه المقالة لي والرد إن كنت قريب من فكركم ام لا
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=287822


4 - تعقيب
سامح سعيد عبود ( 2012 / 1 / 7 - 19:06 )
سعدت بقراءة مقالك واستفسارك و أجيب عنه بل أن جوهر الأناركية هو رفض أى شكل من أشكال السلطة المتعالية على البشر والمنفصلة عن إرادتهم الحرة والدولة هى جهاز سلطة متعالية ومنفصلة تحتكر العنف لكنها ليست المؤسسة السلطوية الوحيدة فهناك المؤسسة الرأسمالية فهى أيضا مؤسسة سلطوية ومن ثم فالتيار الرئيسى فى الحركة الأناركيى يعادى كلتا المؤسستين معا الدولة والرأسيمالية مع مجتمع تعاونى مسير ذاتيا وإن كانت هناك اتجاهات هامشية تسمى الأناركية الرأسمالية مع استمرار الرأسمالية ونفى الدولة وأنا لا أعرف هل أنت مع الرأسمالية أم لا


5 - شكرا على الرد
محمود الفرعوني ( 2012 / 1 / 7 - 21:56 )
اولا شكرا جزيلا على الرد؛ مع احترامي الكامل لرأي حضرتك انا مع تقليص دورالدولة وضد الدولة الشمولية الابوية التي تتحكم في حياة الناس من المهد إلى اللحد مثلما فعل النظام الناصري عندما وفر الخبز مقابل الحرية فخسرنا الاثنين معاً انا ضد امتلاك الدولة لوسائل الانتاج وارى ان الاقتصاد يمتلكه الافراد لذلك بالطبع مع الرأسمالية المنتجه ومع وجود الدولة الحارسة التي لديها بعض الاختصاصات مثل جمع الضرائب والامن وحيازة السلاح بل انا قومي مصري اؤمن بالهوية المصرية فقط؛ وارى كذلك ان الرأسمالية هي الطريق الوحيد لتقليص دور الدولة في الاقتصاد من خلال الافراد اي انني مع ملكية الافراد لوسائل الانتاج
ومهما كان الاختلاف في الرأي اشكرك على الرد ويسعدني التواصل
على فكره انا بكتب في هذا الموقع

اخر الافلام

.. غزة : شهادة طبيب • فرانس 24 / FRANCE 24


.. -يوروفيجن- في قلب التجاذبات حول غزة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الذكاء الاصطناعي يفتح جولة جديدة في الحرب التجارية بين بكين


.. إسرائيل نفذت عمليات عسكرية في كل قطاع غزة من الشمال وصولا إل




.. عرض عسكري في موسكو بمناسبة الذكرى الـ79 للانتصار على ألمانيا