الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق بعد اثنتين وثلاثين سنة (4 )

سهر العامري

2011 / 5 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في الجزء الأول من مقالتي هذه سألت : هل تستطيع حكومة في العراق ..أية حكومة أن تنهض بهذا العبء الثقيل .. عبء بناء الدولة من جديد ؟ والجواب على سؤال كهذا ، وبعد أن يشاهد المرء الحال التي عليها العراق الساعة ، سيكون بالنفي القاطع حتما ، فلا في المئة يوم التي حددها المالكي ، ولا في العقد القادم من السنين سينهض العراق نهوضا مقبولا ، هذا إذا ما ظلت العقلية الحالية التي تسير البلد على حالها ، وبذات طرق العمل المشوهة ، والتي لا تعرف وضوحا في الرؤية ، ولا إخلاصا في التنفيذ .
إن الأمم التي تريد النهوض والتقدم يجب أن تتوفر لها قيادة كفوءة ، مدركة لطبيعة عملها ، ومتفانية في تحقيق أهدافه ... ومستغلة الأموال التي تحقق لها تلك الأهداف استغلالا أمثل ، وأن تعمل على شحذ همم مواطنيها من خلال أن تكون هي القدوة لهم في ذلك العمل ، إضافة الى ما يقدم لهم من حوافز مادية ومعنوية .
إن دور القيادة مهم في مرحلة النهوض تلك ، رغم أنني وغيري يؤمن أن حركة التاريخ تمضي الى الأمام أبدا ( ديالكتيك ماركس ) ، ولكن القائد قد يعمل على كبح التقدم في سير تلك الحركة التاريخية لسنوات عدة ، أو على العكس من ذلك ، فقد يسرّع بسير عجلة التقدم في تلك الحركة من خلال استغلاله الصحيح للزمن ( لينين ) . فصدام مثلا عطل تقدم العراق في تلك الحركة سنوات طويلة بتصرفاته الهوجاء حين زج البلد في بحر من الويلات والحروب ، وعلى العكس من ماوتستونغ والقيادة الصينية التي نهضت بالصين ، مع عوامل أخرى مهمة ، من بلد زراعي متخلف الى بلد طافت مراكبه الفضائية أقطار السماء اليوم ، وبفترة لا تتعدى الستين السنة من نجاح الثورة ، وهي ذات الفترة تقريبا التي مرت على جمهورية مصر العربية ، ولكن شتان بين الصين ومصر ، فالصين تعد اليوم ثاني دولة بعد الولايات المتحدة في تطورها ، وربما ستصبح الدولة المستقلة والمتقدمة الأولى في غضون السنوات العشرة القادمة كما يتوقع لها بعض من علماء الاقتصاد ، بينما لا زالت مصر تعد من بلدان العالم الثالث .
إن البلد الذي يريد النهوض والتطور السريع عليه أن ينهض بالمدرسة أولا ، فالمدرسة في هذا الزمن تمثل الركن المهم والرئيس في عملية النهوض والتطور تلك ، فحين حلق سبوتنيك ، أول قمر سوفيتي في الفضاء الرحب في أعوام الخمسينيات من القرن المنصرم ، صاح الأمريكان : علينا بمراجعة مناهجنا المدرسية !! وعليه يظل للمدرسة دور الكبير في بناء الإنسان خلقا وعقلا شرط أن تبيح تلك المدرسة جوا دراسيا مفعما بالروح العلمية البعيدة عن الخرافات والغيبيات ، فليس من العلم أن يتخرج الطالب في مدرسة ما ، وهو يؤمن أن الأرض مستوية غير كروية ! تماما مثلما يؤمن من يقود العراق اليوم أن كوريا الجنوبية قد طورها معمل للحديد والصلب !! بينما الحقيقة ليس هي كذلك ، فكوريا الجنوبية كانت تملك صناعة تجميعية خلال فترة الاستعمار الياباني وبعد نهاية الحرب الكورية صارت السوق الكورية الجنوبية جزءا من السوق الأمريكية في أكثرها ، وفي أقلها جزءا من السوق اليابانية ، فشركة داوو الكورية على سبيل المثال لا الحصر هي في الأساس شركة أمريكية ، وللقارئ أقدم هذا الخبر (أعلنت شركة جنرال موتورز " General Motors " الأمريكية لصناعة السيارات أنها ستبدأ خططًا قريبة للتخلص التدريجي من اسم "داوو" بحلول نهاية الربع الأول من عام 2011 .
وأكدت "جنرال موتورز" أنها سوف تبقى في كوريا الجنوبية ولكن سيتم استبدال طرازات "داوو" بتشكيلة متنوعة من موديلات "شيفروليه" بما في ذلك "كامارو"، و"أورلاندو"، و"أفيو"، فضلا عن سيارات الدفع الرباعي وسيارات السيدان متوسطة الحجم .)
لقدسعت أمريكا في حربها على النظم الاشتراكية بكل جهدها الى تطوير البلدان التي تدور في فلكها، والتي تخضع لنفوذها الاقتصادي والسياسي ، شرط أن تظل المشاريع الاقتصادية التي تبنيها هي في تلك البلدان خاضعة لسلطتها واحتكاراتها ، وفي كثير من الأحيان تظل حتى مبيعات تلك المشاريع خاضعة للمشيئة الأمريكية . وعلى هذا تكون كوريا الجنوبية واحدة من تلك البلدان التي لا زالت تدور في الفلك الأمريكي ، ثم هي بلد خلو من الثروات الطبيعة ، وقليل الزراعة لكون أكثر أرضها جبالا ، ولهذا كان طريق الاستثمار الأجنبي ، خاصة الأمريكي ، وبأساليب تربوية وتعليمية غربية صارمة ، هو الطريق المتاح أمامها ، ولكنها مع ذلك قدمت ثمنا باهظا جراء سيرها في ذلك الطريق تمثل ذاك في فقدانها لاستقلالها السياسي ، حيث خضعت كل الحكومات فيها لنفوذ الإرادة الأمريكية ، ولهذا كثير ما نشاهد القمع البوليسي للمظاهرات الاحتجاجية على ظروف العمل والمعيشة الصعبة التي يقوم بها المضطهدون ، المستغلون من أبناء الشعب الكوري الجنوبي ، خاصة العمال منهم ، فأمريكا استطاعت أن تبني في تلك الدولة كذلك جيشا من الجنود والشرطة يقوم على حماية مصالحها في ذلك البلد ، وهذا النموذج من الدول هو ما تريده أمريكا للعراق ، وقد تكون زيارة المالكي لكورية الجنوبية في الأيام القليل الماضية خطوة على هذا الطريق ، ولكن على الشعب العراقي أن يعلم أن العراق بخيراته الكثيرة خاصة في ثرواته النفطية والغازية لم يكن في يوم من الأيام هو كوريا الجنوبية ، وما الدعوة المتصاعدة لجلب الاستثمار الأجنبي الكونيالي الى بناء مشاريع في العراق ما هي إلا دعوة لرهن سيادة ومقدرات الشعب العراقي لدى الدول المستثمرة رغم أن العراق ليس بحاجة الى أموال الاستثمارات تلك ، فهو يملك ما يكفيه من الأموال لتطوير نفسه لو أستغلت أمواله تلك استغلالا حسنا في ظل سياسة حصيفة وتخطيط ناجح تشرف عليهما منظومة قيادية واعية ، تحرص على بناء مدرسة تتوفر فيها وسيلة دراسية متطورة ومنهج علمي قابل للمراجعة في كل سنة ، مثلما تحرص على نشر الثقافة بين عموم الناس من خلال نشر الكتاب ، وتعليم الناس حب القراءة التي عرف بها العراقيون أيام سنوات الستينيات من القرن الماضي ، وذلك من أجل أن لا تشكو تلك القيادة الشكوى المرة التي أطلقها الخليفة أبو جعفر المنصور حين مات ابنه جعفر ، فقد روى أبو فرج الأصبهاني ( أن المنصور لما مات ابنه جعفر ، وانصرف الى قصره بعد دفنه ، قال للربيع وزيره : انظر من في أهلي ينشدني :
أمن المنون وربيها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزعُ . "البيت من قصيدة للشاعر أبي ذؤيب الهذلي"
حتى أتسلى بها " يعني القصيدة " عن مصيبتي ؟ فطلب الربيع ذلك في بني هاشم ، فلم يجد من يستطيعه ، فقال المنصور : والله لمصيبتي في أهل بيتي أن لا يكون فيهم واحد يحفظ هذا لقلة رغبتهم في الأدب ، أعظم وأشد عليّ من مصيبتي بابني ! )
ففي عراق اليوم ليست هناك قلة في أدب وحسب ، وإنما عزوف عن القراءة والكتاب ، ورغبة جامحة عند من يحكمون في إشاعة ثقافة ، إن صلحت التسمية ، الخرافة والشعوذة والغيب ، فالطبيب عاد مشعوذ ، والدواء عصا غليظة يضرب بها المريض كي يخرج الجن من جسده ، والصيدلية امرأة تبيع حبوب الفياغرا والمنشطات الجنسية الأخرى على أرصفة المدن ، والفلسفة أن العالم مقبل على كوارث رهيبة ، وأن الشيعة سيحكمون العالم أجمع ، وسيكون العراق هو ملاذ الشعوب الأخرى ، والشعب عاد أمة في رجل واحد ، هو رجل الدين ، والسماع صار لقول غث وسمين يقوله ذاك الرجل .
وعلى هذا الواقع المظلم هل يستطيع بلد أن ينهض في قريب عاجل ؟ وهل لكاتب مثلي أن يكتب بإسلوب مشرق وهو يرى ذلك الظلام بأم عينيه ، سُئل الشاعر مظفر النواب : لماذا تكتب باسلوب بذئ ؟ فرد : لأن الواقع بذئ !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس