الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حتمية سقوط النظام السوري

فراس المصري

2011 / 5 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


بعد حوالي شهرين من اندلاع انتفاضة شعبية شملت كافة المدن والبلدات السورية ، بات من الواضح للعيان حتمية سقوط النظام السوري بناءً على الاصرار الشعبي من جهة والتعامل القمعي واللاأخلاقي لهذا النظام مع الشعب المطالب بالحرية والديمقراطية.
نظام حكم الأسد الذي دشنه الأسد الأب بانقلاب على رفاقه في حزب البعث هو مزيج من أكثر من نظام استبدادي وهو بذلك يجمع بين مساوئ كل تلك الأنظمة. فهو نظام عائلي وراثي كالأنظمة الملكية التقليدية والثورية الوراثية كنظام كوريا الشمالية. وهو نظام طائفي يقوم على التمييز بين أبناء الوطن الواحد ويعتمد على طائفة معينة تسيطر على الأمن والجيش لحراسة النظام وتكبيل الحريات. وهو في نفس الوقت نظام شمولي يتخذ من حكم الحزب الواحد أداة لتأطير الشعب بفئاته وشرائحه المختلفة لإحكام سيطرته على الفعاليات الشعبية ومنع كل فعاليات المجتمع المدني التي تنشط خارج هذا الإطار. وهو أيضاً نظام عسكري يشترك في اعتماده على سطوة الجيش مع الدكتاتوريات العسكرية التي رأيناها في أمريكا اللاتينية. وهو بلا شك نظام يقوم على تقديس الرئيس وابرازه بصورة مثالية منزّهة عن الأخطاء ولا مجال لنقدها.
فلا غرو أن يصنف النظام السوري باعتباره من أكثر الأنظمة سوءاً وإفساداً لجميع جوانب الحياة الأنسانية . لقد أفشى النظام الأسدي منظومة من الأخلاق والقيم الشاذة التي تشيع الخوف والجبن والنفاق والرياء والكذب و الاستكانة على الظلم و قبول الفساد بأشكاله المختلفة وقصر اهتمام المواطن على النواحي الشخصية والأنانية دون الخوض في الشؤون العامة.
وقد أفاض عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" في بيان التأثير المدمر للاستبداد السياسي على كافة مناحي الحياة في المجتمع ومما ذكره في هذا السياق :"الاستبداد ريح صرصر فيه إعصار يجعل الإنسان كل ساعة في شأن، وهو مفسد للدين في أهم قسميه أي الأخلاق، وأما العبادات منه فلا يمسها لأنها تلائمه في الأكثر. ولهذا تبقى الاديان في الأمم المأسورة عبارة عن عبادات مجردة صارت عادات فلا تفيد في تطهير النفوس شيئاً، ولا تنهى عن فحشاء ولا منكر، لفقد الإخلاص فيها تبعاً لفقده في النفوس التي ألفت أن تتلجأ وتتلوى بين يدي سطوة الاستبداد في زوايا الكذب والرياء والخداع والنفاق، ولهذا لا يستغرب في الأسير الأليف تلك الحال، أي الرياء، أن يستعمله أيضاً مع ربه، ومع أبيه وأمه ومع قومه وجنسه، حتى ومع نفسه".
والحاصل أن أمراض الاستبداد وآلامه والاحساس العميق بالضيم والظلم كل ذلك تراكم عبر عقود من الحكم الأسدي ثم أتت ثورتي مصر وتونس لتوقظ وعي الشعب وادراكه لإمكانية التغيير الشعبي السلمي وتحقيق الأمنيات الكامنة في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة.
وقد جاءت الشرارة التي فجرت الانتفاضة من درعا حيث أدى اعتقال لأطفال من قبل الأمن وإهانات للأهالي من قبل مسؤولي النظام إلى ثورة عارمة في المدينة لم يكن النظام يتوقعها ولم يستطع إخمادها حتى بعد إرساله للجيش والدبابات. والعجيب أن النظام الغبي أخذ يتبع مع درعا والمدن والبلدات التي انتشرت فيها الانتفاضة انتشار النار في الهشيم نفس الاسلوب المهيج الذي دفع درعا للثورة بدءاً بضرب المتظاهرين وقتلهم واعتقال الناس وإذلالهم، وانتهاءاً بحصار المدن والبلدات المنتفضة سلمياً بالدبابات وقصفها بالمدافع الرشاشة. وزد على ذلك تلك الأكاذيب والتمثيليات المختلقة التي طلع بها علينا الإعلام الرسمي لتبرير القتل والعمليات القمعية الدموية في حق المدنيين العزل. كل ذلك أدى إلى زيادة الحنق والثورة عند الجماهير بعد أن تحطم جدار الخوف وصارت هيبة النظام في الحضيض، ويأس الناس من إصلاح النظام وأضحى مطلب الناس هو إسقاط النظام ورأسه بشار الأسد الذي أعلن إلغاء حالة الطوارئ ولكنه في الواقع الميداني أعلن الحرب على الشعب.
وقد أسهمت وسائل الاتصال والتواصل الحديثة في سرعة انتقال المعلومات والأفلام من أرض الحدث وبالتالي إفشال سياسة التعتيم الإعلامي التي يتبعها النظام، كما ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي التي استخدمها الناشطون المعارضون ببراعة في التنسيق فيما بينهم في الداخل والخارج وتبادل الأفكار بحيث ادى إلى شيء من الوحدة في المواقف ميدانياً.
لقد سقط النظام أخلاقياً بدمويته وفاشيته ضد شعبه وبأكاذيبه المفضوحة إعلامياً كقصص الإمارات السلفية والعصابات المسلحة التي لا وجود لها، ومحاولات إثارة التناقضات الطائفية، ويوماً بعد يوم يخسر مؤيدين في الداخل والخارج ويزداد عزلةً، ويكاد النظام اليوم يقترب من حالة الموت السريري . والشعب مستمر في انتفاضته السلمية بكل طوائفه وبكل وعي ونبل وشجاعة لإسقاط النظام و تغيير المنظومة القيمية اللاأخلاقية التي فرضها النظام منذ أكثر من أربع عقود لإحلال منظومة قيم سوية تقوم على احترام الحريات والحقوق الإنسانية ومبدأ المواطنة والمساواة والتعددية الديمقراطية.
د.فراس المصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي يربط الحوثيين بحركة الشباب الصومالية؟ | الأخبار


.. نتنياهو يحل مجلس الحرب في إسرائيل.. ما الأسباب وما البدائل؟




.. -هدنة تكتيكية- للجيش الإسرائيلي في جنوب قطاع غزة ونتانياهو ي


.. جرّاح أسترالي يروي ما حصل له بعد عودته من غزة




.. حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. والترددات على تطورات الحرب في غزة