الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسحاب من غزة

هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)

2004 / 11 / 1
القضية الفلسطينية


استطاع ارييل شارون , وسط ضجة كبرى داخل اسرائيل وخارجها, أن ينتزع من "الكنيست" – البرلمان – تصويتا بالأغلبية على اقتراحه بإجلاء العديد من المستوطنات في غزة. حدث ذلك في الوقت الذي تتوالى فيه الأخبار يوميا عن قتلى وجرحى فلسطينيين وعن هدم بيوت ومزيد من التدمير الذي تقدم عليه عساكر شارون. وبدا وكأن التصويت في "الكنيست" , باعتبار الصدى الذي صنعه له الاعلام في الخارج, يتقدم في الأولوية والأهمية على أرواح البشر التي تزهق بأمر من رئيس الحكومة الاسرائيلية. ولا نريد التقليل من أهمية قرار الانسحاب من غزة , فكل شبر من الأرض العربية يتحرر من المستوطنين هو في النهاية مكسب للأهالي العرب. ولكن ينبغي أن يكون واضحا أيضا أنه لا يمكن إطلاقا المقايضة على أرواح الناس وأرزاقهم, أو اعتبار خطوة شارون الأخيرة تسير في اتجاه السلام الصحيح. فأغلبية المراقبين من ذوي العقل الراجح يعلمون أن هذه الطريقة ليست هي الأفضل لصنع السلام, ولا يمكن بالتالي تقديم قرار اسرائيلي حكومي يخضع لاعتبارات سياسية وأمنية داخلية وكأنه تقدم في عملية صنع السلام. هناك مغالطة كبرى بهذا الصدد, لا يمكن أن تغيب عن المراقب الحصيف. وما يكشف المسألة كلها هو النقاش الداخلي بين الاسرائيليين أنفسهم. مثال ذلك, ما يقوله آشير سوشر مدير مركز موشي دايان لدراسات الشرق الأوسط, تعليقا على التصويت الايجابي في الكنيست حول قرار شارون بتفكيك المستوطنات في غزة:
“هذه احدى أخطر اللحظات في تاريخ اسرائيل منذ 1948, وبلا شك منذ 1967. إن المسألة ليست متعلقة بغزة وحسب, إنها في الواقع تفتح أكبر نقاش حول روح اسرائيل. فلأول مرة منذ 1967 نجد أنفسنا في نقاش حول ماهي اسرائيل, وكيف ينبغي أن تحكم , وكيف نحدد أنفسنا. فهل اسرائيل دولة علمانية ديمقراطية أم هي دولة تحكمها القوانين الدينية اليهودية ؟ إننا نتناقش بشأن حدود اسرائيل وحول قابليتها للحياة على المدى البعيد وحول طبيعة الدولة اليهودية”.
ما يفسر هذا الكلام أن شارون كان هدد بإقالة أي وزير يصوت ضد اقتراحه, وقد نفذ تهديده فعلا ضد وزيرين هما يوزي لاندو – بلا حقيبة – ومايكل راتزون نائب وزير الأمن الداخلي. ومعلوم أن اليمين الديني يعارض القرار على أساس اعتقاده أنه " من المحرم إخراج اليهود من ديارهم" باعتبار أن غزة هي "جزء من الأرض الموعودة". ولئن كان شارون يأمل أن تؤيده بعض الأحزاب الدينية, فلقد تبين في النهاية أن أمله لم يكن مبنيا على أساس واقعي, حيث لم يحصل سوى على صوت واحد الى جانبه هو صوت الحاخام ميخائيل ميلكيور الذي يرتبط حزبه بحزب العمل.
إن اجلاء حوالي 8 آلاف من المستوطنين اليهود عن غزة ليس هدية تقدم للفلسطينيين, فنية شارون هي السيطرة على الارض التي يعتبرها "حيوية" بالنسبة لاسرائيل , وهي تلك الأجزاء من الضفة الغربية حيث يعيش حوالي 230 ألف من المستوطنين, فضلا عن المائتي ألف مستوطن الذين يعيشون في القدس الشرقية. وإذا كان اليسار الاسرائيلي – وعلى رأسه شمعون بيريز – أيد هذه الخطوة التي أقدم عليها شارون, بوصفها "تقرب من السلام", فإن التجاوب الفلسطيني كان فاترا بالمقارنة مع ما ينتظره الاسرائيليون.
فقد رأى بعض الزعماء الفلسطينيين أن المسألة لا علاقة لها بتاتا بعملية السلام, فهي غير مرتبطة بأية مفاوضات, ولا يتوقع لها أيضا أن تفضي الى استئناف مفاوضات في اطار العملية السلمية السابقة. أي أنها مقطوعة تقريبا عن السياق الذي كانت تسير فيه المفاوضات , وهي بالتالي لا تمثل سوى استجابة للظروف والمتطلبات الأمنية الاسرائيلية. وفضلا عن ذلك, فهي مسبوقة ومصحوبة – وقد تكون ملحقة أيضا – بأعنف التدخلات العسكرية ضد المواطنين المدنيين الفلسطينيين, بحيث يمكن أن نرى بوضوح السياق الفعلي الذي تأتي فيه مسألة الانسحاب من غزة. فهي تبدو كجزء من العمليات العسكرية , أو كتنفيذ لمخطط اسرائيلي أمني , غايته – كما يعترف شارون نفسه – تقوية قبضته على المستوطنات وليس العكس.

نشر بالاتفاق مع جريدة "العرب".لندن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رد إسرائيلي ضبابي على خطة بايدن حول غزة • فرانس 24


.. باب الويب • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أفشلت مخطط السيطرة.. خامنئي: عملية طوفان الأقصى أفشلت محاولا


.. الجيش الإسرائيلي: أنهينا تدريبات مقرات قيادة على مستوى هيئة




.. ألمانيا.. مسيرة تضامنية مع غزة في برلين تطالب بوقف إطلاق الن