الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حياتي التي اعيشها

سوسن العطار

2004 / 11 / 1
الادب والفن


يراودني حلم غريب هذه الأيام أن أكون ابنة لرجل شاب وسيم الطلعة، لن يكون الآن شاب جدا، ولكنه سيظل محتفظا بوسامته، ولن يكون عجوزا جدا على تحمل مسئوليتي وحمل المسئوليات الأخرى التي تثقل كاهلي،
سيعوضني ما فاتني من أيام الطفولة، من انتظار عودته من العمل، من حملي على كتفيه، توصيلي إلى مدرستي، وانتظاري على بابها حين يقرع جرس العودة، حين اغضب يناديني يا أميرة، وسأتدلل ولن استجيب للملك و أشيح بوجهي واضحك في سري فلا حواجز بيني وبين صاحب الجلالة والجلال،
سيذهب معي الى السوق الان ويشتري لي الملابس الجميلة وساخذ براي ابي الشاب الذواق، ساعود واشتري ملابس للعيد، وساحتفل بكل الاعياد التي لا اتذكر الا كابتها، والاهم من ذلك ساحتفل بعيد ميلادي مهما تقدمت بي السنين لانني مع ابي سيلازمني شعوري الجميل بالطفولة.

كم مرة حلمت بأب، أب مهمته تخفيف أحزاني وتصريف أية مسئولية قبل أن تعرف طريقها إلي، ألجأ إليه في مشاكلي التافهة مع مدرسي وصديقاتي، يشعر بكابتي قبل أن تطفو على سطح قلبي وينتزع جذورها ولا يبقى للحزن أثرا في عيني،
ابي سيعاملني على قدم المساواة مع اخوتي واخواتي، ولن يميز بيننا، وسينهر اخوتي لو تجرأ احدهم علي فانا اظل ابنته الصغيرة المدللة، وعندما اكبر يعاملني على قدم المساواة مع اخي، فانا لست نكرة انا رقما لديه انا مهمة ويحسب لي حساب.
لا يعتبرني ضيفة في بيته الى ان ياتي الرجل الاخر ليقدم لي المقر الدائم، مكاني الدائم الذي لا يتبدل في قلبه ووجدانه، ملجاي حين تقسو علي الدنيا وتتسلط الاقدار في غفلة منه والتي لن تطول فابي حتما سينتبه لأمري.

أقول لامي حين تتجاهلني لولا أنى أشبه أبى لقلت أنني ابنة عائلة اخرى، تنظر الي باستغراب واستطرد، قد اشك انني استبدلت في المستشفى باخرى،
يا ليتني استبدلت
اين تلك البديلة تاتي واعطيها عجزي ويأسي واستسلامي،
من تأتى لأحملها مشاكل عجزت عن حلها وامال يأست من تحقيقها وقدرا انحنيت له اخيرا واستسلمت.
من تأتى لأحملها كلمة حاضر التي أصبحت حاضرة تلقائيا تعبيرا عن إذعاني وخنوعي وإعلاني الصارخ الخجول عن استنفاذ قدرتي على التمرد و المواجهة.
كنت أحسب أن الإرادة نربيها بالمثابرة ولكنني اكتشفت أن القوة نستهلكها في فيما يسمى الصبر و الانتظار.
لو أتى أبي اليوم هل يحل مشاكلى/مشاكله، هل يستطيع ابي ان يعيد ترتيب الطبيعة، يرتب رفوف قلبي الفوضوي ويرفو ثقوبه ويقول لي: لك مكانا في قلبي وفي بيتي، انت رقم انت مهمة، انا احسب لك دائما حساب، هل سيجد حلا لأرقي، واوكسجينا لرئتي، و مسكنا طبيعيا لآلامي ويغنيني عن فيتاميناتي؟
هل سيكمل الخطوة الوحيدة المتبقية في طريق الالف ميل الذي قطعته ؟
سيضمني إليه ويقول استريحي يا ابنتي لقد اتعبوك،

لو كان ابي موجودا لعرفت للعائلة معنى غير تراكم المشاكل المستعصية على الحل، وعلي اجتراح المعجزة لحلها، لعرفت معنى للاخ الاكبر غير التسلط وقت الراحة والتنكر وقت الشدة،
لو كان ابي موجودا لعرفت لطلب العون معنى غير الضعف والاتكال، لاصبح الاعتماد على النفس حاجة غير ملحة، وان الدمع ليس ضعفا ولم يخلق للمرء هباء،

لاجبر أمي، إضافة لعقد زهر الليمون الموسمي الذي تعده لي أن يكون لي نصيبا من امانيها واحلامها ومشاريعها التي تخص بها ابنائها الذكور.
لن تضطرني للقول بالانجليزية لانفس غضبا قابل للانفجار واتجنب غضبا قد لا يكون قابل للغفران "انا رقم انا مهمة، يجب ان يحسب لي حساب"، فأنا كذلك عند أبى القوي الذي لا ينفض يديه من أمري أبدا.

لن اضطر لتحمل مسئولية من يصغرني ومن اصغرهم، لن اسهر على راحتهم بعد الان وليس مطلوبا مني ترتيب حياتهم إلى جانب ترتيب اسرتهم، لست مطالبة بخوض غمار الالم في محاولة لتحقيق أملا لهم، فتلك مهنته الجميلة، لن اعطل أي من مشاريع حياتي او اؤجلها من أجلهم، هو من يساعدني على التخطيط لحياتي ويحلم معي بفراشاتي وزنابقي ويسقي حوض الفل في غيابي القصير عنه.

لو كان أبى موجودا لما اضطررت للاكتشاف بعد ضياع الحلم انني اعيش على هامش العدم، وانني لست رقما ولست مهمة ولا يحسب لي حساب، لانه لم يعد لدي ما اقدمه وليس لديهم فائضا يكون نصيبي،
لربما نسيت الشعور الدائم أنني مدعوة للتحدي واثبات الذات النكرة و لربما ابتعدت تماما عن دراسة التكنولوجيا، فلست بحاجة لها لاثبت انني جديرة بما استحق، وانني مختلفة وعلى قدم المساواة مع الرجال
لربما وجدته شيئا عاديا ان انشغل باحلامي التافهة كأي أنثى اقتني المجلات الرخيصة واحافظ على دماغي نقيا، واعيش مراهقتي في اوانها بشغفها واندفاعها واحباطاتها،
يعد لي كتفا ابلله بدموعي حين يكسر قلبي الرجل الذي احبه، ويطبطب علي ويستمع لرعش قلبي الصغير ويمنعني من الاتصال به ثانية، ولا ينفض يديه مني أبدا مهما اقترفت.

ما أتخيله الآن أن أبي المنتظر سيأتي، أين كان؟ لا اعرف، ولكنه يعود ضعيفا، مهزوزا و مستكينا، يحلم بشيخوخة دافئة، ويعلم ان له ابنة لم تعد صغيرة، ادمنت الاعتماد على النفس وتدربت على حمل المسئولية جيدا، بامكانها ان تؤدي وظيفتها المعتادة مع ابيها،
اهلا يا ابي
هناك ركنا في قلبي لم يثقب بعد هو لك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا


.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا




.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر