الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم و احد و طبقتان*

نادية محمود

2011 / 5 / 17
ملف 1 ايار 2011 - تأثير ثورات العالم العربي على تقوية الحركة العمالية والنقابية


لم يظهر الصراع الاقتصادي و يعبر عن نفسه بهذه الدرجة من الوضوح كما يجري التعبير عنه في الاحتجاجات الحالية و الثورتين المصرية و التونسية. يقول سامي زبيدة عن حق" ان الطبقات ليست قوى سياسية بحد ذاتها و لكنها تصبح كذلك في سياق و مسار سياسي معين". ليس هنالك مسار اخر افضل مما يجري الان في دول المنطقة لتتحول الطبقة العاملة فيها الى قوة سياسية. الا ان الطبقة العاملة حتى تتحول الى قوة سياسية و قوة سياسية مؤثرة تحتاج الى حزب سياسي تتشكل فيه، و تتمظهر فيه، و تعبر عن نفسها فيه.

الا ان هذا، و خاصة في اطار الثورة و مسار الحركة العمالية في تونس و مصر اصبح امرا يكاد يكون معروفا. فعدد الاحزاب التي تشكلت و تتشكل في هذين البلدين الان على سبيل المثال، تعكس حقيقة حجم الطبقة العاملة و خاصة في مصر، الذي يستدعي تمثيله في حزب سياسي مستقل.

الا ان باطلاعنا على بيانات اكثر من حزب متأسس او في طور التأسيس، يتضح انه في الوقت الذي تؤكد فيه هذه الاحزاب على يساريتها و شيوعيتها و اشتراكيتها الا انها و في اطار رؤيتها للوصول الى اشتراكياتها، ترفع شعارات الحركة القومية العربية، في حين ان شعارات و مطاليب الجماهير العمالية، شعارات طبقية واضحة بمواجهة الانظمة الحاكمة، من اجل فرص عمل، ضمان بطالة، خدمات، انهاء الفساد، و مطلبها الاساسي السياسي بازالة انظمة الحكم التي فرضت هذه الاوضاع.

لم ترفع الجماهير العمالية المحتجة في ميادين التحرير في العالم العربي شعارات " معاداة الامبريالية" "اسناد المقاومة" و " معاداة الاحتلال" لم ترفع الجماهير شعارات" التشكل النهائي للامة العربية" و" "مقاومة الاستعمار" " التحرر الوطني" .

ان الحركة القومية العربية فقدت ارضيتها في معركة النضال من اجل المطاليب الاقتصادية و السياسية للجماهير العمالية والكادحة. الا انها لما تزل و لم تكف عن السعي لحرف نضالات الجماهير العمالية من وجهتها المطلبية الاقتصادية الاساسية التي تمس امنها و حياتها، الى قضايا و شعارات لا ترتبط و مصالح الجماهير العمالية الكادحة بصلة. ان شعارات الحركة القومية العربية تعبر عن هويتها الطبقية الرأسمالية المحلية المناهضة للرأسمالية العالمية. تلك الحركات والحكومات التي اعتاشت لسنوات على الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، لم تقدم حلا لهذا الصراع فحسب، بل ايضا، باسم هذا الصراع، لجمت و قمعت الجماهير تحت شعار" لا صوت يعلو على صوت المعركة". كيف يمكن لجماهير مقموعة ان تحرر شعب مضطهد؟ بامكان الحكومات القومية العربية فقط الاجابة على هذا اللغز.

لقد نجحت الحركات القومية على سبيل المثال في حرف نضال الجماهير الكادحة عن وجهة نضالها الحقيقي و الاصيل في مدينتي الموصل و الرمادي في العراق ، عن المطلب الاقتصادي الذي تطالب به الجماهير العمالية " فرص عمل، خدمات، و انهاء الفساد" الذي اخرج المتظاهرين الى الشارع بالدرجة الاولى، الى شعارات و تظاهرات "ضد الاحتلال"، مغيبة المطلب الجماهيري الاساسي لتلك التظاهرات. هذا حرف و تشويش تقوم به الحركات القومية العربية، راكبة موجة الاعتراضات الجماهيرية للعمال و الكادحين لتوجييها صوب اهدافها و شعاراتها لنصرة الرأسمالية المحلية بوجه الرأسمالية العالمية. ان خطر الحركات القومية العربية يحوم ليغير وجهة هذا النضال و بالتالي يحبطه في مسار توجيهه وجهة خدمة الحركات القومية العربية، على الجماهير ان تحتاط منه.
التيار الاسلامي شهد افوله في هذه الاحتجاجات. ليس هنالك وقت انحسر فيه هذا التيار في العقود الاخيرة، بقدر انحساره الان، على ارضية الصراع الطبقي و الحرب الطبقية الدائرة اليوم بين ملايين تريد فرص عمل و خدمات و امن و كرامة، و بين اقلية ضئيلة تسرق و تنهب و تمارس ابشع انواع العنف.

التيارات الاسلامية سعت الى ركوب موجة الاحتجاجات الجماهيرية التي رفضت سياسات الخصخصة و السياسات النيو ليبرالية التي شرعت في المنطقة منذ اوائل الثمانينات للقرن المنصرم، مع الازمة الرأسمالية العالمية التي اجتاحت العالم انذاك. لقد تمكنت حينها من توظيف طيف من الاحتجاجات المعترضة والمحتجة بوجه تلك السياسات تحت شعار "الاسلام هو الحل"، ها هي اليوم، و بعد تمتعها بفرصة تاريخية لتقديم " الحل" على امتداد 30 عاما، اثبتت انها ليست لا تملك حلا فحسب، بل انها جزءا لا يتجزء من المشكلة. انها جزء من النظام الرأسمالي العالمي الذي يستنجد بصندوق النقد الدولي ليقدم لها الاستشارات في كيفية خنق الجماهير اكثر، ايران و الجزائر والسودان و اخيرا في العراق، نماذج حية على فشل الاحزاب الاسلامية في تقديم اي حل، و هي متربعة على اعلى هرم في السلطة، و متحكمة بموارد النفط.

ان التيارين القومي و الاسلامي لا يقفان على ارضية واحدة و الجماهير في هذه الحرب الطبقية الدائرة بين العمال و الكادحين و دعاة الحرية و المساواة من جهة، و القوى الرأسمالية الرجعية من جهة اخرى. انهما يقفان على ارضية الخصم. انهما اعداء للجماهير العمالية، انهم مدافعون عن المصالح الطبقية الرأسمالية، مهما كانت شعاراتهم.

الجماهير العمالية و الكادحة و التحررية في حمية صراعها الحقيقي و الجاد في معترك دفاعها عن حياتها و معيشتها، لم ترفع اي من تلك الشعارات القومية، و بقيت في تركيز تام على مطاليبها الاقتصادية و السياسية،و لم تلتبس الامورعليها، لقد كانت واضحة و واضحة فيما تريد. لم يختلط لديها " مقاومة الاحتلال" و "معاداة الاستعمار" مع "الامة العربية الواحدة"، بمطاليبها الاقتصادية والسياسية.

بدأت الجماهير العمالية تعلن عن " رؤيتها" هي ايضا، و باشد ما يمكن من الوضوح و البسالة. ان " صراع الحضارات" ليست مشكلة الجماهير الكادحة، و ليس "الاحتلال" هو مشكلتها الاساسية، ان دولا ليست محتلة، تعاني الامرين حالها حال الدول المحتلة، و ان الرأسماليات المحلية ليست اكثر رحمة و اكثر رأفة بحال " مواطنيها" من " المستعمر الامريكي". انها طبقة واحدة و استغلال واحد، و سعيهم الى مص الدماء، و اكتناز الاموال و النهب و السلب امورا لا يختلفون عليها. ان الذين يسرقون و ينهبون الملايين من الدولارات من ثروات الجماهير من الحكام العرب، ليسوا اقل نهبا من الشركات الاجنبية لخيرات المجتمع. انهم كلهم لصوص. انهم طبقة واحدة.

يجب التركيز كل التركيز على هذه المهمة الان، على الحرب الطبقية الدائـرة، على التصدي لممثلي الطبقة الرأسمالية، بجيشها و برلمانها و بقراراتها و بقوانينها، و وضع الاستراتيجيات الواضحة لمسار و افق هذه المواجهة. التركيز كل التركيز يجب ان يتوجه اليوم الى اية استرايجيات واية تاكتيكات سننتهج في مصر و تونس، كي: اولا نديم و نواصل الثورة، ثانيا: ان نحبط الثورة المضادة، ثالثا: ان نحدث منعطفا تاريخيا من حيث تمثيل الجماهير في اعلى سدة الحكم، ان تكون الطبقة العاملة و ممثليها هم صناع القرار في شؤون حياتهم الاقتصادية والسياسية. ان هذه معركة عظيمة، بامكان انتصارها ان يغير وجه التاريخ القادم الى غير رجعة، ان انتصاره، سيكون له وقع كومونة باريس و ثورة اكتوبر، منتصرتين.

* من الملاحظات التي قدمت في مؤتمر مرسيليا الذي عقده الحزب الجديد المناهض للرأسمالية في مايو/ ايار 2011.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عالم واحد
نبيل عبد الأمير الربيعي ( 2011 / 5 / 17 - 10:48 )
تحية طيبة للرفيقة والاخت نادية محمود
ارجو التواصل والاستمرار في الكتابة في موقع الحوار المتمدن لتنويرنا بافكارك لقد فقدت مشاهداتك ولقاءاتك على القنوات الفضائية ولكن اليوم فرحت لقراءة مقالك الممتع والمفيد والذي يجيب على اكثر اسئلتي التي كنت او جهها للمناضل حسقيل قوجمان مع فائق شكري وتقديري لهذا الموضوع وما يحدث في تونس ومصر ودور الطبقة العاملة والاحزاب السياسية

اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم