الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دانات أطلسية

طارق حجي
(Tarek Heggy)

2011 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


كتبت هذه الدانات صباح يوم 10 مايو 2011 على مقهى بمنطقة "المدية" بمدينة الرباط المغربية المطلة على المحيط الأطلسي.

الدانة الأولى:

كنا بمقهى فوق ربوةٍ تطل على موقعٍ فريدٍ في العاصمةِ المغربية حيث كنا في "المدية" نرى مصب نهر أبي رقراق في المحيط الأطلسي وهو مكان مرتفع يتيح لنا رؤية مدينتي "الرباط" و"سلا". سالني المضيف وهو وزير مغربي سابق لحقوق الإنسان عن وجهة نظري في اختلاف مسلَك الجيشين المصري والتونسي عن مسلَك الجيوش اليمنية والليبية والسورية . أجبتُ بأنني على علم (ولست أخمن) أن حكام الدول الخمس أصدروا أومرهم لجيوش بلادهم بإنهاء الثورة حتى لو اقتضى الأمر قتل عشرات الآلاف . وفي الحالة المصرية فقد حدث ذلك بالتحديد يوم 10 فبراير 2011 . وبينما نفذت الجيوش اليمنية والليبية والسورية أومر حكامها ، فقد اتخذ قادة جيشي مصرَ وتونس موقفاً مغايراً تماماً قوامه "عدم إطلاق رصاصة واحدة" على أبناء وبنات وطنهم . وعلةُ الاختلاف جليةً لكل من يعرف كيف تقاد هذه الجيوش الخمسة . فالجيوش التي يقودها ابناءُ الحكام أو أشقاؤهم أو أهلُهم (كما هو الحال في اليمن وليبيا وسوريا) هي التي قتلت أبناء وبنات الوطن. أما الجيوش التي يقودها ضباط من ابناء الشعب (كما هي الحال في مصر وتونس) فإنها هي الجيوش التي رفضت (قادة وضباطاً وجنوداً) أن توجه سلاحها لأبناء وبنات شعوبها. وهكذا يرينا الواقع وجهاً آخراً قبيحاً من وجوه النظم الجمهورية – العائلية منبتة الصلة بالحضارةِ والتمدنِ.

الدانة الثانية:
سألني دبلوماسي سعودي حضر منذ أيام محاضرة ألقيتها بجامعة إبن طفيل بمدينة القنيطرة المتاخمة لعاصمة المغرب عن تفسيري لتمسك عددٍ من الحكومات العربية بحظر تدريس مادة الفلسفة بمدارسها وجامعاتها. فقلت أن الفلسفة هي التي جعلت اليونان وروما (قديماً) صاحبتي حضارتين من أعظم الحضارات في تاريخ الإنسانية . ونحن نتحدث هنا عن حضارتين غير ميتتين (على خلاف الحضارة المصرية القديمة وحضارة بلاد مابين النهرين) . فالحضارتان اليونانية والرومانية حيتان اليوم من خلال حضارة الغرب ( حضارة الرينيسانس وما بعد الرينيسانس). وأضفت أن قتل الفلسفة (أو التفلسف أو التمنطق) خلال القرنين التاليين للقرن العاشر (الميلادي)في المجتمعات المسلمة والعربية هو (وحده) سبب الجمود المعرفي والتكلس العقلي والضمور البحثي الذي أدى لدخول هذه المجتمعات في طور بيات حضاري طويل وقع خلالها إستعمارُها . وفي العصور الحديثة ، فإن الحضارة الغربية كانت الفلسفة هي العمود الفقريِ لهذه الحضارة. وبإختصارٍ ، فإن الفلسفة تفعل (بضم التاء وفتح الفاء وتشديد العين المكسورة وتسكين اللام) الأنشطة العقلية والفكرية ، وتبث الحيوية في العقل النقدي ، وتخلق مناخاً يسمح بكل وكافة وسائر الأسئلة . ولما كانت الأسئلةُ "مبصرةً" والأجوبةُ "عمياءً" ، كما كان الإغريق يقولون ، فان المجتمعات التي إنتشر فيها الفكرُ الفلسفي هي التي تطورت وقادت مسيرة التمدن والتقدم الإنسانيين لما نراه اليوم والذي يلخَص (ويترجَم) في تقدمٍ علمي هائل يثمر تحسناً عظيماً في الظروفِ / الشروط الحياتية للإنسان.
ولما كانت الفلسفةُ تحض على إثارةِ الأسئلةِ ، فقد كانت عدواً كبيراً لكل النظم التي لا تريد أن تصل شعوبها (عن طريق الأسئلة) لوضع قواعد الحكم والتصرف في المال العام ، ناهيك عن جعل الحكاّم (في النهاية) "خدماً" للشعوب وصيرورتهم مسؤولين أمام الشعب وليس أمام أحد آخر.
وفي المجتمعات العربية التي لا تزال توجد بيئاتها السياسية (حتى اليوم) في ظلام القرون الوسطي (واحيانا : ما قبل القرون الوسطى) ، فإن أكثر ما يخافه الحكام هو "الأسئلة". مثل : لماذا تحكوموننا ؟ ... وعلى أي أساس وبموجب أية مرجعية ؟ ... ومن الذي يحاسبكم ؟ ... وماهي أسس التصرف في المال العام؟ ... وغيرها من الأسئلة.
ورفض تدريس الفلسفة هو سمة يشترك فيها حكام تلك المجتمعات وخدمهم وفي مقدمة هؤلاء المؤسسات الدينية التي تحض على ثقافة الطاعة . وتدلنا دراسةُ التاريخ أن المؤسسات الدينية كانت دوماً شريكَ أساسٍ في هذا الوضع المزري . ويكفينا أن نطالع ما ردده كبراء المؤسسات الدينية في تلك الدول العربية القرو-أوسطية ضد ثورات المجتمعات العربية الحالية ، سيما عن ثورة شباب مصر التي جعلت حكام وفقهاء الدول العربية القرو- أوسطية لا ينامون نوماً هانئاً منذ 25 يناير 2011 !

الدانة الثالثة:
في الأيام الأولى للسنة الحالية (2011) كنت أسير في الحي اللاتيني بالمدينة النور (باريس) بعد إلقائي كلمة في الإحتفال الذي أقامه ناشر كتبي بالفرنسية عن احدث هذه الكتب وهو كتابي "Le Djinn Radical" ("العفريت الأصولي" من منشورات L Harmattan ). واذا بي أجد أنني أسير في "ميدان محمود درويش المطل على نهر السين"... فهمست : يا الله !! بلادنا تحتفى بكائنات أحفورية تحكمنا وتنسى ابناءها العباقرة !.. أما المدينة النور (باريس) فتحتفى بهم وتطلق اسماءهم على ميادينها وشوارعها . يومئذ ، تذكرت المشهد الوارد بأحد الأناجيل ليسوع الناصري وهو يغادر مدينة الناصرة والأطفال يلقونه بالحجارة ويهتفون : "حتى ابن مريم يتنبأ" !

الدانة الرابعة:
منذ أيامٍ واثناء عشاء اقامه سفيرُ مصرَ بالرباط بمناسبة زيارتي للمغرب ، سألني سفيرُ دولة خليجة عن توقعاتي بالنسبة للنظم الملكية العربية . فقلتُ : أن "مشيخات" الخليج (السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان) إما أن تتحول لملكيات برلمانية / نيابية تكون فيه السلطة التنفيذية في يد رئيس حكومة منتخبة ، واما أنها ستتحول لجمهوريات . وينطبق ذات الشئ على الأردن . أَما المغرب فهي المملكة الوحيدة التي بدأ(بالفعل) ملكها في نقل العديد من سلطاته التنفيذية لرئيس حكومة منتخب . وأضفت ، أن التحدي الأكبر أمام "المشيخات العربية" هي أن تتحول لدول حديثة وتترك طور المشيخات التي تبعدها عن المعاصرة وتعرضها لرياح تغيير عاتية. وتقتضي الموضوعية ذكر ان "الكويت" تقف كإستثناء بين مشيخات الخليج ، فهي الوحيدة التي يمكن وصفها بأنها دولة (نسبياً)

الدانة الخامسة:
دولتان عربيتان نفطيتان أصابهما ذعرُ كبيرُ عندما أنهت ثورة الشعب التونسي حكم بن عليِّ ، ثم أصابهما ذعر اكبر (بكثير) عندما انهت ثورة الشــعب المصــري حكـم حسـني مبارك ( وأوليجاركيته) ، بل ومارستا ضغوطاً هائلة (كنفس الضغوط التي مارستها اسرائيل ولنفس الغاية) على الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدة حسني مبارك على البقاء فوق سدة حكم مصر ! والحقيقة ان حكام الدول الثلاث ( أي حكام المشيختين العربيتين واسرائيل ) لم يكن قصدهم على الاطلاق "مصلحة حسني مبارك" وإنما قصدا خدمة مصالحهم هم المتمثلة في مقاومة تيار التغيير في أكبر دول إفريقيا والشرق الأوسط والمجموعة العربية. فنجاح تيار التغيير في مصر سيأتي بحكام هدفهم خدمة مصالح مصرَ لا مصالح هذه الدول الثلاث والتي لا يعنيها شعب مصر ولا تعنيها مصلحة مصر بأيِّ شكل من الأشكال . ولو كان الأمر بيدي ، لطلبت من الدولتين العربيتين النفطيتين سحب كل استثمارتهما بمصر. فمصرُ اكبر من كيانات هي تجسيد حيِّ لعصور الظلام الوسطي. ولن تأتينا من كيانات كهذه إلاَّ "قيم التخلف". يقول العبقري نزار قباني: "أقبل النفط علينا / فإرتمينا على قدميه / ان شعري لا يبوس الدين / وأحرى بالسلاطين أن يبوسوا يديه).

الدانة السادسة:
يوم 9 مايو 2011 وأثناء الجلسة الختامية للمؤتمر الأربعين لاتحاد النساء المغربيات والذي دعتني لإلقاء كلمة ضمن فعالياته رئيسته (الأميرة مريم الأبنة الكبرى للملك الحسن الثاني) قلت لنائبة رئيسة اتحاد نساء المغرب الأميرة أم كلثوم بنت الحسن المهدي العلوي أن حصول المرأة العربية على كافة حقوقها (وهو ما يقاومه الرجل العربي الذي خربت جزءاً كبيراً من عقله الثقافة العربية والاسلامية) لن (ولا يمكن أن) يكون ثمرةَ مساندةِ رجالٍ مثلي كتبوا كثيراً عن ضرورة تمكين المرأة للوصول لكافة حقوقها (المنهوبة) ، وانما ذلك سيكون (ان حدث) عن طريق كفاح المرأة نفسِها وإنتزاعها لحقوقها من "ذكور" ينتمون لذهنية القرون الوسطى وسوسيولجيا الكثبان الرملية وعقلية الخيمة والنوق !

الدانة السابعة:
كيف يسمح حاكم عربي لنفسه بان تسمي المنح المالية التي تعطيها حكومته للشعب ( من مال الشعب ) بتلك التسمية القميئة "المكرمة الملكية" ؟! المكرمة الحقيقية ياصاح هي مكرمة شعبكم عليكم وعلى اسرتكم التي تعيش نمطاً اسطورياً من الثراء الفاحش على حساب شعبكم الذي نسيتم انكم محض حزم له وليس لمكان محدد فيه !

الدانة الثامن :
في جامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة المغربية قالت له : "انني اقرأ كتابتك اكثر من مرة لأصل لكل رقائق ما تكتب" ... فأدرك انها "مدرسة فلسفة" دون أن يكون له علم سابق بذلك !

الدانة التاسعة:
ادعو الذين يريدون مزيداً من التعرف على تفكير بنيامين نيتنياهو رئيس وزراء اسرائيل الحالي ان يطالعوا بعض مؤلفات والده المؤرخ الاسرائيلي بنذايون نيتنياهو المولود في 1910 والذي كان سكرتيراً لأكثر الصهيونين تعصباً وهو زييف جابوتنسكي .

الدانة العاشرة:
منذ بضعة أيام كنت ألقي سلسلة محاضرات عن (المواطنة والهوية والآخر في الثقافة العربية" وعن حتمية تثوير التعليم الديني الاسلامي" وعن "تراجيديا وضع المرأة العربية" . وقد ألقيت هذه المحاضرات بعدة مؤتمرات وجامعات مغربية. وأنا انسان ما أن ترى عيناه جامعة مغربية حتى استرجع سنواتي المغربية (1976/1979) عندماكنت مدرساً بجامعة فاس المغربية ( اسم الجامعة الرسمي: جامعة محمد بن عبد الله – ومحمد هذا هو محمد الرابع ملك المغرب في القرن التاسع عشر ) . عندها ، تجتاحني نوبة نوستالجيا عارمة . فهنا صدر كتابي "أفكار ماركسية في الميزان" ( فاس ، 1978 ) وهنا كتبت مسودة كتابي "تجربتي مع الماركسية" ( نشر في القاهرة في 1983 ). وهنا عكفت على دراسة كل ما وصلنا من مؤلفات ابن رشد وشروحاته لأرسطو. وهي (اي كتابات وأفكار ابن رشد ) ما شكَّل ركن الأساس في علاقاتي بمسائل فكرية عدة. وهنا إكتشفت عوالم محي الدين بن عربي الرائعة . فكيف اذا لا تجتاحني نوبة (بل نوبات) نوستالجيا عارمة ؟!

الدانة الحادية عشر:
يحلو لي أن أكرر أن الحرب العالمية الثانية إنتهت على مرحلتين : الأولى في 1945 عندما هزمت المانيا (في شهر مايو) ومن بعدها اليابان (في شهر أغسطس). واما المرحلة الثانية فكانت في 1991 عندما انهار الاتحاد السوفيتي وانهار معه ما كان يُعرف بالمعسكر الشرقي . وهو التاريخ (1991) الذي اصبحت فيه الولاياتُ المتحدة الأمريكية هي "القوة العظمى الوحيدة على سطح الأرض". وفي إعتقادي أن أكبر خطايا الولايات المتحدة الأمريكية أنها آمنت خلال حقبة الحرب الباردة بأن كل عدو للاتحاد السوفيتي هو حليفها بالضرورة . وأما الخطيئة الكبرى الثانية فتمثلت في تعاملها مع حكامِ (لا شعوب) حلفاءها.

الدانة الثانية عشر:

لم يكن اسامة بن لادن هو "المرض" بل كان "عرضا" من أعراض المرض الذى هو ذلك المناخ الثقافي والتعليمي والاجتماعي العام الذي سيطر فيه زبانية التعصب الديني وأتباع أشد مدارس فهم الاسلام ميلاً للعنف ومقتاً للآخر ورفضاً للحداثة وتجليلتها. هذا المناخ هو "المرض العضال" . أما أسامة بن لادن فكان مجرد "ثمرة" من ثمار هذه الشجرة شديدة السمية. ولا علاج لهذا المرض العضال إلاَّ بثلاثة ترياقات : (1) بنظام سياسي ديموقراطي يحقق الكرامة والعدالة والمشاركة (2) بنظام إقتصادي يحقق شروطاً وظروفاً حياتية افضل لابناء وبنات المجتمع (3) بمنظومة تعليمية عصرية تغرس في عقول وضمائر ونفوس أبناء وبنات المجتمع قيم العصر والتي من أهمها التعددية والغيرية (قبول الآخر) واكبار قيمة الحياة الانسانية ، واجلال العقل الانساني بوجه عام والعقل النقدي بوجه خاص ، والسماحة الدينية والثقافية وحقوق الانسان وأهمها حقوق المرأة ، ثم قيم العمل الحديثة وأهمها علوم الادارة والتسويق والاتقان ( QM ) والموارد البشرية.

الدانة الثالثة عشر:
منذ ثلث قرن من الزمان كانت بين الولايات المتحدة وكل من إيران ومصر وتركيا صداقة عارمة . أما اليوم ، فإن الحال جد مختلفة ، فايران في حالة عداء مع امريكا . اما مصر وتركيا فبينهما وبين امريكا "صداقة باردة" ! والسبب (كما اكرر) ان الولايات المتحدة (بسطحية معرفية منقطعة النظير) اقامت علاقاتها مع حكام غير ديموقراطيين لا مع شعوب .

الدانة الرابعة عشر:
اعتاد كاتب هذه السطور أن يجد على شبكة الانترنيت رسائلاً مفبركة منسوبة له. وبعضها يجذب سلسلة من التعليقات تجعلني اترنم ببيتين لأبي الطيب المتنبي:
اسامري ضحكة كل رائي / ضحكت وأنت أغبي الاغبياء.
عجزت عن المديح فقلت أهجو / كأنك ما عجزت عن الهجاء.
وهما بيتان أهديهما لأقرع وصفه ابن الرومي حين قال:
يأكل وجهه من رأسه
أكل نهار الصيف من ليله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب يقلد المشاهير ويصف بعضهم بكلمة ????


.. إيرانيون يعلقون على موت رئيسي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. آفة التنمر تنتشر في المدارس.. ما الوسائل والطرق للحماية منها


.. مصرع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في تحطم مروحية




.. مصرع الرئيس الإيراني.. بيانات تضامن وتعازي ومواساة ومجالس عز