الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجلس العسكري وحكمة الجنرال -علي زيوار-

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 5 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



في العام الأول من حكم السادات كان كاتب هذه السطور طالبًا في الكلية الحربية، المنقولة وقتذاك إلى منطقة خزان جبل الأولياء بجنوب السودان، تفاديًا لغارات العدو في العمق المصري. وكان يجرى للطلبة اختبار رياضي أسبوعي في اختراق الضاحية لمسافة سبعة كيلومترات. ولما كان العبد لله عداءً متفوقًا، فما إن بدأ أول سباق حتى أطلقت ساقي للريح، غير أنني فوجئت بصوت جهوري رنان يصرخ في قائلاً:
- أنت يا طالب بتسوَّح زمايلك ؟
وكلمة (بتسوح) في العامية المصرية تعني أنني أضيع زملائي..
كان صاحب الصوت هو كبير معلمي الكلية وقتذاك العميد "علي زيوار" مذيع مباريات كرة القدم الشهير.. أما عن التسويح فقد أفهمني أن الطالب الذي يحقق المركز الأول يحصل على عشرة من عشرة من الدرجات، وكل طالب يأتي متأخرًا دقيقة تخصم منه درجة.. ولذلك طلب منا أن نعدو متجاورين حتى نصل لخط النهاية في وقت واحد تقريبًا..
قلت له إن زملائي قد يتفوقون علي في تمارين أخرى مثل تمرين القرفصاء والضغط.. فقال لي بعد أسابيع سترتفع اللياقة البدنية عند الجميع ويومها ليكن التنافس بينكم على أشده.. ثم لكزني في كتفي وأعادني إلى السباق المحكوم..
ورغم أنني قد أخرجت من الكلية مبكرًا بفعل التقارير إياها من الجهاز الذي أسقطته ثورة يناير المصرية.. فإن هذه الواقعة لم تغادر ذهني.. ولكنها قفزت بقوة إلى سطح ذاكرتي في الأسابيع الأخيرة.. وبالذات بعدما أصدر المجلس العسكري القانون الذي يلزم الأحزاب الجديدة بشروط تعجيزية كشرط جمع خمسة آلاف عضو، وشرط نشر أسماء الأعضاء في صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار.. الأمر الذي يوجب على كل حزب جديد أن يجمع عددًا كبيرًا من الأعضاء وينفق ملايين الجنيهات في غضون ستة أشهر فقط بعد عقود من الحظر الفعلي على الحياة الحزبية..
وإذا كان الحزب الوطني العرمرم قد تبخرت عضويته المليونية بعد ساعات من الثورة.. ألا يجعلنا هذا نفكر في أن عدد الأعضاء ليس الأساس وإنما فاعلية الحزب ونفوذه..
كما أن أحزاب الفقراء مثل الحزب الناصري وحزب التجمع تعاني اليوم من هجمة هائلة لرأس المال تغزو الأحزاب القائمة والجديدة، ليبرالية كانت أم دينية.. وتنفق الآن أموالاً طائلة في سوق السياسة الحزبية.. وانظروا فقط إلى ما أطلقوا عليها "مناظرة" الأحزاب الليبرالية في فندق فخم على النيل.. وها هي أحزاب تمتلك حتى قبل أن تبدأ قنوات تلفزيونية وقدرات إعلامية ومالية مهولة..
وتزداد الأمور سوءًا مع الأحزاب اليسارية الجديدة التي تحاول شق طريقها في هذه المنافسة غير المتكافئة مع الرأسماليين والاحتكاريين سواء من أصحاب الزي الأفرنجي أم من أصحاب اللحى والجلابيب. فهي مثل التجمع والناصري، أحزاب تنوي أن تناضل من أجل الفقراء فمن أين تأتي بالملايين كي تحصل على رخصة العمل الحزبي..
نقول للسادة أعضاء المجلس العسكري إنه بعد كل ثورة يصبح الأساس هو الإباحة وليس التقييد على تشكيل الأحزاب. ونعلم أن القيادات العسكرية قد تكون بعيدة عن تصور المناخ السياسي، ومستويات الوعي الجماهيري، ودرجة الاستعداد للانخراط في نشاط حزبي، ومدى إمكانية قيام أحزاب كبيرة منذ الوهلة الأولى لإنشائها.
ومن الواجب أن يعلموا أنه من الظواهر الطبيعية بعد فترة طويلة من القهر السياسي والجفاف الحزبي أن يكون عدد الأحزاب كبيرًا نوعًا ما، ومن الطبيعي أكثر ألا يمر وقت طويل قبل أن تسعى الأحزاب المتقاربة فكريًا وسياسيًا إلى الاندماج والائتلاف. فلماذا التعجل في فرض أوضاع على القوى السياسية والجماهيرية لم يحن أوانها بعد.
كما ننبه إلى أن الأحزاب قد تضطر إلى التحايل على الشروط التعجيزية فتقوم باندماجات غير مبدئية فيما بينها حتى تحصل على الترخيص، وبعد هذا ستندلع الصراعات الحتمية داخل كل حزب.. فلصالح من تُجبَر الأحزاب على أن تنشأ منقسمة ومفتتة أصلاً.. مما سيضيف المزيد من التشوش واللجج الحزبي.
ونفهم أن تواجد عدد كبير من الأحزاب يصعب مهمة الانتخابات لو جرت بالقائمة النسبية.. وإن كان من الممكن علاج هذا عن طريق الائتلافات واتفاقيات تجميع الأصوات بين الأحزاب المختلفة في حالة عدم تمكن حزب من الحصول على ما يكفي من الأصوات لنيل مقعد واحد في المجلس النيابي.. بل ومن الممكن أيضًا تطبيق نظام الاتفاقيات هذا بطريقة ما حتى في الانتخابات الفردية.
أخيرًا.. نرجو أن يعطي المجلس العسكري القوى الوطنية المصرية الوقت الكافي لتنظيم الشعب سياسيًا وحزبيًا على أسس مبدئية سليمة.. كما أن وجود عدد كبير من الأحزاب لا يعني بالضرورة تعريض الوحدة الوطنية للخطر، بل إن سياسة التجفيف الحزبي التي اتبعها النظام السابق هي التي أوجدت التوتر..
ومن المعلوم للمجلس أن تشكيل حزب بحجم يقارب حجم "لواءين" هو أمر صعب، كما أن عملية تشكيل أي لواء تبدأ بالقادة فالضباط فصف الضباط وهلم جرا.. كذلك الأحزاب تبدأ بالكوادر.. بل لا بد وأن تبدأ بالكوادر.. لأن مرحلة الإنشاء هي مرحلة صياغة الخط الفكري والسياسي والتنظيمي.. أما النمو الجماهيري للحزب فلا يأتي إلا بعد أن يكتسب شرعيته، ومن ثم تكون له أدواته الإعلامية القانونية.. وهكذا فإن حجم "الكتيبة" هو الحجم الأمثل الذي نتطلع أن يوافق عليه المجلس لتعديل القانون..
بالأحرى لا تزال مصر وثورتها وقواها الثورية والشعبية بحاجة إلى مزيد من الوقت بتوسيع الفترة الانتقالية حتى تتمكن من كسر الاحتكار السياسي للنخب في العاصمة..
ولعل هذا يفسر إصرار الإخوان على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أسرع وقت ممكن حتى يكون لهم القسط الأعظم في صياغة الدستور على مقاس أفكارهم.. أي أنهم يريدون أن (يسوحونا) على رأي على زيوار..
هنا تتضح أهمية حكمة الجنرال/ الكابتن.. فلا بد في بداية الفترة الانتقالية من بدء السباق من نقاط متقاربة.. فنحن في حاجة إلى مهلة منطقية أو حتى "تمييز إيجابي" لمصلحة الفئات المستضعفة أو القوى الجديدة التي لعبت الدور الأكبر في صنع الثورة.. ثم تفتح المنافسة على أشدها بعد فترة من استقرار قواعد اللعبة الديمقراطية، وإلا كنا بصدد إعادة إنتاج النظام الجديد سواء اتخذ مظهرًا مدنيًا أم دينيًا.. لأن جوهر الاحتكار السياسي سيظل كما هو.. أما الفئات الشعبية الحقيقية، وخاصة الفقراء ومتوسطي الدخل والمهمشين والأقليات وسكان العشوائيات والشباب والمرأة والمعاقين.. الخ فسيجدون أنفسهم في حالة اغتراب متجدد عن النظام السياسي.. لأنه سيكون نظامًا سياسيًا لاستبداد الأثرياء من أنصار المدنية والدينية على السواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ