الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللبرالية .. الهمجية .. الفاشية .. مصطلحات

مهدي بندق

2011 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تحت لائحة علم اجتماع السياسة وغيره من العلوم الإنسانية كالفلسفة والاقتصاد والتاريخ عرض كاتب هذه السطور على هذه الصفحة [ 12/4/2011 ] عددا ً من المصطلحات الداخلة في اهتمامات المشتغلين بهذه العلوم سيما الشباب منهم . وبين الإيجاز وشبه الإيجاز جرى تناول بعض هذه المصطلحات بالتعريف تأريخا وضبطا ً ، كان من بينها : أيديولوجيا / فلسفة / ميتافيزيقا / سلطة / ما بعد الحداثة / الدستور / ما قبل دستوري / تنازع المواد الدستورية / مجتمع الاستعراض / نظرية / ثقافة وغيرها . ولحسن الحظ فإن كثرا ً من القراء التفتوا بقوة ليس حسب إلى أهمية شرح هذه المصطلحات بل وضرورة " تحديثها " باعتبارها الأدوات اللازمة لبناء الفكر المعاصر ، حتى أن بعض أفاضلهم انتقد لجوئي إلى الاختصار فيما كان واجبا ً تفصيله . فلنحاول إذن شيئا ً من التفصيل ورزقي ورزقهم على الله .

***
لبرالية Liberalism لغة ً تعني التحررية ، تأكيد حرية العقل ، في مواجهة التزمت والتمسك بالنصوص خاصة الدينية في مجال المعاملات .
أما في المصطلح فالمقصود بها منظومة تجمع بين عناصر ثلاثة : العقلانية والفردية والعلمانية ، وقد ظهر هذا المصطلح مع انتشار وتوسع النظام الرأسمالي في أوربا حيث أطلق آدم سميث عبارته الشهيرة دعه يمر دعه يعمل laisser passer , laisser fair لتحجيم هيمنة الإقطاعيين على أقنانهم ( = فلاحي الأرض ) وكانوا يحتجزون داخل المقاطعة بأوامر اللوردات ، بينما كانت مصانع البورجوازيين في المدن تحتاج إليهم كعمال أحرار . وعليه فقد لازم مصطلح اللبرالية في المجال الاقتصادي ضرورة الاعتراف بحق كل الأطراف ( أصحاب مصانع – تجار – عمال ) في ممارسة النشاط الإنتاجي على خلفية الملكية الخاصة وقوانين السوق . وأما في الجانب السياسي فاللبرالية تعد نهجا ً وأداة عمل لكونها مبدأ يجرى بمقتضاه السماح للجميع بحرية الفكر والتعبير والعقيدة وإنشاء المنظمات والاتحادات والنقابات ... الخ ومن الواضح أن اللبرالية قرينة الديمقراطية ، وإن كان محتملا أن توجد اللبرالية دون الوصول إلى الديمقراطية في حالة إحجام الدولة عن حماية الأقليات أو خلوها من الضمانات المتعلقة بحرية العقيدة الدينية أو قيامها بالتمييز بين مواطنيها إذا سمت الدولة لنفسها دينا معينا دون غيره .

الهمجية Savagery بلغت الحضارة الأوربية الحديثة أقصى درجة من درجات التعالي والغطرسة جراء نظرتها إلى نفسها كممثل أوحد لرقي الجنس البشري ، وبالمقابل دشنت نظرة استعلاء تجاه كل ما عداها من إبداعات الأقوام المختلفة ، ففي تقديرها أن هؤلاء الناس إما تخلفوا عن ركب الحضارة كالعرب المسلمين ، وإما جمدوا فلم يتطوروا أصلا : الهنود الحمر ، القبائل الاسترالية ، والعشائر المقيمة حول حوض نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية ، وأهل التبت في آسيا ...الخ ولم يجرؤ أحد من المفكرين الأوربيين عن الخروج عن هذا الخط غير دافيد ليفي ستروس صاحب كتاب " المداران " وكتاب " العرق والتاريخ " وغيرهما من الكتب التي فتحت الفضاء الإنثروبولوجي أمام الباحثين الجدد الراغبين في التحرر من نظرة حضارتهم ذات الأفق الضيق تجاه الآخر المختلف .
لقد ظل ستروس يبحث عن أخلاقيّة جديدة تعيد الإنسان إلى حالة أقرب ما تكون إلى طبيعته الأصليّة ، إلى أن وجد ضالّته عند المفكّر الفرنسيّ "جان جاك روسّو" صاحب نظريّة "الهمجيّ الجميل" (Le bon sauvage) كما وجدها أيضا في البوذيّة والماركسيّة اللتين تؤمنان بالمساواة التامة بين البشر .
وبقدر ما اعتبر روسّو أن نوعيّة الحياة خلال العصر الحجري الحديث ( الذي اكتشف فيه الناس أهمّ الوسائل الضروريّة لتأمين معيشتهم ) هي الأقرب لصورة المجتمع المثاليّ ؛ بقدر ما قارب ستروس بين مجتمع روسّو "المثاليّ " المتصور ، وبين الواقع الفعلي لمجتمعات الهنود الحمر التي درسها في أمريكا، حيث اكتشف ليفي بنفسه كيف أن تلك المجتمعات إنما تعيش (تقريبا ) نفس حالة "الهمجيّ الطيّب" كما تخيّلها روسّو . وتلك هي مأثرة ستروس حيث برهن بالدليل المادي على أن نماذج جان جاك روسو لم تكن محض تخيل ضمن حالة " مثالية " مفترضة لا دلائل أو شواهد واقعية عليها. فهاهي الشواهد الواقعية تجئ بأوراق اعتمادها إلى ساحة العلم يصحبها " السفير " ستروس ، الذي أثبت إمبريقيا ً سمو حضارة الهنود الحمر من أسماهم الغرب المغرور الهمج ! ففي أنساق القرابة المكتشفة لدى " الهمج "، أظهر ستروس كيف تمكّنت مجتمعات الحقبة النيوليتيكية (العصر الحجري ) من اكتشاف الوصفة الناجعة لإعادة إنتاج نفسها دون صراعات مميتة ، وكيف تمكنّت هذه الحضارة " الهمجية " على مستوى الاقتصاد من إقامة نظام للمعيشة خال من الاستغلال و خالٍ بالتّالي من الاغتراب Alienation و كيف تمكّنت ثالثا ً -على المستوى السّياسيّ - من كبح جماح أي كيان متغول ومستقلٍّ عنها [ الدولة ] يسعى للتحكّم في الشّأن العامّ . فعلت هذا من خلال ترسيخ أعراف وظيفتها منع أية جماعة مهيمنة داخل القبيلة من الصعود على حساب بقيّة العناصر الداخلة في كيانها .
لكنّ هذه العبقريّة "البدائيّة" – يقول ستروس - لم تمنع الكهنوت من لعب دور إيديولوجيٍّ خطيرٍ حين راح يوهِم النّاس بوجود تضامنٍ اجتماعيٍّ داخل المجتمع مصدره ليس أعضاء المجتمع البشري أنفسهم ، بل مصدره كائن مفارق متعال Transcendental لا شأن للناس العاديين به ، إذ لا يعرف صفاته وذاته سوى الكهنة !
والحال أنّ الكهنوت جميعه ما كان له أن ينشأ وينمو إلاّ في ظل وجود تفاوتٍ طبقيٍّ – كان مستترا ً في البداية - شواهده ما لوحظ في المجتمعات البدائيّة عموما ً من صراعٍ غرست بذوره بين الأفراد الراغبين في اكتساب المكانات الاجتماعيّة والرّتب الدّينيّة .

المثقف Intelectual تشير الكلمة في اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى من يستخدم الخبرة العقلية كأساس لعمله ، وغالبا ً ما يكون هذا العمل متعلقا ً بمجالات النشاط الفكري والإبداعي .
أما اللغة العربية فتورد الكلمة في المصدر الثلاثي : ثقف بمعنى أصلح وهذب وشذب ، فيقال ثقف العود أي براه وشذبه ليكون صالحا ً للكتابة ، ومن هنا جاءت الاستعارة حيث المثقف شخص تم تهذيبه وتجهيزه ليصبح منتجا ً للأفكار وللأدبيات شعرا ً ونثرا ً ، فالمتنبي وأبو العلاء المعري والجاحظ والقاضي عبد الجبار مثقفون – حسبما أشار إليهم سلامة موسى بهذه الصفة لأول مرة في الأدبيات العربية في عشرينات القرن العشرين . بعدها عممها طه حسين لتشمل أساتذة الجامعات في عصرنا والنقاد والكتاب ومن لف لفيفهم .
وحسب زكي نجيب محمود فالمثقف هو من بإمكانه التمييز بين الرقائق المتعددة داخل النسق الفكري أو المذهبي الواحد فلا يكفي القول بأن هذا مسلم ، لأن ثمة مسلما ً شيعيا ً وآخر سنيا ً ، والشيعية مذاهب إمامية زيدية وإثنا عشرية واسماعيلية ( منها الفاطميون ) والإسلام السني ينقسم بدوره إلى سلفيين وصوفيين وقطبيين ...الخ ، كذلك الماركسية تنقسم إلى ماركسية لينينية ، وماوية ( نسبة إلى ماو تسي تونج ) وتروتسكيين أتباع تروتسكي الذي اغتاله ستالين .
ومن الواضح أن تعريف زكي نجيب إنما يتساوق مع مذهبه الفلسفي ( الوضعية المنطقية ) حيث يركز على مبدأ الدقة اللغوية لتوضيح الفوارق بين المتشابهين ، بأكثر مما ُيعنى بالتعريف لمفهوم المثقف من زاوية وظيفته الاجتماعية ، فضلا عن اتخاذ موقف نقدي حيال الأيديولوجيات التي يتبناها كل نوع من أنواع المثقفين .
ثمة تعريف آخر أورده سارتر أظنه مناسبا للحالة المصرية ، مفاده أن المثقف هو من يشرح للشعب حقائق الصراع الطبقي. وهو تعريف يعد امتدادا ً لنضال اليسار الأوربي الذي غير مفهوم الفلسفة بوصفها محض تأمل للكون وللحياة، لتصبح وظيفة الفلسفة " عملا " قاصدا ً تغيير الواقع .
ومن جانبي أقول إن المثقف هو الشخص الذي يناضل حتى يفلت من براثن الأيديولوجيا التي هي وعي زائف ، ولكن ذلك لا يتأتى له بغير دراسة وتحليل ومقارنة ، إضافة إلى تحليه بالشجاعة العقلية التي تجعله مستعدا لقبول النتائج مهما تكن مزعجة .

الفاشية Fascism تعني تلك الكلمة – ذات الجذر اللاتيني Fasces– الحزمة من العصي المترابطة ، وقد وظفها القادة والضباط الرومان
رمزا لقوتهم وتوحدهم، ثم صارت تعرض في الاحتفالات أمام الأباطرة دليلاً على سلطة الدولة ذات التماسك والهيمنة الشاملة.
ومن هذا الجذر اللغوي اشتق موسوليني، دكتاتور إيطاليا في عشرينات القرن الماضي كلمة يجدد بها فكرة الإمبراطورية الرومانية، ومؤسساً عليها مذهباً سياسياً يقول إن الأمة لا تعني الشعب الموجود في الزمان المتعين وحده، بل إنها – أي الأمة – تعود إلي الماضي السحيق لتشمل أرواح الآباء والأجداد الموتى، وكذلك تمتد إلي المستقبل لتضم الأبناء والأحفاد الذين لم يولدوا. وعليه فإن أعضاء الأمة – بهذا المعنى المتسع بغير حدود – لا غرو يمثلون الأغلبية، التي لا ُ تقارن بها أية ُ جماعة سياسية موجودة على أرض الواقع القائم مهما يكن عددها ! وعليه فالأغلبية المفترضة – في عقيدة هذا المذهب – هي التي تتجسد فيها روح الأمة، التي تتخذ من الأفراد المشخصين محض وسائل لتحقيق أغراضها "المبهمة" فلا عجب إذن أن تجد تلك الروح تعبيرها الأمثل سياسياً فيمن يؤمن بها إيماناً مطلقاً الذي هو الحزب الفاشي وحده دون سواه، شاء "الشعب" أم أبي !
وإلى مصطلحات أخرى في مقال قادم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -