الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقرات من المشاكسة الأدبية المعنونة - بولمحاين -

ناصر موحى

2011 / 5 / 18
الادب والفن


غادر بولمحاين الوادي تاركا أغريب يداعب الماحيا ويحرق سجائر سوداء واحدة تلوى الأخرى وسط صمت مخيف وظلام حالك لا يستفزه إلا ضوء خافت لقنادل متفرقة على أسطح المنازل تعاند كبرياء وغرور النجوم المعلقة ودردشات صيفية متقطعة تنبعث من السطوح التي تتحول إلى إقامات صيفية ليلا. فداخل حيطان المنازل تسيطر عليها الحرارة التي تزرع البق و إكوردان في كل أركان المنازل باحثة عن أي رائحة للدم البشري و الحيواني.
فوق حصائر مثقوبة وبالية يعرض القرويون أجسادهم وأسرارهم لنجوم السماء و إتران الروسية الصنع والتي يجهلون أنها تحوم حول رؤوسهم لتلتقط أدق حركاتهم ولحظاتهم الحميمية حين ينفخ الزوج زوجته والعشيق عشيقته والمحروم يده. يظنون أن السماء عالم نقي خاص بالله وملائكته ومن اقترب منهما يقذف بشواظ من نار وهو ما يحدث للشياطين حين يتسللون إليه لأخذ السبق الصحفي حول الأوامر التي يصدرها صاحب الملك المطلق لملائكته كي يوزعوها مقابل أموال طائلة على وكالات الأنباء المشعوذة عبر العالم. لم يدرون أن السماء فقدت بكارتها، يجول ويصول فيها أسياد العالم كما يحبون. حتى القمر الذي طالما تغنى العشاق والمهووسون بالليل و رومانسيته وبجماله تحول إلى مرحاض يتبولون عليه ومزبلة لدفن نفاياتهم القذرة بكل فخر واعتزاز. كل ليلة بعد أن يتعبوا من إهانات الشمس يسلمون ظهورهم للسطوح وعيونهم تعدد نجوم السماء الرقراقة وحين تظهر مجرة التبان يتهامسون فيما بينهم معتقدين أنها الطريق التي يتبعها لصوص التبن المسروق من مخازن قارون. يرون لصوص قارون تاركين أثرهم في لجة السماء ولا يرون لصوص هارون على الأرض تاركين آثارهم على أجسادهم النحيفة... كل ليلة يحلمون بسحابة تحجب عنهم عيون النجوم الفظيعة... كل ليلة ينامون خفاف البطون ثقال الأماني يرقبون ويراقبون، يتمنون أن يصبحوا على نهار تغيرت ألوانه الرمادية وانسحبت رياح الشركَي المقيتة الآتية من ممالك القحط الصحراوية من خرائطهم المناخية و النفسية...كل ليلة يتمنون أن تكون آخرة ليلة يحلمون فيها.
مع إطلالة فجر يوم الاثنين وكعادته منذ قرون شرع المؤذن في المناداة للصلاة وترك النوم رغم أنه مازال نصف نائم وصوته متردد لأنه غير مقتنع كليا بأفضلية الصلاة على ألذ لحظات النوم. قبل أن ينهي تعويذته، انطلق نهيق الشاحنتين المقتربتين من بوابة القرية، إمين إغرم، ردد الواد ومعه الصخور المطلة عليه صوتَهن المدوي، فأيقظ الحشرات من جحورها والبشر من سطوحها والأموات من قبورها. اضطر الفقيه أن يصلي بالقِلّة الحاضرة بسرعة معتمدا على ما جاء في كتيب معنون "متى وكيف تؤدي صلاتك في دقيقة من دون وضوء" !
أقام الصلاة وبسمل قبل أن تسوى الصفوف. فانطلق كالبرق في قراءة سورة الكوثر ذات العشر كلمات. سجد وركع فسجد فركع وأطلق العنان لأصبعه كرأس ذيل أفعى الصحراء. ختم وسلم على الجميع وأنهى صلاته الكوكوتية في وقت قياسي. هَمّ بالوقوف رغم أن المصلين ما زالو في السجدة الأولى فاضطر حساين أمدياز لقطع صلاته كي يسأل الفقيه قبل أن يسلت بهدوئه المستفز:
ـ لا أعتقد أن هذه الصلاة جائزة مادمنا في سلم ولسنا في حرب يا فقيهنا!
أجابه الفقيه دون أن يلتفت إليه:
ـ للضرورة أحكام أسي حساين، وحدهما النار والمخزن لا ينتظران. أنت غير مبال لأن النداء يستثني الشراف مثلك.
ـ ومن تعتقده بارك الله فيك مؤهلا لإمامتنا في غيابك؟
سؤال بقي معلقا إلى يوم يبعثون لأن الفقيه غادر المسجد وليس غبيا ليجيب عن هذا النوع من الأسئلة.

ناصر موحى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??