الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحلام شبيبة بلا حدود

علي جرادات

2011 / 5 / 18
القضية الفلسطينية



15 أيار 2011 يوم فلسطيني مشهود، صنعت فيه شبيبة فلسطين وجماهيرها الشعبية، في الوطن والشتات، حدثاً انعطافياً.
حدث رسم مشهداً لا أجمل ولا أبهى، (رغم فداحة التضحيات)، مسح قتامة أربع سنوات عجاف من احتراب فصائلي عبثي. حدث ينطوي على البعيد من الدلالات، ويرسل العديد من الرسائل، فاجأت وزعزعت مرتكزات تفكير خالها أصحابها بدهيات ثابتة، رغم تكرُّر اهتزازها، لعل أهمها:
1: أن في قوة إسرائيل ما هو فعلي تمتلكه عدة وعتاداً، وفيها ما هو مُضخَّم وهبها إياه نظام رسمي عربي عاجز، ما أن تهاوت قلعته الأكبر في مصر حتى عادت قوة إسرائيل إلى حجمها الطبيعي.
2: أن لقوة إسرائيل العسكرية حدود، كانت الانتفاضة الشعبية السلمية الأولى عام 1987 قد كشفتها وثلمت نصلها وتفوقت عليها سياسيا وأخلاقيا.
3: أن فرضية التطهير العرقي الصهيوني القائمة على أن "الكبار يموتون والصغار ينسون"، هي فرضية خرافية، لم يكن حدث الذكرى 63 للنكبة سوى برهان آخر على عدم قدرتها على الصمود أمام وقائع التاريخ.
4: أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، وأن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم هو جوهر هذه القضية، وبالتالي جوهر ما نشأ عنها من صراع لا حلَّ له من دون تلبية هذا الحق.
5: أن المناخات التيئيسية وفقدان الأمل والالتباس التي ضُخّت في الوعي الفلسطيني لعقدين من المفاوضات العبثية تحت الرعاية الأمريكية، ظلت عاجزة عن المساس بجوهر الهوية الوطنية التحررية وأهدافها العادلة، يغذي هذا الجوهر تراكمات المسيرة النضالية وجمرات التضحية التي لم تنطفئ والتيارات العريضة القابلة للاشتعال.
عليه، فإن لا مفاجأة في هذا الحدث الفلسطيني الإنعطافي، خاصة وأنه جاء، (فعلاً وانفعالا)، في زمن تتدافع فيه الجماهير العربيةُ من ارض اليمان إلى تطوان أيهما يسبق إلى كسر القيد وتبديد عتمة الليل العربي البهيم. زمن صنع فيه الحراك الشعبي العربي فجرا جديدا وحقيقيا للأمة. زمن تملأ فيه جماهير الأمة الشوارعَ الغضابَ بالمظاهرات، تكسر جدار الخوف وتستبيح هيبة الشرطي. زمن جيل عربي جديد يتلقف راية جيل مضى، ويصنع غده بيديه، يهدم القديم، فإذا فلسطين ُتزهو في الحناجر، ويصبح للهتاف طعم الأمل الذي يبرهن على أن مكر التاريخ هو أن من يضحك، يضحك أخيرا. زمن يتأكد فيه مرة أخرى أن الجماهير العربية تعرف بوصلتها التي ترتكز إلى تاريخ حُفِرَ عميقا في ذاكرتها الجمعية، تاريخ منتصف أيار، بداية أبشع عملية تطهير عرقي شهدها التاريخ المعاصر، وللأسف ما زالت جارية تحت سمع العالم وبصره حتى يوم الناس هذا.
انه يوم الوجد إلى تراب الأرض، إلى أبواب بيوت القرية ، إلى أزقتها ، إلى بعض جرار في زوايا البيوت تنتظر العائدين يملؤونها زيتا من كروم الزيتون في منحدرات الجبال أو في بطاح الوادي.
انه يوم الوجد المتناسل نسغا يرتوي بأحاديث الذكريات، وصور قديمة، يتخصب بالمعاناة في أكواخ الصفيح في مخيمات عين الحلوة والوحدات واليرموك وخان الشيح وجباليا وبلاطة...الخ، فتزهر الروح شبابا، يقتحم الزمان، وينثر شوقه في المكان.
يوم لم تعد فيه فلسطين أرضاً موعودة تشعل الحنين، بل صارت مدائن قريبة من لمس اليد لرؤى العين حقيقة، لا في الأحلام. يوم اشتعلت فيه مغامرة قلوب الشباب الفوارة بالعشق، ليصبح كل واحد فيهم ذاك الرجل الذي تحيطه هالة من البهاء المنير، لكنهم لا يبحثون عن حلمهم، بل يحملونه معهم إرادة إلى حيث أسلاك شائكة صدئة مهملة، يكتشفون أن الدروب إلى مجدل شمس أسهل من اجتياز مركز حدود عربي، وان مارون الراس ذاك الممر الذي كان معبراً إلى حياة التشرد واللجوء، صار مشروع طريق إلى عودة تحطم أسواراً صنعها مارك سايكس وجورج بيكو.
يوم مدَّ فيه المصريون نيلهم نهرا من الوجوه السمر إلى رفح، وراحوا يتنقلون في شوارع قاهرة العز ليدقوا جرس الإنذار الأول لسفارة في غير موقعها. يوم أعادت فيه ارض الكنانة إلى كتفها العالي جعبتها، ومضت إلى حيث تكون وقفة العز، لينتعش قلب كل هرمٍ برؤية هذه اللحظة التاريخية، ويهتف فرِحاً جذِلاً: هذه الحدود لا بد زائلة، انظروا ما جرى في الجولان ومارون الرأس والكرامة ورفح.
انه يوم سيل العرم من شباب عربي وفلسطيني يتعطش إلى لحظة نصر، وها هو يقبض عليها بساعده الذي هز عروشاً، أضحى كبير مستبديها سجينا بعد أن حبس الطير في أقفاصه الحديدية.
يوم فارقٌ في مسيرة نضال مديدة لشعب عريق في الكفاح وخبراته، قَبْلَ وبَعْدَ ثلاثة وستين عاما، ظل خلالها يمضي مِن حصار إلى حصار، عودته إلى الدار في حصار، حريته في حصار، استقلاله في حصار، فأنشد درويش "حاصر حصارك لا مفر، حاصر حصارك فأنت اليوم حر". شعب صابر مكافح، وبأيوب مِن بين الأنبياء تأسى في مواجهة أكبر عملية سطوٍ سياسي في التاريخ. شعب في "خزان" في الصحراء رموه، فأنشد كنفاني "لماذا لم تدقوا جدران الخزان"؟!!!. ومع طلائع يغمرهم رذاذ النور عكف الشعب يبحث عن "العروس"، (البندقية)، زغردت زغرودتها الأولى عشية "الهزيمة" بعد "النكبة"، وأعادت رسم الخريطة مِن جديد، رغم عالم متواطئ وبني جلدة تكسرت رماحهم في جعبهم. فكان ميلاد "خيمة عن خيمة تفرق"، رأى فيها "الأعمى" بعين "الأطرش"، وسمع "الأطرش" بأذن "الأعمى"، وتحرر الشعب من تعاويذ الدراويش وهلوساتهم. هكذا حرر الشعب الفلسطيني إرادته، وخاض نضالاً مديداً في جدلية مسيرة الكر والفر، والتقدم والتراجع، والظفر بنصر هنا وخسارة نصر هناك، مسيرة لم يسمح العالم فيها بنصر مكتمل يكسر جوزة خرافة "تفوق الأعراق".
إنه يوم شبيبة فلسطينية ناشئة، هضمت مسيرة شعبها النضالية المديدة ودروسها، وفي جو مشحون بحراك شعبي عربي عارم، هبت بالدم تسأل إلى متى يبقى الشعب الفلسطيني نثاراً كملح الأرض لا يلوي إلا على حلمٍ كلما أومض برق يلوح في أفق إلتئامه بنيت سدود في وجه سيوله التي هي دم وعذابات عمرٍ وأنات جرحى ومعاناة أسرى، هي وجع المشردين في المنافي، وقهر المقهورين على جدران الحواجز وزفرات الغيظ مِن جندي مفعم بالعنصرية يشعر بامتلاك الكون حين يحدد مصير إنسان يحاول الوصول إلى مكان هو له، ويمنعه عنه، بل ويقتله بدم بارد؟؟!!
إنه يوم تشابكت فيه سواعد شبيبة فلسطين، في الوطن والشتات، وتمردت على واقع أن يظل شعبها كـ"سيزيف" يحمل صخرة ويمضي إلى أعلى الجبل دون وصول، فحققت الوصول إلى مجدل شمس، ومنها عاد حسين حجازي إلى بيت جده في يافا، بعد أن سالت الدماء على كل جبهات الصراع، ليقف نتنياهو محترف الحروب ورافض التسويات شاحبا مشدوها يقول: "إنهم لا يريدون أراضي عام 1967"!!! وكأن روايته للتاريخ حقيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟