الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعة العربية ورياح التغيير

محمود عبد الرحيم

2011 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية



لاجدال في ان اسقاط ترشيح مصطفي الفقي عن منصب الأمين العام للجامعة العربية خبر سار، اثلج الصدور مصريا وعربيا على المستوى الشعبي، كون المرشح امتدادا لنظام ساقط تطارده جرائم الفساد المالي والسياسي، فضلا عن الاستبداد وجرائم ضد الانسانية والتفريط في المصالح الوطنية وتكريس التبعية والارتهان لكل من واشنطن وتل أبيب.
واسقاط الفقي بدأ، بلا شك، داخل مصر بالوقفات الاحتجاجية ضد ترشيحه، وبالقضايا التى رُفعت أمام المحاكم، وبضغط الرأى العام المصري عبر مثقفيه ونشطائه، الذين قالوا لا لموظف في نظام مبارك، وأحد خدامه المخلصين حتى آخر لحظة، الذي فجأة قام بتلوين خطابه كمئات غيره بعد الثورة، مدعيا أنه كان أحد فرسان المعارضة للنظام، واهما أن ذاكرة الناس تنسى من هو وأدوار أمثاله في الحياة السياسية، وكيف أنه قبل بعضوية مجلس شعب بالتزوير الأمني، و كان يلهث وراء أي موقع رسمي أو شبه رسمي ، وأنه إذا اخذته الحماسة في حوار صحفي، وسقطت منه سهوا عبارة تمس النظام، كان يسارع بتكذيب ما هو مسجل، والتكفير عن زلات اللسان التى تفضح ما وراء الغرف المغلقة، بمزيد من محاولات إثبات الولاء والطاعة للحكم الفاسد المستبد.
ومشكلة الفقي أنه يعيش وهم أنه مثقف لا يشق له غبار، وليس موظفا سلطويا، وأنه اذكى من غيره، و بدلا من التخفي والصمت كأقرانه من رجال مبارك الذين يحملون عارا ليس بعده عار، بإنتسابهم لنظام سيذكره التاريخ والذاكرة الشعبية بكل اشمئزاز كصفحة سوداء ، ما زال يتصور أنه يستطيع التكيف السريع مع الوضع الجديد، وعرض خدماته لمن يقبل بها، وأن عمله بجوار مبارك كسكرتير مكنه من نسج علاقات عربية قوية تؤمن له إعتلاء منصب الأمين العام للجامعة، غير أن الواقع أسقط هذا التوهم الساذج ،وأثبت أن مصر مبارك لا رصيدا عربيا لها، ومكانتها مهزوزة، لذا رشحت قطر أصغر الدول العربية منافسا للمرشح المصري بلا تردد، وحصل انقسام عربي غير مسبوق، كان المخرج منه عرض قطر نفسها سحب مرشحها إذا تم طرح مرشح آخر غير الفقي، فكان نبيل العربي الذي ينتمي لمصر ما بعد مبارك، والتأييد الواسع الذي له دلالته على صعيد وضعية قلب العروبة قبل وبعد ثورة يناير.
غير أن هذا الترشيح لم يرق لي كثيرا، من منطلقين أولهما الرغبة في عدم خسارة العربي كوزير للخارجية المصرية خلال المرحلة الانتقالية في مصر، حيث ساهم وجوده خلال الشهور القليلة الماضية في إحداث درجة من الانقلاب على نهج وزير خارجية مبارك أحمد أبو الغيط ذي الخطاب والسلوك الديبلوماسي اللذين لا يليقان بدولة في حجم ومكانة مصر، وعلى نحو كرس للصراعات وإفساد المصالح المصرية والتماهي مع الأجندة الأمريكية والصهيونية، و الخشية الآن من الإتيان بأحد رجال نظام مبارك أو بطانة ولي عهده لشغل هذا الموقع الحيوي لمصر ما بعد الثورة، وبشكل ينذر بضياع فرصة إستعادة مصر لمكانتها الأقليمية والدولية، و إفساد خطوات عودتها إلى حضنها العربي وعمقها الأفريقي، وكذلك جهود تلطيف الأجواء مع أيران، ووقف نهج الاستسلام للعدو الصهيوني، ودعم القضية الفلسطينية بشكل جدي.
أما المنطلق الثاني، فهو الرغبة في أن تطال رياح التغيير هذه المؤسسة القومية، حيث أن الاصرار على كون أمين عام الجامعة العربية مصريا بإعتبار مصر دولة المقر، وفقا للعرف السائد، وليس لأحكام الميثاق، فأمر يجب التخلص منه، إذا أردنا تكريس نهج الديمقراطية في العمل العربي المشترك، الذي ينبغي أن يكون على أسس مؤسسية، وليس على أعراف تتلاءم مع الفكر القبلي، وليس مع القواعد العصرية.
وتدوير هذا المنصب أمر بالغ الأهمية في هذا السياق، خاصة أنه مطلب تعالى خلال السنوات الماضية، على نحو يثبت مفهوم المساواة وتكافؤ الفرص والتطور الحقيقي في الفكر وآليات العمل.
يبقي، الحديث عن وضعية الجامعة العربية ذاتها، التى ترى أصوات عديدة، وأنا منهم، أنها دخلت مرحلة الموت السريري من سنوات بعيدة، خاصة مع غزو العراق، وأنها عجزت عن مواجهة التحديات الهائلة التى تواجه الأمن القومي العربي، ولم تحقق مصالح وطموحات الشعوب العربية في حدها الأدني، وسط حجم الاختراقات الخارجية العديدة لهذه المنظومة، ثم التحالفات الجديدة التى تبدو كما لو كانت إنقلابا من الداخل على مؤسسة الجامعة العربية المتمثل في ضم كل من الاردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي، على نحو يضعنا عمليا أمام بديل مرتقب للجامعة العربية، ومنظومة ملكية أمنية في الأساس، مكرسة لإحتواء رياح التغيير ونار الثورات العربية، وهذا هو التحدى المنتظر للجامعة العربية ولأمينها العام الجديد.
فهل بمقدور العربي أن ينجح في تجاوز كل هذه المآزق، و العمل على إحياء الجامعة العربية كمؤسسة جامعة لمصالح الدول والشعوب على كافة الأصعدة، وقائدة للعمل العربي المشترك سلما وحربا وتحالفا ومواجهة، أم أنه سيغرق في تفاصيل بيروقراطية بروتوكولية لمؤسسة ذات هيكل فارغ لا يراد لها دور ولا مكانة حتى بين أعضائها وليس أعدائها فحسب؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية