الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اية ديمقراطية نريد؟

معقل زهور عدي

2004 / 11 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أية ديمقراطية نريد؟
ليس من الصعب تصور سيناريو لانتخابات عامة حرة ونزيهة تجري في سورية اليوم والنتائج المحتملة لنوعية البرلمان الذي سنحصل عليه .
فهناك قوة المال لدى طبقة رجال الأعمال الجدد وما يحيط بهم من حاشية ومنتفعين ، وهناك رؤساء العشائر والتجمعات القبلية وشبه القبلية في البادية والريف وحتى ضمن المدن ، وهناك الرموز الدينية التقليدية التي تتمتع بنفوذ وسط قطاع شعبي مهم ، وستبرز للظهور أيضا الانقسامات العمودية من فئوية وقومية وستبحث تلك الانقسامات عن رموزها وممثليها وسط ذلك المهرجان . أما الأحزاب السياسية فربما تكون الأقل حظا في كسب الأصوات، وستظهر نتائج الفراغ السياسي في المجتمع وشيخوخة الأحزاب السياسية وانفصالها عن القاعدة الاجتماعية والشكوك العميقة حول جدارتها للمرحلة القادمة .
والنتيجة المنطقية لتفاعل المؤثرات السابقة هي برلمان شبه مشلول وقوى متحكمة بأدوات أخرى من خلف الستار.
ليست المسألة كما يطرحها البعض أن ذلك يبقى أفضل من برلمان معين يحكمه حزب واحد بأغلبية مفروضة ، ولكن المسألة تحدد بالسؤال الآتي:
أليس بالإمكان اختيار شكل ديمقراطي حقيقي وفعال آخر ؟ وهنا تندفع بسرعة وجهة نظر شائعة تقول : ليس هناك خيار إما الديمقراطية وأدواتها التي أصبحت واضحة ومعروفة على نطاق العالم ، أو الديكتاتورية ، وكل محاولة للبحث في خيار ديمقراطي لا يخضع للمعايير العالمية هي عبث أو تبطين للخروج عن الديمقراطية ، فالديمقراطية الشعبية لم تكن سوى اسم مخادع للشمولية ، حيث ( الشعبية ) أكلت ( الديمقراطية ) وفقا لتعبير الياس مرقص.
والحقيقة أن الجواب على ذلك التساؤل الكبير لايمكن صياغته اليوم ، وكل محاولة متسرعة للإجابة ستبدو أفكارا غير ناضجة ، أو محاولة للي عنق الواقع وإدخاله في منظومات فكرية مسبقة ، ولأن الواقع أكثر صلابة ، والتاريخ أكثر مكرا ، فلا فائدة من إضاعة الجهد في صنع القوالب النظرية .
نموذج الديمقراطية البديل ( إن صحت التسمية ) لن يمكن إنشاؤه بدون إشاعة الحريات ، وإنهاء تحريم السياسة في المجتمع ، ومصادرتها لصالح وجهة نظر واحدة وحيدة.
وبهذا المعنى فان من يريد التخطيط لبناء القصور عليه أن يمتلك قبل ذلك الأرض ، أما وضع التصورات لأشكال القصور دون امتلاك الأرض فهو لا يعدو أن يكون رسما على الماء.
دعونا نركز على الحصول على الحريات العامة .(إنهاء حالة الطوارئ ، إغلاق ملف الاعتقال السياسي والتعذيب، اعادة تحديد المفهوم الأمني ودوره في مختلف مناحي الحياة ، إبعاد القضاء عن السياسة وتأمين سيادته وحياد يته، رفع الوصاية عن النقابات ، إقرار مبدأ التعددية ، إعادة النظر بعلاقة حزب البعث بالسلطة السياسية ، حرية الصحافة ، حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات ). تلك هي مهام المرحلة الحالية التي سيفتح إنجازها الطريق أمام الديمقراطية الحقيقية والتي ستكون جسر العبور لخروج الوطن من الأزمة الشاملة .
غير أنه لاشيء يمنعنا من تلمس بعض الخطوط التي تعتبر من مهام المرحلة الراهنة ، ويمكن أن تسهم أيضا في بناء ديمقراطية الغد ، فهناك دور النقابات العمالية والمهنية ، ودور الصحافة ، ويبدو لي أن هاتين اللبنتين تشكلان حجر الأساس لديمقراطية حديثة ذات طابع وطني .
فالنقابات العمالية والمهنية ( ويمكن أن نلحق بها غرف التجارة والصناعة ) يمكن أن تعبر بصورة مباشرة عن مصالح شرائح اجتماعية واسعة مرتبطة بالعمل والإنتاج والسوق ، والثقافة النقابية تبتعد ( نسبيا) عن الثقافة العشائرية والولاءات التعصبية ، وإذا ما تم تحرير هذه الآلة الاجتماعية الضخمة من وصاية الدولة ، وبث الروح فيها ، فيمكن أن تلعب دورا هاما للغاية في بناء الديمقراطية .
من المفيد أيضا الإشارة للوظيفة الراهنة للنقابات المستقلة كصمام أمان اجتماعي يحافظ على الوحدة الوطنية ويقاوم أي شرخ فئوي. تقتضي حالة الفراغ السياسي ليس فقط تحرير دور النقابات عن طريق رفع الوصاية عنها ، ولكن الاهتمام بها أيضا كمختبر ديمقراطي من خلال اعادة تكوينها ديمقراطيا ، وتفعيل دورها الاجتماعي- السياسي ، ومشاركتها في صنع القرارات، وتلك مهمة كبيرة لايمكن الوصول إليها بدون مشاركة المثقفين الديمقراطيين وتيار التغيير الديمقراطي ضمن الدولة .
لقد ظهرت مؤشرات أولية عن نية السلطة في تقليل التدخل في الانتخابات النقابية ، وعلى تيار التغيير الديمقراطي في المجتمع التقاط الإشارة والمبادرة للدخول في العملية الديمقراطية النقابية .
ومن المهم في هذا الصدد الابتعاد الكلي عن الأهداف والمصالح الضيقة وإظهار وعي اجتماعي متقدم ، وعي جديد لا ينظر للمسألة من زاوية الأرباح والخسائر الحزبية والفئوية ولكن من زاوية إنجاح التجربة الديمقراطية ذاتها والدفع بالكفاءات النزيهة ، والشخصيات ذات الاحترام والسمعة الطيبة الأكثر إخلاصا للمصلحة الوطنية والنقابية ، مثل تلك الشخصيات التي كانت مهمشة بفعل تحكم الدولة والأجهزة ، يمكن أن تصبح مرتكزا لاعادة صياغة العلاقات النقابية ، وذلك عندما تعي أن وصولها إلى المراكز القيادية تم عن طريق الناخب وليس عن طريق التعيين والفرض من قبل السلطة .
إن إملاء الفراغ الاجتماعي –السياسي ( وان بصورة غير تامة) بواسطة تفعيل دور النقابات يشكل صمام أمان للدولة أيضا وهو جزء من الإجابة عن التساؤلات والمخاوف حول الاحتمالات السلبية الكامنة خلف اطلاق الحريات والمضي في طريق الديمقراطية .
سوف تظهر التجربة الديمقراطية – النقابية درجة الوعي التي يتمتع بها الشعب وقوة الانتماء الوطني ودرجة مصداقية ( أو عدم مصداقية ) الأوهام المنتشرة حول المخاوف من ردود الأفعال والانقسامات العمودية ، وسيكون ذلك كله مؤشرا قويا لمضي تيار التغيير الديمقراطي ( خارج الدولة وداخلها ) في مشروعه الذي لانجد مبالغة في القول انه ليس مشروعا للتغيير الديمقراطي فقط ولكنه مشروع الإنقاذ لمستقبل سورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحجاج يتوافدون على عرفات لأداء ركن الحج الأعظم


.. الحرب في أوكرانيا.. خطة زيلينسكي للسلام




.. مراسل الجزيرة مؤمن الشرافي يرصد آخر الأوضاع في مدينة رفح


.. كيف هي الأجواء من صعيد عرفات؟




.. مراسل الجزيرة يرصد أراء الحجاج من صعيد عرفات