الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعدي سماوي في الخروج من القمقم ... البناء ودلالة التعبير الروائي

حسن مجاد

2011 / 5 / 19
الادب والفن


سعدي سماوي
في (الخروج من القمقم)
حسن مجَّاد
حين ترتكز الكتابة الروائية على التجربة بكل تحولاتها سيكون حتما هناك مجالا واسعا لالتقاط ما يبدو غير مجد في تشييد عالمها ؛ لان الوعي بالواقع لا يكون إلا بتمثل الظاهر والمضمر اجتماعيا وسياسيا ، ومن هنا تمتد رحلة الكتابة و تتسع ، وقد تضيق إلى الحد الذي تظهر عمليات الإعداد وتكوين العناصر خللا وتشكل مأزقا في تلافي النقص الحاصل في بنيان العالم الذي لا ينفصل عن محتواه الفكري والإيديولوجي والسياسي ، ومن هنا لا نبحث عن راو – وان كان هذا الأمر مهما– بل إننا نبحث شرائطه ومقوماته ، نقول لا نبحث عنه ؛ لأننا سنجد أصداءه في عالمه الذي شيده بمهارة ، وهو روائي لا يفتقر إلى عناصر البناء الفني بقدر ما يفتقر إلى مقومات الأداء تلك التي تتصل بعمق الرؤية وسعة التجربة لكي يبدو ما هو ذاتي مرتبطا بأفقه الإنساني ومشدودا إلى وقائع تجربته التي تشكل العالم بخصائصه الذاتية دون أن تغرق فيها.
في روايته " الخروج من القمقم " يحاول سعدي سماوي أن يبدو على غير ما هو عليه باستثمار ظلال سيرته الذاتية ، وهي محاولة في الظاهر للتعبير عن الوعي بالمحيط ، فنحن نراه بعينها ونكون رؤية من خلالها ، يبقى سماوي مشدودا للعالم الجواني المكبوت تلك التي تفصح عن الذات وتعمل على تعريتها خالية من الرتوش والبلاغات الاجتماعية ، انه يعمل في منطقة حساسة جدا ، هي منطقة المحرم الاجتماعي في مواجهة الرفض والاستسلام ، ومن هنا تشكل شخصية هادي محورا لاستقطاب الشخصيات الاخر الى الحد التي تقتفي أثره صفة مثل "فلاح " أو تتناقض ، غير إن الإحساس بالتغيير الاجتماعي لا يكفي لبناء شخصية متمردة قادرة على أحداث الفارق الجوهري بين طبيعة الإنسان وواقعه ، بين طبيعته الأولى الغريزية وبين قيود الواقع التي تتكون عبر التراكم التاريخي للمجموعة من القيم والعادات ومنظومة من السلوك الجمعي الذي يشكل وحدة انسجام اجتماعي يكون من الصعب جدا التمرد على حدودها او محاولة إزاحتها تماما ؛ لكنه ينفلت مبررا سلوك شخصياته عبر الوصف والتقديم والولوج إلى العوالم الداخلية لـ"هادي " ، ولا نريد ان نمضي في التأويل بعيدا، لنكتفي بدلالة المباشرة التي يحملها اسم شخصيته " هادي " و نؤشر التضاد الدلالي في التسمية ، لان "هادي " لم يكن هاديا أو هادئا بالمرة .
ان ترشيح هذه الدلالة المباشرة التي تفسر علاقة الشخصية بمحتواها الفكري وصراعا الاجتماعي والنفسي هو الذي يشكل صورة واضحة في بدء الرواية عن عالم هادي ومستقبله ، ومن هنا أحجم الروائي عن إفساح رؤية أخرى للتصور والإدراك لا سيما في ما يتصل بوعي الشخصية لواقعها،وكان بإمكانه ان يطور تكنيك البناء لصالح البطل الذي تدور حوله الرواية عبر ايكال القص اليه أو لغيره أو لوثائق أخرى تتصل به او لفلاح ؛ لكي يكسر الرتابة التي جاء عليها بناء الرواية على المستوى القصصي ، اما على مستوى الرؤية أو وجهة النظر تلك التي تتصل بعالم الشخصية ومنظورها الاجتماعي وموقعها الطبقي فان الرواية تفتقر إلى إبراز الخلفية السياسية وتحديد زمنها العام عبر تأشر الراوي من الأحداث الكبرى من دون أن تتحول إلى رواية أجيال تتسع الحياة فيها وتتناقض ، كما في رواية الثلاثية و زقاق المدق لنجيب محفوظ والمصابيح الزرق لحنا مينا و النخلة والجيران لغائب طعمة فرمان ، و لربما أصر السماوي على الركون إلى استبطان الشخصية وانفعالاتها النفسية في إنشاء عالم الرواية ، ولكن هذا لا يمنح من وضع دوال تشير إلى السياق التاريخي والاجتماعي والاقتصادي ، ومن هنا لا نجد أثرا واضحا لتحديد زمن الكتابة الروائية و مكانها في بنية الرواية على مستوى الهجرة والتحولات في المكان ، إذ وضع تنويها في خاتمة الرواية يؤشر ذلك " كتبت سنة 1975-1976 بالكاظمية – بغداد - عراق ، وبمرزق – ليبيا " على حين كان صدورها في عام 1999 في لندن ، وعلى الرغم من اختلاف الأماكن وتحولات الهجرة القسرية من بغداد الى ليبيا ومن ثم إلى لندن إلا إننا لم نلحظ أثرا لتجربة المنفى ، ومن هنا يصبح التنويه غير مجد من الناحية الفنية ، ولا يترك أثرا في توسيع القراءة وإثرائها، فلو لم يكن موجودا لم نكن بحاجة اليه في فتح شفرات النص وتتبع دلالاته على عكس ما شهدناه في تجربة الروائي العراقي المغترب محمود سعيد في روايتيه " زنقة بن بركة " و " الدنيا في اعين الملائكة ".

توزع بناء الرواية على " 10 " فصول كانت الشخصية محورها شخصية " هادي " في يوم واحد على شفا ليلتين تتداخله ذكريات جزئية عبر التداعي الذاتي والموضوعي ، بمعنى ان زمن الرواية وليس زمن كتابتها يدور في هذه المساحة الزمنية الضيقة التي تتسع باتساع العالم الجواني للبطل ولواعجه النفسية ومشاعره الذاتية ، وليس ضير في ذلك ، ولكن الضير ان لم يكن هناك علاقة بين زمن الرواية وبطلها ، ان لم يكن لهذا الزمن أثر في صياغة وعيه وابراز جوانبه الذاتية ، ومن هنا يمكن ان نقول ان تحديد الراوي العليم لزمن الرواية في شهر رمضان لم يكن له دلالة مباشرة في تطوير الاحداث على الرغم من هامشية الأحداث ، وهو ما لم نعثر عليه تماما سوى في الحوارات التي تقدم لنا عبر الفواصل السردية التي يتحيها لنا الراوي العليم غير ان طريقة تقديمه للشخصية وتعريفه للقارئ بها جاءت في فصوله الأولى
تبقى الرواية مهمة على مستو رسم الشخصية في ضوء اطارها النفسي والاجتماعي ، ومن هنا فلابد للسماوي ان يخرج من القمقم مرة أخرى على الرغم من عسر المحاولة في رواية اخرى اكثر نضجا ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التعبير الروائي
زينب المحنه ( 2012 / 3 / 22 - 19:29 )
السلام عليكم ورحمة الله حقا يادكتور حسن دراسة واعية تسحق القراءة والتامل اتمنى لك مزيدا من العطاء والابداع

اخر الافلام

.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما


.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم




.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان