الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذيان في حضرة الوعي

محيي المسعودي

2011 / 5 / 19
الادب والفن



كان معتصما بحبل بقرته .. وهو يتقي ذات جوع .. الممرات التي تراكمت على جفنيه .. اصابته بخريف خائف .. تلمس صوته في قدميه .. كانت حنجرته ترقص "الهجع" في مستنقع من الرمل على حافة الزنا .. هو نفسه الذي قتل خمبابا في غابة الحلة الفيحاء . يوم كان الخليفة يعتمر مع سيدوري قريبا من المكعب القديم .. هناك وجد لقيته . رصاصة اطلقها فم ابكم .. يومها توثقت علاقته بسرب من الرصاص البرتقالي .. بكوكتيل من الجوع والخوف والخنوع والخيانة والوفاء والزهد والبذخ . .. اعمدة الداخلين تسترق الهرب .. والبوابة فرْج بملايين العصافير .. لمّا تزل القبعة على راس ... يطلق تلك العصافير بلا مأوى .. الصوف انكر الخراف عندما توسده النحاس .. هكذا تكلم الابكم وهو يخاطب سرطان البحر .... نسيت ان اقول لكم ... ان الاميّ الذي قتلته المعرفة ذات جهل لم نبلغه بعد .. وجدته على فراش القثاء توسد اجاصة سوداء لم تنضج بعد ..........
بالامس , كان العراق بقرة حلوبا ولودا ... يمتلكها راعِ انانيّ شره .. يشرب حليبها صباح مساء, يعلفها قشّا يابسا , ويوردها ماء اجاجا ... يأكل لحم عجولها مع الخمرة الحمراء ... في الليالي الحمراء ليزداد نزقا وحاشيته الهمج الوحوش ... كانوا يعصرون القلوب المفعمة بالحياة خمرا يسكرهم مدى الحياة ....
تجرعنا على ارض العراقِ ................... عصائر علقم فـي كأس ساقِ
ترنــــحنــا, فظنونا سُكارى .................... اقامو الحدّ, جلدا في حَنـاقِ
وكابرنا فلم نـــجزع, وكانت ................ عصا الجلاد في ايدي النفاقِ
اليوم , امسى العراق فريسة ممزقة الاوصال .. تنهش لحمها كلاب سائبة وضباع .. لا بلد - اليوم - مثل العراق مستباح ..! احشاؤه ينهشها الاهل الاقحاح .. سعيا الى ترف في حفل الوداع الاخير, الذي تقيأه - نزقا - سياسي حقير ... ولحم جسده تنهشه مخالب وانياب جيران متربصين يطلون بلُعابهم من على السور المتهالك .. السور الذي انهكه النبش وضربات الرفش ..
الظلم بعينه ..عندما لا يستطيع الانسان تقريرمصيره في الحياة , عندما يُجبر على ان يكون ما لا يريد ان يكون .هنا تفقد الحياة طعمها ونكهتها .. تفقد معناها بكل التفاصيل الدقيقة المملة . الانسان لم يختر ولادته ذات لحظة راعشة , لم يختر لونه ولا حجمة ولا اصله ولا قوميته ولا عشريته ولا عائلته ولا دينه ولا مذهبه ولا صحته . ولا ولا ولا ..... ابدا لم يختر أي شيء .. حتى الانصياع والانخراط في معركة اطلق عليها لفظ "حياة" حياة يعلم انه الخاسر الوحيد والابدي فيها .. حال فُرضت عليه فارتضاها مرغما او راغبا . واعيا او بلا وعي, حقيقيا او محض وهمٍ .. هكذا نَقْيم في الحياة, ولكننا نكذب على انفسنا احيانا او نتغابى او حتى نصبح اغباء , لا لشيء الا لكي نمر في هذه الحياة دون ان نحس بتجرعنا لمرارة طعم القهر الذي تُذيقنا ايّاه .
الدين, الامل, العمل, العلم, الرقص, الغناء, الحرب, الحب, التجارة, الصناعة.... كلها افيون, مهما تعددت اسماؤها .. افيون نتقي به قسوة الوعي والحقيقة الاقسى, افيون, يُبقينا في دوامة اللاوعي . ربما نشفع لحالنا هذه بالقول: انْ لا يد لنا بكل ما اصابنا او يصيبنا . ولكن ان يتحول هذا الافيون الى ادوات تقهر ذواتنا وتُضيف قهرا الى القهر الخارج عن ارادتنا , انه لامر اعظم واشد من الاول . قد نتجاوز جريرة الموت بنفس مبررات جريرة الولادة الخارجة عن ارادتنا . ولكن ان يمتهن البعض موتنا سبيلا في زيادة جرعة "افيون العقيدة" ليسكر حد الثمالة بكؤوس مترعة من دمائنا . انه لامر جلل لا يُحتمل .
ثلاثة ايام فقط .... الاول : اول امس , فيه اسقط عشاق الرسول محمد وفدائيوا الله .. اسقطوا عباس – احد افراد اسرتنا- بعبوة ناسفة او ربما سيارة مفخخة .. لا ادري .. ! , لا لشيئ الاّ لانه يكدح طوال اليوم في اعمال البناء الشاقة ليجلب رغيف الخبز الى افواه تخلى عنها الجميع بعد ان طلبها - العشاق ومعشوقهم والفدائيون ومفتداهم - رحل عباس تاركا ثلاث بنات صغيرات اكبرههن ستدخل المدرسة العام القادم بلا اب وستكتب ان ولي امرها , هي امها الارملة فاطمة .
اليوم الثاني : اسقط العشاق والفدائون عباسا آخر وهو من اسرتنا ايضا كان القدر قد اختاره ليكون درعا عن عباس الاول, في الشارع والمنزل والمقهى والمطعم . انه شرطي , تعاقد مع وطنه على دمه "الدم مقابل الخبز" ولكن العشاق والفدائيين بعثوا له مجاهدا مفخخا كان متشوقا لان يتناول فطوره مع الرسول . ففجر المجاهدُ نفسَه في الشارع بكل ما فيه . وحمل فطوره معه الى الرسول وكان شواء لعشرات الاجساد من مختلف الاعمار والاحلام والاعمال والاماني والآمال والمسؤوليات . يقولون ان المجاهد المفخخ تناول فطوره هذا مع الرسول وكان شرها هذا المجاهد في حضرة الرسول الذي يقول المجاهدون انه بارك له هذا الفطور ...
اليوم الثالث: افطر احد العشاق والفدائيين مع الرسول - وبمباركة الرب - بجسد عباس آخر وهو من افراد اسرتنا ايضا .. كان عباس هذا في طريقه الى الكلية وقد اكمل بحث التخرج هذا اليوم وكان عنوان البحث - " اباريق مهشمة" في حياة الشاعر عبد الوهاب البياتي – لم يكن عباس لوحده . بل عشرات الطلاب شوتهم ايدي "الفدائين والعشاق" على جمرمحبة الرسول, ليقدموا كوجبة غداء لله ورسوله على مائدة واحدة .ربما سوف يشعر الآكلون بنعومة لحم الطالبة الجميلة عائشة ابي ذر التي كانت تتأمل عباس قبل الرحيل الجماعي كشريك حياة وفيًّ لها . ساعتذلك, كنت اقف قريبا من حفلة الشواء الالهية .. انتبهت على الشيطان وهو يقف الى جانبي , كان منخرطا في نوبة بكاء شديد . يرتفع نحيبه حد السماء وتتدفق دموعه كبراكين وحمم ,سألته عما يبكيه . فقال لي: لقد حذرت الرب من هؤلاء, قلت له : انهم مفسدون في الارض, ولكنه لم يردْ عليّ .. لم يكن ديمقراطيا هذا الرب .! وها هو اليوم منخرط مثلي في نوبة بكاء لا تنتهي .... انني لا ابكي لبكائه كما يفعل المغفلون اللاطامون . ولكني ابكي عليه وعلى الف عباس وعباس ما بين عباسـ ك هذا وعباسـ ذاك وعباسـ ك القادم بلا اطراف وعباسـ ك الاول , ابكي لاني فشلت في ان اعيد للرب هيبته التي اخرجتني من الجنة ذات حادث بلا تاريخ .. قلت مع نفسي وبصوت عال " اعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وقبل ان يختفي الشيطان القى علي سؤالا ومضى وكان السؤال " : ايها البليد انا بكيت على عباس كما ترى .. فاين دموع الرب يا تُرى ! ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشاعر أحمد حسن راؤول:عمرو مصطفى هو سبب شهرتى.. منتظر أتعاو


.. الموزع الموسيقى أسامة الهندى: فخور بتعاونى مع الهضبة في 60 أ




.. الفنان محمد التاجى يتعرض لأزمة صحية ما القصة؟


.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا




.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل