الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيني: نقطة بيضاء في رقعة سوداء

الطاهر باكري

2011 / 5 / 19
الصحافة والاعلام


نحن معشر الصحافيين، نؤمن أشد ما يكون الإيمان أن الصحافة المستقلة والحرة، تَنْتَعِشُ أكثر فأكثر في البلدان الديمقراطية، ولا يضرنا أن نُعْتَقَلَ أو يُمَارَسَ علينا الحصار بكل تجلياته، ابتداءً؛ بعرقلة طريق الوصول إلى المعلومة، وضرب الحق في الوصول إليها، ونهايةً؛ بمنع الإشهار والإعلان عنا. كل هذا، يضرنا اليوم في المغرب بدرجة قليلة، ولكن أن يُعْتَقَل صحافي لطالما سعى نحو فَضْحِ رموز الفساد وممارساتهم؛ وذلك في ظرفية تُعرف بمرحلة ما بعد خطاب التاسع من مارس؛ فهذا يضرنا بدرجة أكثر.

إن السواد يرتبط في معناه العميق؛ بالجريمة، والانحراف، والفضيحة، وكل تجليات الفساد. لم يكن "نيني"، ينقل لنا عبر مسائه الفضائح والجرائم، ولم تكن جريدته متخصصة في الجريمة، لم يكن ينقل لنا السواد في قتامته؛ بل كان يكتب عن السواد في وضوحه وجلائه؛ بالأدلة، والأرقام، والمستندات؛ ليفضح الجريمة السياسية، ويكشف أوجه المجرمين السياسيين، كان يرسم "بورتريهات" لهؤلاء المجرمين من خلال عموده "شوف تشوف"؛ زفرة القارئ المغربي المُضْطَهَد، وعمود من لا عمود له.

كما يرتبط البياض في معناه العميق؛ بالنقاء والصفاء. وعمود "نيني"، هو تلك النقطة البيضاء والصافية؛ التي تسعى نحو الامتداد لتغطية السواد الذي يعم جانبا كبيرا من المؤسسات السياسية بالمغرب، إن هذه النقطة البيضاء يتتبعها كل المسؤولين المغاربة كل صباح، خوفا من أن يُنْشَرَ فوقها -غسيلهم- سوادهم؛ فقبل شربهم قهوة الصباح، لابد لهم من معرفة صاحب الحظ التعيس؛ الذي نُشِرَ سواده في العمود الذي يقرأه هؤلاء المسؤولون -الفاسدون منهم- مكرَهين لا أبطال.

كنا نتمنى أن يصير لدينا "نينيات" في المغرب بعد خطاب التاسع من مارس، كي يَكثر البياض عن السواد، كي نفتخر بالديمقراطية والنزاهة البيضاء، بدل مذلة الفساد الأسود؛ فعندما يَكثر لدينا أمثال "نيني" في المغرب، آنذاك سَنُقِرُّ بأن لدينا حرية الصحافة، وأن الجسد الصحافي قَطَع الحبل السُّري، وتمتع باستقلاليته الكاملة؛ ليكتب الصحافي ما شاء، دون قيود أو شروط، مع مراعاة أخلاق المهنة طبعا.

ونحن معشر الصحافيين، لا نتصور كذلك أن يحدث تغيير في المغرب دون أن ندفع جزءا كبيرا من ضريبته؛ ف"نيني" في حقيقة الأمر، هو من رسم المعالم الأولى لتلك اليافطات التي يحملها محتجو 20 فبراير؛ والتي رُسِمَت عليها صور رموز الفساد بالمغرب؛ فتلك الصور، هي نفسها البورتريهات التي كان "نيني" يرسمها في عموده كل صباح؛ فالمساء كانت دوما ناطقة بهموم الشعب المغربي، وفاضحة لناهبي أموال الشعب؛ فاعتقال "نيني" جزء من تلك الضريبة.

عندما يجد قراء المساء المنتمين إلى فئات عمرية متفاوتة، وطبقات اجتماعية مختلفة، ومستويات فكرية متعددة، عمودهم المفضل ملونا بالأسود، ومكتوب عليه بالأبيض: "رشيد نيني خلف القضبان دفاعا عن حرية الكلمة.. عودته إلى قرائه حتمية"؛ فإن القراء بلا شك سيتساءلون عمن يقف وراء اعتقال كاتبهم المفضَّل، وعمن تسبب في بث السواد في العمود الأبيض؟

إن من يقفون وراء اعتقال "نيني"، هم من كان سوادهم -غسيلهم- سينشر في المستقبل القريب على تلك النقطة البيضاء من جريدة المساء، وفي انتظار أن تعود تلك النقطة البيضاء لتُمَارِسَ رقابتها المشروعة، نقول لكم: طاب مساؤكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة