الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميدان التحرير..-التطهر الجماعي-.. بين الزيف و نبل الواقع

لينا مظلوم

2011 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


منتصف الثمانينات كانت أجهزة الأمن المصرية منهمكة في احدى جولاتها العنيفة ضمن سلسلة مواجهاتها مع الجماعات الارهابية و كانت المؤسسة التي اعمل بها – روزاليوسف- اقوى وسائل الاعلام و اعلاها نبرة في التصدي لهذه الجماعات , اذ كنا نقف لهم بالمرصاد كي نكشف وجههم القبيح للعالم- فقد حققت المجلة وقتها اعلى ارقام توزيع عربيا بل و عالميا- . في هذا المناخ كشفت أجهزة الأمن امام الرأي العام عن شخصية ارهابي تائب ابدى ندمه و رغبته في الانشقاق عن هذه الجماعا ت ..بالتالي كان السبق الصحفي في اللقاء مع هذا التائب من نصيب مجلة روزاليوسف.
اثناء اجتماع للمحررين , ابلغنا رئيس التحرير انه سيصحب اربعة من زملائي الصحافيين الى سجن "القناطر" للقاء هذا التائب و محاورته.. فجأة اختارني للذهاب معهم و كنت الصحافية الوحيدة بينهم (يمكن شافني زلمة مثلهم ..ما ادري) .. كانت الرحلة خلال شهر تموز – كما اذكر- و قطعت السيارة بنا الطريق الطويل في جو القاهرة البالغ الحرارة و الرطوبة حتى ان المرء يتمنى التخلص ليس من ثيابه فحسب انما حتى من جلده... المهم وصلنا و دخلنا الى مكتب " المأمور" .. لنجد التائب مع مجموعة من شباب هذه الجماعات المقبوض عليهم.. أنزويت جانبا على كرسي – تأدبا- كي ادع الحوار لرئيسي و زملائي و اكتفيت مبدئيا بالمراقبة.. لكن مهنة البحث عن المتاعب تأبى التخلي عني و لو لساعات.. فقد جلس جواري أحد هؤلاء المقبوض عليهم.. فتى لايتجاوز العشرين, و بينما كان الحوار دائرا مع التائب على شكل ندوة.. همست للجالس جواري( ما زلت فتى يافع.. الدنيا كلها امامك.. ما الذي دفعك اليهم.. ما الذي يدفعك مثلا ان تأخذ مائة جنيه ثمنا لرأسي دون حتى ان تعرفني؟) و بدأت اولى المفاجأت في سلسلة الاجابات.. رد علي ببرود( و ايه يعني لما انضم لهم راح يحصل ايه) قلت له ( يا أخي الا تخاف من احتمال ان تصيبك رصاصة اثناء مواجهة مع الأمن وتموت و انت لم تأخذ نصيبك من الدنيا بعد؟) سألني بدوره بنفس الهدوء( ليه هو انا اصلا عايش؟) طلبت منه المزيد من الاستيضاح .. رد( يعني لو كنت استمريت في مدارس و كليات الحكومة الكافرة و حصلت على شهادة هل سأجد وظيفة؟ لا... هل سأستطيع تدبير ثمن ولو غرفة اسكن بها مع فتاة احبها و اتزوجها؟ لا.. هل سأستطيع شراء اي شئ من البضائع التي تخطف البصر حين اراها خلال واجهات العرض في المحلات؟ لا ... يا أختي نحن لم نعرف طعم اللحم الا عن طريق المنافذ التي اقامتها الجماعة لبيع اللحم بسعر رمزي او تهبه لنا كصدقة.. لا نستطيع شراء الدواء الا من خلال العيادات و المراكز التي اقامتها الجماعة لتوفير العلاج بثمن بخس.. فما الذي اخشى عليه لو اصابتني رصاصة و قتلتني .. اموت .. ما هو انا ميت!!!)
الاجابة على بساطتها اعجزتني عن الرد.. هي بتلقائية شديدة تلخص احد الآليات الاساسية لقضية الارهاب و التطرف و خيوطها الشائكة و المتشابكة.. حين يفقد الشباب القدرة على الطموح و يجد امامه كل الطرق مسدودة و الابواب مغلقة ... سيردد "هو انا اصلا عايش؟"
قصة من سلسلة مواقف و احداث عشتها خلال عملي ظلت تحيرني.. و الاغرب ان الحكومات لا تتعلم من الدروس.. اذ بعدها بسنين عندما حدث اول زلزال في مصر عام 1991 كانت اول خيام نصبت لأيواء من تهدمت منازلهم مكتوب عليها( الاسلام هو الحل)
استعدت هذا الموقف..و انا بين شباب و فتيات ميدان التحرير اثناء ثورتهم..وجدت هناك كوكتيل رائع ممزوج من مواد ناضجة اصلية لا تحتوي قطرة مواد حافظة و لا افكار معلّبة نفذت صلاحية استهلاكها..حالة تلاحم طبقي يندر حدوثها..اتفقت ايضا على بذل الروح-وقد بذل فعلا اكثر من 850 شهيد ارواحهم- لكن من اجل"عودة الروح".. فرق شاسع بين جموع وهبت حياتها من اجل الحرية و الديمقراطية.. فاستحقوا تقدير و احترام العالم..تجاوزوا العوامل الاقتصادية و الدينية التي طالما حاولت جهات استغلالها كعنصر جذب لغواية الشباب قبل تفتح و نضج مداركهم.. الى اهداف اكثر نبلا ووعيا.. شباب مارسوا حالة "التطهر الجماعي" للتكفير عن ذنوب أجيال اختارت الصمت و الخنوع..و شباب غرر بهم حزب"أبوجهل" و اعوانه كأدوات لقتل الابرياء تحت زيف الادعاء بانهم ايضا يمارسون حالة "تطهر جماعي" .

لينا مظلوم - كاتبة و صحافية عراقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابن لادن وباقي أبناء..
محمد بن عبدالله ( 2011 / 5 / 19 - 20:52 )
وهل كان ابن لادن أو الظواهري أو غيره من الفقراء المعوذين؟


كان رد هذا المغسول دماغه معك ردا سطحيا سهلا بسيطا تعلم المتعصبون أن يلقوا به في وجه بعض المثقفين غير الدارسين للاسلام السياسي


إن كان الفقر هو سبب الاتجاه للارهاب لماذا لا نرى مليارات الهنود والصينيين أو حتى فقراء أقباط مصر يتجهون للعنف؟؟

السبب الأوحد هو العقيدة يا أستاذة !


2 - ابن لادن وباقي أبناء..
محمد بن عبدالله ( 2011 / 5 / 19 - 20:59 )
وهل كان ابن لادن أو الظواهري أو غيره من الفقراء المعوذين؟


كان رد هذا المغسول دماغه معك ردا سطحيا سهلا بسيطا تعلم المتعصبون أن يلقوا به في وجه بعض المثقفين غير الدارسين للاسلام السياسي


إن كان الفقر هو سبب الاتجاه للارهاب لماذا لا نرى مليارات الهنود والصينيين أو حتى فقراء أقباط مصر يتجهون للعنف؟؟

السبب الأوحد هو العقيدة يا أستاذة !


3 - عمرو حمزاوي
محمد بن عبدالله ( 2011 / 5 / 19 - 23:34 )
نشر اليوم مقال للناشط اللبرالي عمرو حمزاوي الخبير بمعهد كارنجي كتب فيه عن تجربته في اللقاء مع طلبة الجامعة في كل من محافظتي أسيوط والمنيا

ورغم أن المنيا من أفقر مناطق مصر فإنه وجد هناك انفتاحا نسبيا تمثل في وجود طالبات و بعض الأقباط بين الحضور و اسئلة تنم عن وعي سياسي

أما في أسيوط حيث تنشط جماعات الاسلام فلم يحضر اللقاء قبطي واحد بين الستمائة طالب وكان تمثيل الطالبات نادرا وتبين انفصال كامل لعقليات الطلبة مع الحقائق على الأرض بسبب سيطرة الأفكار الظلامية

نسبة الأقباط في المنيلا وأسيوط تكاد تكون واحدة (كذلك بالطبع نسبة النساء فيهما !

;-)

اخر الافلام

.. فندق فاخر في أبوظبي يبني منحلًا لتزويد مطاعمه بالعسل الطازج


.. مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع الإنسانية بغزة | #راد




.. نتنياهو يزيد عزلة إسرائيل.. فكيف ردت الإمارات على مقترحه؟


.. محاكمة حماس في غزة.. هل هم مجرمون أم جهلة؟ | #حديث_العرب




.. نشرة إيجاز - أبو عبيدة: وفاة أسير إثر قصف إسرائيلي